المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من مجموعة " أميرة من كفر خضر " للشاعر الكبير الدكتور عزت سراج



صفاء عطاالله
11-30-2010, 10:00 PM
الْعَصَافِيرُ تُحَلِّقُ دَائِمًا فَوْقَ حُقُولِ الْقَمْحِ



لَمْ يَكُنْ يَظُنُّ أَنَّ الْعَصَافِيرَ الْمُحَلِّقَةَ بَعِيدًا
وَرَاءَ السَّرَابِ يُمْكِنُ أَنْ تَبْتَلِعَ حَبَّاتِ الْقَمْحِ
عَلَى هَذَا النَّحْوِ السَّرِيعِ ، وَتَعْلَقَ أَجْنِحَتُهَا
الرَّقِيقَةُ ، وَتَسْقُطُ فِي الْفِخَاخِ الْمَنْصُوبَةِ وَرَاءَ
أَشْجَارِ الْفَرَاوِلَةِ 0

عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ رَآهَا تَمُرُّ مُسْرِعَةً بِاتِّجَاهِ
الْمِينَاءِ الْقَدِيمِ بَحْثًا عَنْ رَصِيفٍ آمِنٍ
تَهْرَبُ إِلِيهِ مِنْ زِحَامِ السَّيَّارَاتِ الْمُتَسَارِعَةِ ،
وَأَكْتَافِ الْمَارَّةِ الْمُصَابِينَ بِنَوْبَاتِ سُعَارٍ
حَادَّةٍ 0

الْمَسَافَاتُ تَزْدَادُ بَيْنَهُمَا ، وَيَكَادُ يَفْقِدُ خُطُوَاتِهَا
كُلَّمَا عَبَرَتْ مِنْ رَصِيفٍ إِلَى رَصِيفٍ ،
وَازْدَادَ الزِّحَامُ 0

الْمَلامِحُ تَتَشَابَهُ عِنْدَمَا تَتَقَارَبُ الْوُجُوهُ ،
وَتَتَلاصَقُ الأَقْدَامُ ، لَكِنَّ مَلامِحَهَا تَأْبَى أَنْ تَفِرَّ مِنْ ذَاكِرَتِهِ الْمُتْعَبَةِ ، وَتَسْتَعْصِي عَلَى أَنْ تَذُوبَ بَيْنَ الْوُجُوهِ 000

فِي إِصْرَارٍ ـ يُسْرِعُ مُتَنَقِّلاً وَرَاءَهَا
مِنْ شَارِعٍ إِلَى شَارِعٍ ، وَمِنْ حَارَةٍ إِلَى
زُقَاقٍ 000

يُتَابِعُ عَيْنَيْهَا الْعَسَلَيَّتَيْنِ فِي حَذَرٍ أَنْ تَضِيعَ رَائِحَةُ الْوَرْدِ الْبَلَدِيِّ الَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى آثَارِ خُطُوَاتِهَا الْمُتَلاحِقَةِ 0

أَشَارَتْ بِيَدَيْهَا الرَّقِيقَتَيْنِ ـ فِي حَرَكَةٍ مُفَاجِئَةٍ ـ نَحْوَ السَّيَّارَةِ الَّتِي انْطَلَقَتْ مُسْرِعَةً تَشُقُّ الزِّحَامَ 0

هَرْوَلَ ـ فِي جُنُونٍ ـ مُحَاوِلاً اللِّحَاقَ بِهَا دُونَ جَدْوَى 0

000000

000000

000000

أَلْقَى بِجَسَدِهِ الثَّقِيلِ فَوْقَ الْمِقْعَدِ ،
مُتَابِعًا وُجُوهَ الْقَادِمِينَ ، لَعَلَّ وَجْهَهَا الْجَمِيلَ
يَطُلُّ مِنْ وَرَاءِ أَشْجَارِ الْبُرْتُقَالِ الْمُتَرَامِيَةِ أَمَامَ
عَيْنَيْهِ 0

تَمَاسَكَ بِحُلْمِ أَنْ يَرَاهَا ثَانِيَةً ، مُغَادِرًا إِلَى حَيِّ الْحُسَيْنِ 000

مُسْتَسْلِمًا لِمَشَاعِرِهِ النَّابِضَةِ بَيْنَ جَنْبَيْهِ ـ
يَبْتَسِمُ لِطَيْفِهَا الشَّقِيِّ فَوْقَ رَأْسِهِ ، كَشَجَرَةِ تُوتٍ
تَتَمَدَّدُ وَارِفَةً تَمْنَحُ ثِمَارَهَا الشَّهِيَّةَ لأَطْفَالِ
الْحَارَةِ 0

000000

000000

000000

عِشْرُونَ عَامًا مَضَتْ ، وَهُوَ يُعَاوِدُ الْجُلُوسَ
عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمِينَاءِ
الْقَدِيمِ ، مُتَرَقِّبًا وَجْهَهَا الْبَرِيءَ كِي يَبُوحَ بِسِرِّهِ الْحَزِينِ 0

عِشْرُونَ عَامًا مَضَتْ ، وَهُوَ مُمْسِكٌ بِبَقَايَا رُوحِهِ كَصَغِيرٍ يُطْلِقُ الْخَيْطَ عَلَى شَاطِئِ بَحْرٍ لِطَائِرَتِهِ الْمُرَفْرِفَةِ ، ثُمَّ يُمْسِكُ بِهِ كِي تَظَلَّ مُعَانِقَةً خُيُوطَ الشَّفَقِ الْحَمْرَاءَ عِنْدَ الْغُرُوبِ 0

000000

000000

000000

الطَّقْسُ حَارٌّ هَذَا الصَّبَاحَ ، وَهُوَ جَالِسٌ يُرَاقِبُ سِرْبَ يَمَامٍ مَرَّ فَوْقَ أَشْجَارِ الْبُرْتُقَالِ 000

فِي لَحْظَةٍ مُفَاجِئَةٍ ـ طَلَّتْ بِوَجْهِهَا مُتَخَطِّيَةً زِحَامَ الرَّصِيفِ إِلَى جَادَّةِ الطَّرِيقِ 000

لَمْ يُصَدِّقْ عَيْنَيْهِ 000

كَانَتْ مَلامِحُهَا أَكْثَرَ إِشْرَاقًا ، وَزَادَتْهَا السُّنُونَ الطَّوِيلَةُ بَهَاءً وَأُنُوثَةً كَحَبَّةِ تُفَّاحٍ طَابَتْ فَوْقَ فَرْعِهِا ، فَتَدَلَّتْ شَهِيَّةً لِلْقَاطِفِينَ 0

هَبَّ وَاقِفًا ـ فِي ارْتِبَاكٍ ـ كَشُعَاعِ نَجْمٍ فِي غَسَقِ الدُّجَى 0

أَوْقَفَهَا ـ فِي اسْتِمَاتَةٍ ـ مُصِرًّا عَلَى أَنْ يَبُوحَ لِلرِّيَاحِ بِأَسْرَارِهِ 0

ـ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمَجْنُونُ ؟

تَجَاهَلَ نَظَرَاتِهَا الْحَائِرَةَ ، وَأَدْهَشَهُ هَذَا الْبَرِيقُ
الَّذِي نَضَجَ بَيْنَ عَيْنَيْهَا كَسُبَاطَةِ بَلَحٍ زَاهِيَةٍ فَوْقَ
صَدْرِ نَخْلَةٍ 0

ـ مَاذَا تُرِيدُ يَا مَجْنُونُ ؟

ـ اهْدَئِي مِنْ فَضْلِكِ !

بَعْدَ مُحَاوَلاتٍ يَائِسَةٍ لِفَهْمِ جُنُونِهِ ـ الْتَقَيَا ـ
فِي رِفْقٍ ـ لا يَعْرِفَانِ مَا جَمَّعَ بَيْنَهُمَا ، وَوَحَّدَ الأَوْجَاعَ 000

تَهَادَتْ أُغْنِيَةٌ حَزِينَةٌ تَأْتِي كَالْبُرْكَانِ مِنْ أَعْمَاقِ الأَمْوَاجِ 000

كَأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا كَانَ عُمْرًا طَوِيلاً ـ انْطَلَقَا بَعِيدًا عَنْ زِحَامِ الْمَدِينَةِ 0

لَيْلاً إِلَى أَنْ تُشْرِقَ الشَّمْسُ ـ يَشُقَّانِ ـ فِي ارْتِيَاحٍ ـ الطَّرِيقَ إِلَى الْمِينَاءِ الْقَدِيمِ حَيْثُ تَعْبُرُ السَّفَائِنُ فِي حَنِينٍ دَائِمٍ لِلشُّطْآنِ 0

عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ ـ مَلأَتْ ضُلُوعَهُ رَائِحَةُ الْوَرْدِ الْبَلَدِيِّ 000

تَرَنَّحَتْ السَّفِينَةُ مُتْعَبَةً تَتَخَفَّى وَرَاءَ
أَوْجَاعِهِا 000

امْتَزَجَا فِي لَحَظَاتٍ مَجْنُونَةٍ 000

يُرَاقِبَانِ ـ فِي أَلَقٍ ـ الْقَارِبَ الْمَطَّاطِيَّ عَلَى مَهَلٍ يَرْسُو فِي الْمِينَاءِ بَعْدَ أَنْ أَزْبَدَ الْبَحْرُ ، وَهَدَأَتْ أَمْوَاجُ الشَّاطِئِ 0

هدي السماك
12-14-2010, 04:21 PM
قصصك هى الجمال وتاجه وهوالقمر وسراجه لك منى الف تحيه ملييْه بالحب والعرفان موفق بإذن الله ...

هدي السماك
12-14-2010, 04:31 PM
كلمة شكر ما تكفى والمعنى اكبر ماتوفيه اعبر لك عن مدى شكرى واعزازى وتقديرى حفظك الله وراعاك يااْعز شاعر

صفاء عطاالله
12-14-2010, 05:24 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرحب بك أستاذة / هدي السماك في منتدانا
وأشكرك علي كلماتك الرقيقة لشاعرنا الكبير فإنه بصدق يستحق هذا الثناء وأكثر من هذا أيضا
بكل ما يقدمه لنا من أشعار وقصص رائعة ينجذب إليها العقل والفؤاد
فجزاه الله عنا جميعا خير الجزاء وسدد خطاه دائما
أيضا يبدو أنك تعرفينه جيدا وتستمتعين بالقراءة له
فأتمني أن أقدم كل أعماله العظيمة ومجموعاته الشعرية والقصصية كاملة
دمتي بود
خالص تحياتي

هدي السماك
12-22-2010, 07:47 PM
اْشكرك يااْستاذة صفاء على ترحيبك لى وذوقك وكل تقديرى وامتنانى لهذا المنتدى المميزباْعمال شاعرى الرقيق واشكرك لتقديم خدماتك من خلال رسالتك الخاصة لى بالنسبه لشاعرى فاْنا اْعرفه كل المعرفه فكل اْعماله عندى وكل بيت من شعره هو بيتى الذى لاغنى عنه فسلم لى ذوقه وقلبه وطيبته ووفقه الله لما( يحبه) ويرضاه امين موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية وله الف تحيه مليئه( بالحب.)