المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة للشاعر الكبير الدكتور عزت سراج من مجموعة "هذا الولد الأسمر وحصانه الأبيض "



صفاء عطاالله
11-29-2010, 09:48 PM
الْبَقَرَةُ تَسْرَحُ فِي حُقُولِ الْجِيرَانِ رَاضِيَةً مُطْمَئِنَّةً

فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ بَعْدَ عِشْرِينَ عَامًا أَوْ يَزِيدُ ، يَقِفُ الشَّيْخُ يُسْرِي مَذْهُولاً حِينَ جَمَحَتْ بَقَرَتُهُ ، قَاطِعَةً حِبَالَهَا ، هَائِجَةً نَحْوَ حُقُولِ الْخِيَارِ ، رَافِعَةً رِجْلَيْهَا فِي نَهَمٍ تَتَذَوَّقُ طَعْمَهُ اللَّذِيذَ ، نَافِرَةً مَلَّتْ مِنْ عِيدَانِ الْبِرْسِيمِ النَّحِيفَةِ الْجَافَّةِ الَّتِي لَمْ تَعُدْ تُشْبِعُهَا وَتَسُدُّ جُوعَهَا الْمُتَزَايِدَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ 000
000000
000000
000000
كَثِيرًا مَا أَظْهَرَتْ سَأَمَهَا وَفُتُورَهَا مِنْ تِلْكَ الْحُقُولِ الْقَدِيمَةِ ، مُتَأَمِّلَةً وَجْهَهَا فَوْقَ سَطْحِ التُّرْعَةِ ، نَاظِرَةً إِلَى عَيْنَيْهَا الْعَسَلِيَّتَيْنِ الْوَاسِعَتَيْنِ كَحُقُولِ الْقُطْنِ فِي قُرَى الصَّعِيدِ ، الْجَرِيئَتَيْنِ كَعَيْنَيْ صَبِيَّةٍ بَلَغَتْ عَلَى الأَرْصِفَةِ الْبَارِدَةِ بَيْنَ شَوَارِعِ الْهَرَمِ وَمَيْدَانِ لُبْنَانَ وَجَامِعَةِ الدُّوَلِ الْعَرَبِيَّةِ 000
000000
000000
000000
تَئِنُّ فِي إِعْيَاءٍ ، مُتَحَسِّرَةً عَلَى مَا مَضَى وَهِيَ قَابِعَةٌ فِي حَظِيرَةِ الشَّيْخِ يُسْرِي ، سَاهِرَةً لَيْلَهَا الطَّوِيلَ وَحْدَهَا تَتَسَمَّعُ نَهِيقَ الأُتُنِ الْمَسْرُورَةِ حَوْلَ حِمَارِهَا الْمُنْتَفِضِ كَالأَسَدِ الْهِزَبْرِ فِي الْحَظِيرَةِ الْمُجَاوِرَةِ 000
شَاكِيَةً بِعَبَرَاتِهَا الْمُتَرَدِّدَةِ فِي حَرَارَةٍ بَيْنَ صَدْرِهَا ، تَشْهَقُ فِي حَنِينِهَا الْبَاكِي وَاشْتِيَاقِهَا الْمُسْتَحِيلِ 000
000000
000000
000000
وَكَثِيرًا مَا حَاوَلَ الشَّيْخُ يُسْرِي إِرْضَاءَهَا ، مُتَوَدِّدًا فِي لُطْفٍ ، مُحَبِّبًا إِلَيْهَا أَعْوَادَ الْبِرْسِيمِ ، غَيْرَ أَنَّهَا تَأْبَى إِلا أَنْ تَفُكَّ حِبَالَهَا ، مُطْلِقَةً سِيقَانَهَا لِلرِّيَاحِ الْغَرْبِيَّةِ الْمُنْعِشَةِ تَدْفَعُهَا فِي غَيْرِ يَأْسٍ لِفَضَاءَاتٍ مُتَرَامِيَةٍ ، سَائِمَةً فِي حُقُولِ الْجِيرَانِ 000
يُعِيدُهَا فِي ضَعْفٍ أَمَامَ جَبَرُوتِ رَغَبَاتِهَا الطَّامِحَةِ ، مُرْغَمَةً إِلَى حَظِيرَتِهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ دُونَ جَدْوَى 000
000000
000000
000000
يُثِيرُ خَيَالَهَا الشَّارِدَ مَشْهَدُ الأَفْرَاسِ وَهِيَ تَأْكُلُ فِي اشْتِهَاءٍ مِنْ حَقْلِ الْقِثَّاءِ الْمُمْتَلِئِ فِي نَضَارَةٍ وَطَزَاجَةٍ ، مُرَاوِدَةً فَرَسَهَا الْيَعْبُوبَ كُلَّمَا أَحَسَّتْ بَيْنَ أَحْشَائِهَا الْجُوعَ 000
تَتَمَدَّدُ فَوْقَ أَكْوَامِ التِّبْنِ مُسْتَسْلِمَةً ، تُرَاقِبُ ظِلَّهَا الْمَكْسُورَ فَوْقَ الْجُدْرَانِ الْمُشْتَعِلَةِ ، مَسْكُونَةً بِالأَحْلامِ الْمَوْءُودَةِ وَالأَوْجَاعِ الْمَكْتُومَةِ الَّتِي لا تَنْتَهِي 000
تَتَمَنَّى ـ فِي حُرْقَةٍ ـ لَو كَانَتْ ـ يَوْمًا ـ مِثْلَ تِلْكَ الْفَرَسَةِ السَّمْرَاءِ ، لِتَنَامَ لَيْلَةً وَاحِدَةً بِجِوَارِ ذَلِكَ الْفَرَسِ الأَسْمَرِ الْعَفِيِّ ، مُجَرِّبَةً عُنْفَ جُمُوحِهِ ، وَهُوَ يَصْهِلُ فِي انْتِشَاءٍ فَوْقَ التِّلالِ الْعَالِيَةِ 000
000000
000000
000000
لَمْ يُصَدِّقِ الشَّيْخُ الْمِسْكِينُ أَنَّهَا سَتُغَادِرُ هَذِهِ الْمَرَّةَ وَلا تَعُودُ ، تَارِكَةً وَرَاءَهَا بَقَرَتَيْنِ يَافِعَتَيْنِ جَامِحَتَيْنِ كَأُمِّهِمَا 000
مُطَأْطِئَ الرَّأْسِ ، مَهْمُومًا كَأَرْنَبٍ بَرِّيٍّ فِي جُحْرِهِ الْعَمِيقِ يَرْقُبُ نَسْرًا مُتَرَبِّصًا فَوْقَ شَجَرَةِ سَنْطٍ ، يُتَابِعُ الشَّيْخُ يُسْرِي ـ فِي انْكِسَارٍ ـ أَنْبَاءَ بَقَرَتِهِ الَّتِي لا تَكُفُّ عَنْ تَجْوَالِهَا بَيْنَ الْمَرَاعِي الْخِصْبَةِ الْخَضْرَاءِ 000
هَزِيلاً كَعُصْفُورٍ جَرِيحٍ ، يَجُرُّ رِجْلَيْهِ فِي خَجَلٍ مِنْ جَارِهِ الَّذِي بَاتَتْ فِي حَقْلِهِ أَوَّلَ أَمْسِ ، حَامِلاً فَوْقَ ظَهْرِهِ النَّحِيفِ عَارَ بَقَرَتِهِ الَّتِي لَنْ تَشْبَعَ فِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ 000
000000
000000
000000
سَائِمَةً مِنْ حَقْلٍ إِلَى حَقْلٍ ، مَرْبُوطَةً فِي سَاقِيَةٍ إِلَى سَاقِيَةٍ ، تَتَتَبَّعُ خُطُواتِ الثِّيرَانِ ، بَاحِثَةً عَنْ ذَلِكَ الْفَرَسِ الأَسْمَرِ ذِي السَّاقَيْنِ الطَّوِيلَتَيْنِ فِي صَلابَةٍ 000
تَحْلُمُ أَنْ تَأْتِيَ اللَّحْظَةُ الْمُسْتَحِيلَةُ ، وَتَهْرُبَ وَسَطَ حُقُولِ الْقَصَبِ 000
فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَعُودُ وَرَاءَهَا ثَوْرٌ جَدِيدٌ ، حَزِينَةً تَدْفَعُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا الْهُمُومَ نَحْوَ عِيدَانِ الْبِرْسِيمِ ، لِتَظَلَّ وَحْدَهَا طَوَالَ اللَّيْلِ كَعَادَتِهَا تُدِيرُ السَّاقِيَةَ الْقَدِيمَةَ ، حَامِلَةً أَوْجَاعَهَا الْمُتَوَقِّدَةَ فَوْقَ ظَهْرِهَا الْعَرِيضِ ، لِتَجْرِيَ الْمِيَاهُ مُنْسَابَةً فِي جَدَاوِلِهَا الضَّيِّقَةِ بَيْنَ فَدَادِينِ الْقُطْنِ السَحِيقَةِ 000
تُتَابِعُ ـ فِي احْتِرَاقٍ ـ ثَوْرَهَا السَّمِينَ الْهَادِئَ تَحْتَ ظِلالِ صَفْصَافَةٍ وَارِفَةٍ يَأْكُلُ الْبِرْسِيمَ فِي سَلامٍ 000
000000
000000
000000
مِنْ ثَوْرٍ إِلَى ثَوْرٍ ، تَبْحَثُ فِي غَيْرِ تَرَدُّدٍ عَنْ فَرَسِهَا الَّذِي لا يَجِيءُ 000
فِي رِقَّةٍ بَالِغَةٍ تَنْحَنِي لَلأَمَامِ ، مُظْهِرَةً ضَعْفَهَا فِي إِغْوَاءٍ ، لَعَلَّ ثَوْرًا جَدِيدًا يَفُكُّ حِبَالَهُ مُنْدَفِعًا إِلَيْهَا سَاقِطًا بَيْنَ رِجْلَيْهَا 000
مُتَطَلِّعَةً نَحْوَ أَعْوَادِ الْقَصَبِ تَسْتَسْلِمُ لِلأَوْجَاعِ ، سَارِحَةً فِي قَرَارِيطِ الْجِيرَانِ ، رَاضِيَةً فِي مَكْرٍ بِأَعْوَادِ الْبِرْسِيمِ ، تَمْنَحُ ـ كَثَعْلَبٍ ـ دِفْأَهَا ، خَاضِعَةً لِلثِّيرَانِ الْهَائِجَةِ 000
000000
000000
000000
تَنْتَفِضُ كَأُنْثَى أَسَدٍ ، مُهَرْوِلَةً نَحْوَ التُّرْعَةِ ، تَتَسَمَّعُ صَهِيلَ الْخُيُولِ مِنْ بَعِيدٍ 000
تُسْرِعُ رَاغِبَةً لا تَهْدَأُ ثَوْرَتُهَا 000
يَرْفَعُ الشَّيْخُ يُسْرِي كُرْبَاجَهُ فِي اسْتِحْيَاءٍ 000
يُفَرْقِعُ فِي الْهَوَاءِ مَرَّتَيْنِ 000
تُسْرِعُ بَقَرَتَانِ صَغِيرَتَانِ نَحْوَ الصَّهِيلِ 000
تَتَلاقَى الأَبْقَارُ فِي هِيَاجٍ 000
يَعْلُو صَهِيلُ الْفَرَسِ الأَسْمَرِ فِي تَحَمْحُمٍ ، صَائِلاً يَكِرُّ 000
تَجْرِي مُسْرِعَةً تَتَخَبَّطُ أَفْخَاذُهَا مُتَلَهِّفَةً فِي عُنْفُوَانٍ ، تَدْفَعُ قَلْبَهَا النَّابِضَ بَيْنَ ضُلُوعِهَا الْمُرْتَجِفَةِ وَقَدْ سَقَطَ مُشْتَعِلاً فِي لَحْظَةٍ بَيْنَ رِجْلَيْهَا 000
تَفْزَعُ الْبَقَرَتَانِ الصَّغِيرَتَانِ مُرْتَعِشَتَيْنِ فِي اشْتِعَالٍ نَحْوَ الصَّهِيلِ 000
تَتَّسِعُ الأَحْدَاقُ الْكَحِيلَةُ فِي اشْتِيَاقٍ 000
يَنْتَفِضُ الشَّيْخُ يُسْرِي فِي جُنُونٍ 000
يَتَسَاقَطُ تَحْتَ الأَوْجَاعِ 000
يَتَفَتَّتُ عُضْوًا عُضْوًا 000
يَسْحَقُهُ الْفَرَسُ الْقَادِمُ فِي شَبَقٍ كَالطُّوفَانِ تَحْتَ حَوَافِرِهِ 000
تَضْحَكُ سَاخِرَةً 000
تَدْفَعُ الصَّغِيرَتَيْنِ عَنِيفَةً وَرَاءَ ذَيْلِهَا الْمُهْتَزِّ فِي سُرُورٍ 000
لا يَبْتَعِدَانِ 000
تَتَمَدَّدُ مُرْخِيَةً سَاقَيْهَا 000
يَتَمَدَّدَانِ فِي اسْتِسْلامٍ لِلأَلَمِ الزَّاحِفِ ، لا تَطِيقَانِ الْحَرِيقَ 000
تَتَوَجَّعُ فِي ارْتِيَاحٍ 000
تَتَوَجَّعَانِ فِي انْتِشَاءٍ 000
يُخْرِجُ الشَّيْخُ يُسْرِي أَنْفَاسَهُ الأَخِيرَةَ 000 مَدْهُوشًا يَتَسَاءَلُ : لِمَاذَا تَرَكَ الْبَقَرَةَ الْجَامِحَةَ تَسْرَحُ لِلْمَرَّةِ الأُولَى فِي حُقُولِ الْجِيرَانِ رَاضِيَةً مُطْمَئِنَّةً !!
فِي غَيْرِ رِفْقٍ يَنْدَفِعُ الْفَرَسُ الأَسْمَرُ 000
يَصْهِلُ قَافِزًا فِي الْهَوَاءِ 000
يَشِبُّ فَوْقَ أَشْجَارِ التِّينِ مَانِحَةً ظِلالَهَا وَثِمَارَهَا الشَّهِيَّةَ اللَّذِيذَةَ 000
يَبْدَأُ النَّزِيفُ 000
تَتَعَالَى صَرَخَاتٌ مَوْجُوعَةٌ 000
يَهْبِطُ مُنْتَشِيًا 000
تَأْتِي الْخُيُولُ مُشْتَاقَةً مِنْ وَرَاءِ حُقُولِ التُّفَّاحِ الْبَعِيدَةِ 000
تَتَشَمَّمُ رَائِحَةَ الأَبْقَارِ الظَّمْأَى 000
تُقْبِلُ صَاهِلَةً حَامِلَةً أَعْوَادَ الْقَصَبِ 000
تَقْفِزُ ضَاغِطَةً فَوْقَ الأَوْجَاعِ الْقَدِيمَةِ ، عَاصِرَةً ضُرُوعَهَا فِي ذُهُولٍ 0

امان الواصل
12-28-2010, 12:25 PM
حقا قصة جميلة فيها ابداع ادبي عبرت فيها عن ريف بلادنا بصورة رائعة والقصة تعتمد علي التورية ولكنها جميلة ومهذبة احسنتي صفاء نتمني المزيد من هذة القصص الجميلة نشكرك كاتبنا وموفق لما فية الخير لنا وادام اللة عليك الصحة فأنا اشكر العمل الجميل الذي يدخل قلوبنا نرجو المزيد

هدي السماك
12-28-2010, 02:38 PM
اشكرك شكرا جزيلا يااْخ امان الواصل لانك قلت ثناء فى شاعرنا وسراجنا المنير كلا م يستحقه بل المفروض يستحق اكثر من ذلك( اللهم اجعلهم خيرامما يظنون) لشاعرى الرقيق اجمل تحيه مليئه (بالحب)

هدي السماك
01-03-2011, 04:24 AM
شاعرى الرقيق مااْجمل هذه المجموعه الرائعه لقد وسعت مدارك افقنا وتعلمنا الكثير والكثير لك منى احلى الامانى