المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة للشاعر الكبير الدكتور عزت سراج من مجموعة " هذا الولد الأسمر وحصانه الأبيض "



صفاء عطاالله
11-29-2010, 10:25 PM
الْجَدَاوِلُ الْعَطْشَى لا تَسْقِي حُقُولَ الرُّمَّانِ

كَنَبْقَةٍ طَالِعَةٍ بَيْنَ حُقُولِ الذُّرَةِ تَقِفُ أَسْمَاءُ نَاضِرَةً كَعُودِ يَاسَمِينٍ حَامِلَةً رُوحَهَا الْمُتَوَهِّجَةَ بَيْنَ ضُلُوعِهَا فِي انْتِظَارِ أَنْ تَدْخُلَ الْمَحَطَّةَ سَيَّارَةٌ جَدِيدَةٌ 000
فِي زِحَامٍ لا يَنْتَهِي يَتَدَافَعُ الطُّلابُ نَحْوَهَا مُتَجَاهِلِينَ شَتَائِمَ السَّائِقِ الْمُتَجَهِّمِ كَالسَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ بَعْدَ ظُهْرِ نَهَارِ أَغُسْطُسَ ، قَافِزِينَ فَوْقَ النَّوَافِذِ الزُّجَاجِيَّةِ مُحَاوِلِينَ الْوُصُولَ إِلَى الْمَقَاعِدِ الْخَالِيَةِ 000
ـ أَنْتَ يَا ابْنَ الْـ 000 !!
ـ اللهُ يُسَامِحُكَ 0
ـ أَنْتِ يَا بِنْتَ الْـ 000 !!
ـ اللهُ يُسَامِحُكَ يَا شَحْتُوتُ !!
ـ الْمُعَلِّمُ شَحْتُوتٌ يَا بِنْتَ الْـ 000 ، انْزِلِي يَا بِنْتَ الْـ 000 ، إِيَّاكِ أَنْ تَرْكَبِي ثَانِيَةً !!
بَعْدَ سَاعَةٍ أَوْ يَزِيدُ تَتَمَكَّنُ أَسْمَاءُ مِنَ الصُّعُودِ فِي قَفْزَةٍ مُفَاجِئَةٍ دَافِعَةً بِأَصَابِعِهَا الرَّقِيقَةِ قَفَصَاً مُمْتَلِئًا بِالدِّيَكَةِ فَوْقَ رَأْسِ فَلاحَةٍ تَتَنَقَّلُ بِهِ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى أُخْرَى إِلَى الْمَدِينَةِ كُلَّ صَبَاحٍ عِنْدَمَا تُشْرِقُ الشَّمْسُ نَاشِرَةً شُعَاعَهَا الذَّهَبِيَّ فَوْقَ الْبُيُوتِ الْحَزِينَةِ 000
شَارِدَةً كَيَمَامَةٍ ضَلَّتِ الطَّرِيقَ إِلَى عُشِّهَا تَجْلِسُ أَسْمَاءُ بِمَلامِحِهَا النَّقِيَّةِ الْبَرِيئَةِ فَوْقَ الْكُرْسِيِّ مَانِحَةً ابْتِسَامَتَهَا الْمَلائِكِيَّةَ الْمُتَلأْلِئَةَ لِبَعْضِ صَدِيقَاتِهَا الْوَاقِفَاتِ مُشَجِّعَةً لَهُنَّ عَلَى أَنْ يَتَمَاسَكْنَ قَلِيلاً 000
تَتَذَكَّرُ تِلْكَ السَّنَوَاتِ الطَّوِيلَةَ الَّتِي قَضَتْهَا مُسَافِرَةً مِنْ قَرْيَتِهَا إِلَى الْقَاهِرَةِ مُسْرِعَةً نَحْوَ الرَّصِيفِ الْبَعِيدِ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَهَا قِطَارُ السَّادِسَةِ عَائِدَةً إِلَى بَيْتِهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ 000
فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ لا يُطَاقُ الزِّحَامُ ، لَكِنَّ الْمُسَافِرِينَ يَصْبِرُونَ غَارِقِينَ فِي عَرَقِهِمْ ، دَافِعِينَ أَوْجَاعَهُمْ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ، رَاضِينَ بِمَا قَسَمَ اللهُ ، مُتَدَافِعِينَ فَوْقَ الأَرْصِفَةِ ، يَنْتَشِرُونَ مُتَّجِهِينَ يَمِينًا وَيَسَارًا بَحْثًا عَنْ لُقْمَةِ عَيْشٍ نَظِيفَةٍ يَدْفَعُونَ أَعْمَارَهُمْ ثَمَنًا لَهَا 000
تَتَزَاحَمُ الْمَشَاهِدُ مُتَدَاخِلَةً مَعَ أَصْوَاتِ الْبَاعَةِ وَارْتِطَامِ عَجَلاتِ الْقِطَارِ بِالشَّرِيطِ الْحَدِيدِيِّ وَصَفِِيرِهِ الَّذِي لا يَتَوَقَّفُ 000
ـ هِيهِ يَا أَسْمَاءُ !! أَيْنَ ذَهَبْتِ ؟ هَلْ أَغْضَبَكِ الْعَمُّ عَبَّاسٌ الْبَارِحَةَ كَعَادَتِهِ ؟
ـ هَذَا مُحْتَمَلٌ يَا رَبَابُ ، لَكِنْ لا بَأْسَ ، مَا زِلْنَا نَحْيَا طَالَمَا لَمْ يَرْتَطِمِ الْمَرِّيخُ بِالأَرْضِ !!
ـ حَمْدًا للهِ عَلَى السَّلامَةِ ، لَقَدْ وَصَلْنَا طَنْطَا 0
ـ وَآَهِ مِنْ زِحَامِ طَنْطَا وَحَرِّهَا اللافِحِ الَّذِي لا يُحْتَمَلُ سَاعَةَ الظُّهْرِ !!
ـ هَيَّا يَا أَسْمَاءُ 000
ـ نَعَمْ نَعَمْ سَوْفَ أَنْزِلُ 000
مُتَّكِئَةً عَلَى الصُّوَرِ الْمُتَدَاعِيَةِ فِي رَأْسِهَا الْمُنْتَفِخِ تَهْبِطُ أَسْمَاءُ مُسْتَسْلِمَةً لِرِحْلَةٍ جَدِيدَةٍ فِي الْبَحْثِ عَنْ عَمَلٍ مِنْ شَارِعٍ إِلَى آَخَرَ ، وَمِنْ شَرِكَةٍ إِلَى أُخْرَى طَوَالَ النَّهَارِ ، هَارِبَةً مِنْ جُوعِهَا الْمُتَزَايِدِ بِالتَّفْكِيرِ فِيمَا سَيَكُونُ عَلَيْهِ الْغَدُ حِينَ يَأْتِي فَارِسُهَا الأَسْمَرُ فَوْقَ جَوَادِهِ الأَبْيَضِ 000
عَائِدَةً إِلَى بَيْتِهَا تَجُرُّ الْخُطَى الثَّقِيلَةَ حَزِينَةً مُلْقِيَةً جَسَدَهَا الْمُرْهَقَ فَوْقَ السَّرِيرِ جِوَارَ دُعَاءَ الْجَمِيلَةِ 000
تُمَدِّدُ سَاقَيْهَا نَاظِرَةً إِلَى أَصَابِعِ قَدَمَيْهَا الْمُلْتَصِقَةِ فِي زُرْقَةٍ تَنْجَلِي فِي بُطْءٍ شَيْئًا فَشَيْئًا 000
ـ كَيْفَ حَالُكِ يَا دُعَاءُ ؟
ـ الْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ 0
ـ لَقَدْ تَعِبْتُ كَثِيرًا هَذَا النَّهَارَ ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ إِلا أَنْ أَبِيعَ فِي مَحِلٍّ مُحْتَمِلَةً مُضَايَقَاتِ صَاحِبِهِ 0
ـ هَلْ هَذَا مَعْقُولٌ يَا أَسْمَاءُ ، بَعْدَ كُلِّ هَذِهِ الأَعْوَامِ وَالدِّرَاسَةِ فِي كُلِّيَّةِ الإِعْلامِ تَقِفِينَ فِي مَحِلٍّ ؟
ـ وَمَاذَا عَسَايَ أَنْ أَصْنَعَ يَا أُخْتِي ؟
ـ لا تَسْتَسْلِمِي ، قَاوِمِي يَا أَسْمَاءُ !!
ـ لا عَلَيْكِ ، رِكِّزِي أَنْتِ حَتَّى تَنْتَهِيَ تِلْكَ السَّنَةُ الطَّوِيلَةُ عَلَى خَيْرٍ 000 الطِّبُّ يَحْتَاجُ إِلَى مَجْهُودٍ لا يَنْتَهِي 000
ـ أُوَاصِلُ اللَّيْلَ بِالنَّهَارِ يَا أُخْتِي دُونَ تَوَقُّفٍ 0 لَكِنْ مَاذَا أَصْنَعُ وَالْمَرَاجِعُ كَثِيرَةٌ لا أَسْتَطِيعُ شِرَاءَهَا 000
ـ سَوْفَ أُدَبِّرُ الأَمْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ 0
ـ وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟
ـ لا تَشْغَلِي بَالَكِ أَنْتِ !!
ـ أَنْتِ عَلَى لَحْمِ بَطْنِكِ كَالْعَادَةِ ، سَأُعِدُّ لَكِ إِفْطَارًا شَهِيًّا ، لَحْظَةً وَاحِدَةً !
ـ إِفْطَارٌ فِي السَّابِعَةِ مَسَاءً ؟ قُولِي غَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ ، أَكْمِلِي أَنْتِ دَرْسَكِ وَسَأَصْنَعُ لَكِ كُوبَاً لَذِيذًا مِنَ الشَّايِ مَعِي 000
000000
000000
000000
بَعْدَ الْعَشَاءِ تَتَجَمَّعُ الأُسْرَةُ عَلَى طَبَقٍ مِنَ الْفُولِ وَالْبَصَلِ الْمَنْقُوعِ فِي الْخَلِّ وَقِطْعَةِ جُبْنٍ مَالِحَةٍ غَارِقَةٍ فِي الزَّيْتِ 000
تَنْفَرِدُ أَسْمَاءُ بِالصِّغَارِ مُتَابِعَةً دُرُوسَهُمْ فِي تَوَدُّدٍ وَاسْتِعْطَافٍ مُتَنَاسِيَةً أَحْزَانَهَا 000
تَنْسَحِبُ الأُمُّ الْمُتْعَبَةُ خَلْفَ الأَبِ الْمُتَهَالِكِ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ ، يَخْتَلِسَانِ بَعْضَ السَّاعَاتِ يَسْتَرِيحَانِ قَبْلَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْفَجْرُ وَيَبْدَأَ يَوْمٌ جَدِيدٌ 000
000000
000000
000000
كَشَجَرَةِ جُمَّيْزٍ تَتَفَرَّعُ الأَحْزَانُ طَارِحَةً أَوْجَاعًا تَتَزَايَدُ كُلَّمَا مَرَّ عَامٌ وَبَدَأَتْ سَنَةٌ جَدِيدَةٌ عَلَى تِلْكَ الأُسْرَةِ الْبَسِيطَةِ الَّتِي لا تَسْتَطِيعُ تَدْبِيرَ ثَمَنِ الرَّغِيفِ إِلا بِمَزِيدٍ مِنَ الآَلامِ وَالصَّبْرِ عَلَى مَا كَتَبَ اللهُ 000
مُتَجَاهِلَةً أَحْلامَهَا الصَّغِيرَةَ تَذْهَبُ أَسْمَاءُ كُلَّ صَبَاحٍ إِلَى الْمَحِلِّ الْجَدِيدِ لِتَعُودَ كُلَّ مَسَاءٍ حَامِلَةً بَعْضَ الْخُبْزِ بَيْنَ يَدَيْهَا مُسْتَسْلِمَةً لِغَيْبُوبَةٍ تَطُولُ تَسْتَنْزِفُ رُوحَهَا الْمُنْكَسِرَةَ 000
000000
000000
000000
ـ يَا أَسْمَاءُ يَا ابْنَتِي ، الْيَوْمَ تَقَدَّمَ لَكِ عَرُوسٌ جَدِيدٌ 000 أَرْجُو أَنْ تُفَكِّرِي جَيِّدًا قَبْلَ أَنْ تَرْفُضِي هَذِهِ الْمَرَّةَ !!
ـ مَنْ يَا أَبِي ؟
ـ شَحْتُوتٌ سَائِقُ الْبَاصِ يَا ابْنَتِي 0
ـ وَهَلْ تَقْبَلُ أَنْ أَتَزَوَّجَ هَذَا الْجَاهِلَ التَّافِهَ يَا أَبِي ؟
ـ يَا ابْنَتِي إِنَّهُ يَكْسَبُ فِي الْيَوْمِ خَمْسِينَ جُنَيْهًا أَوْ يَزِيدُ ، وَاشْتَرَى بَاصًا جَدِيدًا 000
ـ وَتَبِيعُنِي بِخَمْسِينَ جُنَيْهًا وَبَاصٍ يَا أَبِي ؟
ـ يَا ابْنَتِي سَيُجَهِّزُ كُلَّ شَيْءٍ 000
ـ لا يَا أَبِي ، أُفَضِّلُ الْمَوْتَ عَلَى حَيَاةٍ لا أَعْرِفُ كَيْفَ تَكُونُ مَعَ مِثْلِ هَذَا 000
ـ أَنْتِ تَكْبُرِينَ يَا أَسْمَاءُ ، وَقَدْ تَجَاوَزْتِ الثَّلاثِينَ 0
ـ وَلَوْ يَا أَبِي !!
ـ يَا ابْنَتِي !!
ـ هَذَا رَأْيٌ نِهَائِيٌّ لَنْ أَتَرَاجَعَ فِيهِ 0
ـ كَمَا تَشَائِينَ يَا ابْنَتِي 0
000000
000000
000000
حَائَِرَةً كَعُصْفُورٍ جَرِيحٍ تَبْكِي أَسْمَاءُ مُرْتَعِشَةً خَائِفَةً أَنْ يَمُرَّ الْقِطَارُ وَلا يَتَوَقَّفُ 000
تَمْسَحُ دُمُوعَهَا رَافِعَةً رَأْسَهَا فِي كِبْرِيَاءَ حَامِلَةً جَسَدَهَا كَوَرْدَةٍ مَا زَالَتْ قَادِرَةً أَنْ تَمْنَحَ عِطْرَهَا ، تَأْبَى أَنْ تَنْحَنِيَ مَائِلَةً أَمَامَ شَحْتُوتٍ ، تَرْفُضُ أَنْ تَكُونَ لَحْمًا رَخِيصًا ، صَابِرَةً عَلَى جُوعِهَا تَتَنَقَّلُ مِنْ مَحِلٍّ إِلَى آَخَرَ 000
تَتَسَمَّعُ ـ حِينَ تَسْتَيْقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ مِنْ وَرَاءِ شُبَّاكِ الْحُجْرَةِ ـ صَهِيلَ الْخُيُولِ لَعَلَّ الْفَارِسَ يَجِيءُ ، كَاشِفَةً أَعْضَاءَهَا الْمُتَوَهِّجَةَ فِي نُعُومَةٍ تَتَحَسَّسُ صَدْرَهَا بَاكِيَةً 000
تُوَارِبُ الشُّبَّاكَ فِي ارْتِبَاكٍ 000
فِي غَطْرَسَةٍ يَمُرُّ الْبَاصُ ، يُهَرْوِلُ خَلْفَهُ الأَطْفَالُ مَسْرُورِينَ يَصْعَدُونَ فَوْقَهُ ، تَتَهَلَّلُ أَسَارِيرُ شَحْتُوتٍ دَاخِلَهُ مُلَوِّحًا بِيَدَيْهِ الْغَلِيظَتَيْنِ نَافِخًا ـ فِي ثِقَةٍ ـ دُخَانَ السِّيجَارَةِ 000
عَلَى مَرْمَى بَصَرِهَا تَمْتَدُّ حُقُولُ الْقَرْيَةِ نَاعِسَةً لا تُدَاعِبُهَا الرِّيَاحُ 000
فِي مَوْسِمِ الْجَفَافِ تَتَنَاقَصُ مِيَاهُ التُّرْعَةِ بَيْنَ الشَّطَّيْنِ 000
تَذْبُلُ أَوْرَاقُ الْوَرْدِ 000
الْجَدَاوِلُ الْعَطْشَى لا تَسْقِي حُقُولَ الرُّمَّانِ 0

هدي السماك
12-26-2010, 05:32 AM
شكرا لك ايها الشاعر المعطاء وسلمت لى يداك يااْرق شاعر لك منى الف تحيه مليئه بالحب

هدي السماك
01-01-2011, 02:12 PM
صباحك ومساك فل وياسمين على هذا الطرح الجميل سلمت يداك لك منى احلى واجمل مافى الكون من الامانى الرقيقه الصادقة

هدي السماك
01-03-2011, 02:32 PM
صادق بكل حرف تكتبه وصادق بكل كلمه فى كتاباتك مشكوووووووووووووووووووووور ياشاعرى العملاق (كل الامانى قادمه وبقيت لى سندى) موفق بإذن الله ... لك مني أجمل الامانى الجميله