المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " الملائكة لا تمشي على الأرض مطمئنة " قصة قصيرة لللشاعر الكبير الدكتور عزت سراج



صفاء عطاالله
11-29-2010, 09:28 PM
الْمَلائِكَةُ لا تَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مُطْمَئِنَةً















مَذْهُولاً ، قَفَزَ آَدَمُ مِنَ الْعَرَبَةِ الْمُسْرِعَةِ ، مُصْطَدِمًا بِالأَرْضِ ، مُتَدَحْرِجًا عِدَّةَ أَمْتَارٍ ، مُهَرْوِلاً نَحْوَ ذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَلائِكِيِّ الْبَرِيءِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ يَزِيدُ ، غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إِلَى مَا عَلَقَ بِثِيَابِهِ الْبَيْضَاءِ مِنْ أَوْسَاخِ الطَّرِيقِ حِينَ سَقَطَ ، وَلَمْ تَسْتَطِعْ قَدَمَاهُ امْتِصَاصَ صَدْمَةِ الْقَفْزَةِ الْمُفَاجِئَةِ 000
لا يُصَدِّقُ أَنَّهُ لا يَزَالُ حَيًّا ، وَقَدْ رَأَى وَجْهَ حَوَّاءَ الْجَمِيلَةِ مَرَّةً أُخْرَى ، بَعْدَ غِيَابٍ طَالَ ، بَعُدَتْ لَيَالِيهِ الَّتِي لا تَنْتَهِي فِي سَرْمَدِيَّةٍ مُوحِشَةٍ وَوَحْدَةٍ لا يَدْفَعُ مَلَلَهَا سِوَى أَمَلِ أَنْ يَلْقَاهَا ثَانِيَةً بَعْدَ انْقِطَاعِ رَسَائِلِهَا ، وَسَفَرِهَا الْمُفَاجِئِ نَحْوَ حُلْمِهَا الْمُسْتَحِيلِ 000
عَلَى قَلْبِهِ الضَّعِيفِ ، تَتَدَاعَى الذِّكْرَيَاتُ مُشْعَلَةً كَكِيزَانِ الذُّرَةِ الْمَشْوِيَّةِ حِينَ تُطَقْطِقُ فَوْقَ الْجَمَرَاتِ الْمُلْتَهِبَةِ ، كُلَّمَا حَرَّكَ الصَّبِيُّ يَدَهُ بِالْهَوَاءِ ، نَافِخًا ـ فِي حَمَاسٍ ـ مَا كَادَتْ نِيرَانُهُ تَخْبُو 000
000000
000000
000000
فِي الْمَرَّةِ الأُولَى خَطَفَتْ قَلْبَهُ كَعَرُوسِ النِّيلِ عِنْدَمَا تَتَجَلَّى فِي رَوْعَتِهَا ، آَخِذَةً بِالأَلْبَابِ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ ، فَوْقَ سَطْحِ التُّرْعَةِ ، تَحْتَ شَجَرَةِ الْجُمَّيْزِ ، سَارِقَةً رُوحَ أَوَّلِ صَبِيٍّ يَطْلُعُ مِنْ بَيْنِ الْحُقُولِ الْبَعِيدَةِ 000
عَيْنَاهَا خَضْرَاوَانِ وَحْشِيَّتَانِ وَاسِعَتَانِ تَفْرِشَانِ فَدَادِينَ الْقَرْيَةِ ، تَبْتَسِمَانِ ، تُخَرْبِشَانِ كَمَخَالِبِ قِطَّةٍ تُدَاعِبُ الصِّغَارَ فِي بَرَاءَةٍ ، قَافِزَةً فَوْقَ الْجِدَارِ ، تُطَارِدُ ظِلَّهَا الشَّقِيَّ 0
يَجُوبَانِ مَعَا ـ فِي كُلِّ نَهَارٍ ـ أَفْنِيَةَ الْجَامِعَةِ ، يَبْحَثَانِ عَنْ لَحْظَةٍ مُدْهِشَةٍ ، يَرْتَفِعَانِ فَوْقَهَا إِلَى جَزَائِرِ الرُّوحِ السَّحِيقَةِ ، يُكْمِلانِ أَبْيَاتَ الْقَصِيدَةِ الَّتِي لا تَجِيءُ 000
يَشْرِدَانِ كُلَّ لَيْلَةٍ ، يُحَلِّقَانِ فَوْقَ شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ الْحَزِينَةِ ، يَطُوفَانِ حَوْلَ مَنَازِلِ لَيْلَى وَدِيَارِ قَيْسٍ 000
يَنْتَظِرَانِ ـ فِي جُمُوحٍ ـ حِصَانَ عَنْتَرَةَ ، صَاهِلاً يَأْتِي فَوْقَ الْمُرُوجِ 000
كَنَسْمَةِ الرَّبِيعِ كَانَا يَلْتَقِيَانِ عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ ، يَقْتَرِبَانِ ، يَذُوبَانِ نَقَيَّيْنِ فِي بَكَارَةِ شَجَرَةِ نَبْقٍ طَالِعَةٍ بَيْنَ حُقُولِ الْجَوَافَةِ 000
صَهَرَتْ رُوحَهُمَا الأَحْزَانُ ، فَتَوَحَّدَتْ جِرَاحٌ ، وَالْتَقَتْ أَوْجَاعٌ 000
طَوَالَ سَبْعِ سِنِينَ مِنْ عُمْرِهِمِا لَبِثَا فِي الْمَدِينَةِ ، يَلْتَقِيَانِ لَيْلَ نَهَارَ ، يَحْلُمَانِ أَنْ يَكُونَا مَعًا فَوْقَ نَخْلَةٍ تَبُوحُ بِأَسْرَارِهَا لِلرِّيَاحِ 000
حِينَ يَدْخُلُ الشِّتَاءُ مَفَاصِلَ الشَّجَرِ ، وَتَسْقُطُ الأَمْطَارُ فَوْقَ رِمَالِ الْجَزِيرَةِ الظَّمْأَى ـ يَخْلَعُ سُتْرَتَهُ الصُّوفِيَّةَ ، يُغَطِّي ظَهْرَهَا ، يَمْنَحُهَا دِفْءَ رُوحِهِ النَّبِيلَةِ 000
فَقِيرَيْنِ كَانَا يَبْحَثَانِ عَنْ عُمْرٍ يَضِيعُ فَوْقَ الأَرْصِفَةِ ، يَتَلاشَى فَوْقَ الطُّرُقَاتِ ، يَتَمَاهَى فِي زِحَامِ الْوُجُوهِ وَدُخَانِ السَّيَّارَاتِ 000
000000
000000
000000
ـ لِمَاذَا تُقِيمِينَ الْجِدَارَ بَيْنَ رُوحَيْنَا ، وَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَنْقَضَّ ؟
ـ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا 000
كَلُؤْلُؤَتَيْنِ فِي أَعْمَاقِ الْمُحِيطِ ، افْتَرَقَا ، يَتَعَقَّبَانِ طُيُورَ الرُّوحِ وَرَاءَ السَّرَابِ ، يَبْتَعِدَانِ كَدِلْتَا نَهْرٍ ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ، يَسْقِيَانِ ـ حِينَمَا تَشْتَدُّ حَرَارَةُ الصَّيْفِ ـ حُقُولُ الْقُطْنِ الْعَطْشَى ، تَتَفَتَّحُ زَهْرَتُهَا النَّاعِسَةُ مُنَوِّرَةً فَوْقَ الْعِيدَانِ 000
000000
000000
000000
عِشْرُونَ عَامًا مَضَتْ ، وَلَمْ يَزَلْ وَجْهُهَا الْمَلائِكِيُّ يُضِيءُ رُوحَهُ الْمُتْعَبَةَ 000
000000
000000
000000
عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ يَلْتَقِيَانِ تَحْتَ أَغْصَانِ تِينَةٍ قَدِيمَةٍ تُظَلِّلُ الطَّرِيقَ 000
ـ لا أُصَدِّقُ نَفْسِي
ـ وَلا أَنَا 000 كَيْفَ حَالُكَ ؟
ـ مَا زِلْتُ أُحِبُّكِ
ـ وَأَنَا لَمْ أَنْسَ عَيْنَيْكَ السَّمْرَاوَيْنِ لَحْظَةً 000 أَتَعْرِفُ ؟ حِينَ تَزَوَّجْتُ كُنْتَ أَنْتَ زَوْجِي الْحَقِيقِيَّ 000
ـ وَهَلْ أَنْجَبْتِ ؟
ـ الأُولَى فِي الْعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهَا
ـ يَا اللهُ
ـ وَأَنْتَ
ـ الأَوَّلُ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ
ـ يَا اللهُ 000 كَبُرْنَا رَغْمَ أَنْفِنَا
ـ مَا زِلْتِ كَمَا كُنْتِ جَمِيلَةَ الْجَمِيلاتِ 000 أَنْتِيجُونَا السَّاحِرَةَ 000 أَتَذْكُرِينَ خَشَبَةَ الْمَسْرَحِ وَالذِّكْرَيَاتِ الدَّافِئَةَ ؟
ـ أَمَا زِلْتَ تَذْكُرُ ؟
ـ لا أَنْسَاهَا مَا حَيِيتُ
ـ هَلْ تَأْتِي مَعِي ؟
ـ إِلَى أَيْنَ ؟
ـ اتْرُكْ لِي رُوحَكَ الْمُتْعَبَةَ مَرَّةً ، لَعَلَّنِي أُخَفِّفُ الآَنَ بَعْضَ أَوْجَاعِهَا 0
ـ أَخْشَى أَنْ يُدْرِكَنِي الْغَرَقُ 000
ـ هَيَّا وَرَائِي ، فَقَدْ ضَرَبْتُ لَكَ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى 000
ـ لا بَأْسَ ، هَلْ أَتَّبِعُكِ عَلَى أَنْ تُعَلِّمِينِي مِمَّا عُلِّمْتِ رُشْداً ؟
ـ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً 000
000000
000000
000000
وَرَاءَهَا صَعَدَا لِلدَّوْرِ الْخَامِسِ 000
فَتَحَتْ بَابَ الْحُجْرَةِ 000
دَخَلا 000
قَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا 0
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكًأ وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً 000
ـ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ 000
فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَا لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ 000
ـ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ 000
غَلَّقَتِ الأَبْوَابَ ، مُمْسِكَةً بِذِرَاعَيْهِ الْمَفْتُولَيْنِ فِي انْتِشَاءٍ 000
ـ هَيْتَ لَكَ 000 الآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ 000
هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا 000
قَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ قُبُلٍ 000
عَرَّتْ أَوْجَاعَهُمَا السَّحِيقَةَ 000
عُرْيَانَيْنِ يَفْتَرِشَانِ الأَرْضَ ، يُطَارِدَانِ مَخَاوِفَ اللَّيْلِ الْقَدِيمَةَ 000
يُمْسِكَانِ عَلَى جَمْرِ الرُّوحِ 000
يَقْبِضَانِ الشُّوَاظَ 000
يَقْبِسَانِ النَّارَ فِي لَحْظَةٍ تَفِرُّ فَوْقَ عَقَارِبِ السَّاعَةِ 000
يَمْتَزِجَانِ تَحْتَ الآَلامِ 000
يَتَدَاخَلانِ 000
تَتَلاشَى سَنَوَاتُ الْفِرَاقِ 000
تَتَطَايَرُ ضَفَائِرُهَا وَرَاءَ ظَهْرِهَا فِي نُعُومَةٍ 000
يَقْفِزُ فَوْقَ حِصَانِ عَنْتَرَةَ 000
يَشُدُّ اللِّجَامَ الْمَفْتُولَ 000
يَكِرُّ صَاهِلاً 000
تَتَرَدَّدُ فِي صَدْرِهَا حَمْحَمَاتٌ 000
تَبُوحُ بِأَوْجَاعِهَا 000
تُزْبِدُ الأَمْوَاجُ فَوْقَ شَاطِئِ الْمُحِيطِ 000
يَحْتَضِنَانِ فِي ارْتِيَاحٍ 000
ـ أَتَذْكُرُ حَارَاتِنَا الْقَدِيمَةَ ؟
ـ كُنْتِ كَمَلاكٍ تَبْتَسِمِينَ ، تَمْلَئِينَ صَدْرِي بِالْحَيَاةِ 000
ـ وَكُنْتَ كَنَوْرَسٍ مَلائِكِيٍّ لا يَحُطُّ فَوْقَ الأَشْجَارِ ، تَأْخُذُنِي لِسَمَاوَاتِكَ الْبَعِيدَةِ ، تُحَلِّقُ بِي ، بَاحِثًا عَنْ أَبْيَاتِ الْقَصِيدَةِ الْهَارِبَةِ 000
يَبْتَسِمَانِ فَوْقَ الذِّكْرَيَاتِ الْبَعِيدَةِ ، يُرِيدَانِ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا 000
يَجُوبَانِ شَوَارِعَ الْمَدِينَةِ 000
يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ، وَيَمْشِيَانِ فِي الأَسْوَاقِ 000
يَقْفِزَانِ مِنْ رَصِيفٍ لِرَصِيفٍ 000
يُفَتِّشَانِ فِي الْوُجُوهِ 000
يَنْقُشَانِ ـ فَوْقَ جِذْعِ نَخْلَةٍ ـ حُرُوفَ الْقَصِيدَةِ الأَخِيرَةِ 000
يَتَمَاهَيَانِ بَيْنَ السَّيَّارَاتِ الْمُسْرِعَةِ 000
يَتَلاشَيَانِ فِي الزِّحَامِ 0

هدي السماك
01-03-2011, 10:12 AM
مااْجملها من قصه هادفه اتمنى ان اكو ن بعض من كلماتها بل حروفهاسلمت وسلم قلمك شاعرى الاسمر موفق بإذن الله ... لك مني أجمل الامانى