المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "التماثيل لا تصعد أشجار التوت " قصة للشاعر الكبير والقاص الدكتور عزت سراج



صفاء عطاالله
10-26-2010, 02:45 PM
التَّمَاثِيلُ لا تَصْعَدُ أَشْجَارَ التُّوتِ


بَعْدَ أَنْ هَبَطَتِ الطَّائِرَةُ ، وَحَمَلَ عُمَرُ حَقَائِبَهُ ـ ابْتَسَمَتْ لَيْلَى ، مُلَوِّحَةً لَهُ بِأَصَابِعِهَا الرَّقِيقَةِ كَعُنَّابٍ بَرِّيٍّ ، غَامِزَةً بِعَيْنَيْهَا فِي لُيُونَةٍ تَسْحَبُ رُوحَهُ وَرَاءَ خُطُوَاتِهَا الْمُشْتَعِلَةِ 000
000000
000000
000000
دَاخِلَ الطَّائِرَةِ ـ الْتَصَقَ بِجَسَدِهَا الْمُلْتَهِبِ
فِي نُعُومَةٍ 000
أَسْرَعَتِ الطَّائِرَةُ مُخْتَرِقَةً سُحُبًا مُتَرَاكِمَةً
تَدْفَعُ جَنَاحَيْهَا لِلأَمَامِ كُلَّمَا تَجَاوَزَتْهَا ،
لِتَصْفُوَ السَّمَاءُ لِعُصْفُورٍ وَحِيدٍ يُغَرِّدُ مُنْتَشِيًا
فَوْقَ شَجَرَةِ تِينٍ مُمْتَلِئَةٍ فِي بُرُوزٍ فَوْقَ الرَّبْوَةِ
الْعَالِيَةِ 0
تَصَّاعَدُ الطَّائِرَةُ لأَعْلَى ، مُخَلِّفَةً وَرَاءَهَا لَهِيبًا
لا يُطَاقُ 0
فِي هَذَا الْجَوِّ الْبَارِدِ تَحْتَاجُ الأَعْضَاءُ إِلَى حَرَارَةٍ إِضَافِيَّةٍ قَبْلَ أَنْ تَهْدَأَ فِي مَقَاعِدِهَا 0
بَادَرَهَا الْحَدِيثَ ، فَتَلاقَتِ الْعُيُونُ فِي ارْتِيَاحٍ 0
ارْتَفَعَتْ حَرَارَةُ الطَّائِرَةِ الْمُحَلِّقَةِ فِي ثَبَاتٍ 000
ـ نَرْجُو مِنَ السَّادَةِ الرُّكَّابِ رَبْطَ الأَحْزِمَةِ لِلضَّرُورَةِ !!
مَدَّتْ سَاقَيْهَا لِلأَمَامِ 000
لامَسَتْ ـ فِي اكْتِشَافٍ ـ يُسْرَاهَا يُمْنَاهُ
مُرْتَعِشَةً 000
ابْتَسَمَتْ مَاكِرَةً ، وَانْحَنَتْ لِلْوَرَاءِ مُتَثَائِبَةً تُخْفِى قَلَقَهَا مِنْ رَدِّ الْفِعْلِ 000
فَكَّ الْحِزَامَ 000
تَتَدَاعَى فِي ذَاكِرَتِهِ الْمُتْعَبَةِ تِلْكَ الْحَمَامَةُ الْمِسْكِينَةُ ، وَهِيَ تَحُطُّ فِي عُشِّهَا كُلَّ مَسَاءٍ ، بَاحِثَةً عَنْ لَحْظَةِ صِدْقٍ لا تَأْتِي 0
تُطْفَأُ الأَنْوَارُ 0
تَتَشَابَكُ الأَكُفُّ وَالْعُيُونُ فِي رِحْلَةٍ تَتَدَحْرَجُ فِيهَا الأَرْوَاحُ بَيْنَ الأَقْدَامِ السَّاخِنَةِ 0
تَتَنَهَّدُ فِي جَبَرُوتٍ ، مُتَأَوِّهَةً فِي إِفْضَاءٍ كَامِلٍ ، وَاسْتَسْلامٍ لِلأَوْجَاعِ الْمُرِيحَةِ 0
تَتَمَدَّدُ الذِّكْرَيَاتُ الْبَعِيدَةُ فَوْقَ بَقَايَا الرُّوحِ جَرِيحَةً نَازِفَةً فِي الْبَرَاحِ 000
ـ يُمْكِنُ لِلسَّادَةِ الرُّكَّابِ فَكُّ الأَحْزِمَةِ ، وَالتَّمَتُّعُ بِالرِّحْلَةِ فِي سَلامٍ !!
000000
000000
000000
فَتَحَ الْبَابَ فِي ارْتِبَاكٍ ، وَأَلْقَى الْحَقِيبَةَ وَرَاءَهُ مُسْرِعًا نَحْوَ حُجْرَةِ نَوْمِهِ ، مُخْرِجًا مِنْ تَحْتِ سَرِيرِهِ الْحَدِيدِيِّ الْكَبِيرِ ـ أَكْيَاسَ الصَّلْصَالِ الْقَدِيمَةَ 0
أَخَذَ ـ فِي عُجَالَةٍ عَلَى وَرَقٍ أَبْيَضَ ـ يَخُطُّ ـ فِي دِقَّةٍ ـ تَفَاصِيلَ جَسَدِهَا الْوَرْدِيِّ النَّاصِعِ قَبْلَ أَنْ تَفْلِتَ مَلامِحُهَا الْمُرَاوِغَةُ ، وَتَفِرَّ ـ مِنْ بَيْنِ فُرُوجِ أَصَابِعِهِ ـ أَعْضَاؤُهَا الْمُتَّقِدَةُ 0
يَبْدَأُ فِي خَلْطِ الصَّلْصَالِ بِالْمَاءِ الدَّافِئِ ، مُقَلِّبًا جَيِّدًا حَتَّى تَتَمَاسَكَ الْعَجِينَةُ الطَّرِيَّةُ قَلِيلاً ، مُسْتَدْعِيًا أَشْجَارَ التُّوتِ ، وَتِلْكَ الْبِنْتَ الشَّقِيَّةَ الَّتِي كَانَتْ تَصْعَدُهَا فِي خِفَّةٍ ، قَافِزَةً مِنْ غُصْنٍ إِلَى غُصْنٍ ، مُمْسِكَةً بِحَبَّاتِهَا اللَّذِيذَةِ الْحَمْرَاءِ 0
000000
000000
000000
تَحَيَّرَ مِنْ أَيْنَ يَبْدَأُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ الْمُكْتَمِلَةَ كَمَلاكٍ ؟
مَشْدُوهًا ـ يَلْتَقِطُ الطِّينَ ، يُكَوِّرُهُ مَشْدُودًا نَحْوَ النَّهْدَيْنِ الْمُنْسَحِبَيْنِ كَعُنْقُودَيْ عِنَبٍ يَتَدَلَّيَانِ مِنْ فَوْقِ الْغُصْنِ اللَّيِّنِ 0
يَسْحَبُ ـ فِي رِفْقٍ ـ كَفَّيْهِ ضَاغِطًا لِلأَمَامِ ، لِيَتَّخِذَا شَكْلَ الْقِمْعِ فِي انْحِنَاءٍ خَفِيفٍ 0
تَهْبِطُ يَدَاهُ لِتَرْتَفِعَا عَلَى رَبْوَةٍ تُزَقْزِقُ ـ أَسْفَلَهَا ـ الْعَصَافِيرُ فِي الْعُشِّ الْمَخْبُوءِ بَيْنَ فَرْعَيْنِ يَهْبِطَانِ مِنْ شَجَرَةِ مَنْجُو مُثْمِرَةٍ 0
تَشَكَّلَ الظَّهْرُ مُسْتَقِيمًا كَبَلُّورٍ مَعْقُودٍ تَكَوَّرَ نَاتِئًا قَلِيلاً عِنْدَ مُلْتَقَى الْبُحَيْرَاتِ مَسْحُوبًا فِي انْسِيَابِيَّةٍ بَالِغَةٍ 0
انْتَصَبَ عُنُقُهَا كَمَرْمَرٍ خَالِصٍ حَامِلاً هَذِهِ الرَّأْسَ الصَّغِيرَةَ بِتَفَاصِيلِهَا الدَّقِيقَةِ 0
عَيْنَانِ بُنِّيَّتَانِ لامِعَتَانِ مَاكِرَتَانِ تَغْمِزَانِ تَدْعُوانِ لِلسَّفَرِ فِي فَضَاءَاتٍ لا تَنْتَهِي 0
أَنْفٌ لا غَرْبِيٌّ وَلا شَرْقِيٌّ ، يَشْمَخُ فِي كِبْرِيَاءَ ، دَقِيقٌ كَنَبْقَةٍ فَوْقَ شَطِّ تُرْعَةٍ جَارِيَةٍ 0
فَمٌ نَارِيٌّ كَوَرْدَةٍ تَتَفَتَّحُ نَادِيَةً ، تَتَرَقْرَقُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهَا قَطَرَاتُ النَّدَى 0
رَائِحَةٌ مِسْكِيَّةٌ تَفُوحُ مِنْ بَيْنِ عَنَاقِيدِ الْعِنَبِ فِي حُنُوٍّ مُسْتَحِيلٍ 0
000000
000000
000000
يَنْفُخُ فِي عُشِّ الْعَصَافِيرِ الْهَائِجَةِ نَفْخَةً وَاحِدَةً تَبُثُّ فِي أَنْحَائِهِ الرُّوحَ نَاشِطَةً ، كَبُرْكَانٍ يَغْلِي فِي بَاطِنِ الْبَحْرِ السَّاجِي 0
000000
000000
000000
تَنْتَفِخُ الرَّأْسُ كَثِيرًا ، تَرْفَعُهَا فِي كِبْرِ أَمِيرَةٍ 00
تَتَوَرَّمُ مُرْتَطِمَةً بِالْحَائِطِ 0
قَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ مُتَفَتِّتَةً ـ يُسْرِعُ نَحْوَ السَّاقَيْنِ 00
يَحْمِلُهَا فِي رِفْقٍ مُحْتَضِنًا جَنْبَيْهَا 0
يَتَوَجَّعُ 0
يُشِيرُ إِلَيْهَا أَنْ تَصْعَدَ شَجَرَ التُّوتِ بَيْنَ أَشْجَارِ الْمَنْجُو 0
تَأْبَى أَنْ تَخْلَعَ نَعْلَيْهَا 0
ـ هَيَّا يَا أَمِيرَتِي الْجَمِيلَةَ !! لِنَرَ الآنَ كَيْفَ تَصْعَدِينَ !! فَالثِّمَارُ مُسْتَوِيَةٌ فَوْقَ غُصُونِهَا تَنْتَظِرُ الْقَاطِفِينَ 000
هَيَّا 000 هُزِّي إِلَيْكِ بِجَذْعِ التُّوتِ يُسَاقِطْ عَلَيْكِ حَبًّا شَهِيًّا 0
هَيَّا 000 افْتَحِي لِلْعَصَافِيرِ الْجَائِعَةِ حَبَّةَ مَنْجُو سَاخِنَةً تَنْقُرُ فِيهَا مَشْدُودَةَ الأَوْجَاعِ 0
000000
000000
000000
تَتَشَابَكُ أَصَابِعُهُ لِتَصْعَدَ فَوْقَهَا إِلَيْهَا 000
يَدْفَعُهَا 000
تُمْسِكُ بِالْفَرْعِ الأَعْلَى 000
تَشْمَخُ 000
يَبْتَعِدُ قَرِيبًا نَاظِرًا إِلَى عُصْفُورٍ يَتَرَنَّحُ فِي وَقْفَتِهِ عَلَى غُصْنٍ نَاعِسٍ ، مَا زَالَ يُرَاقِبُ خُطْوَتَهَا فِي انْتِظَارِ حَبَّةِ تُوتٍ طَازَجَةٍ 0
مَجْذُوبَةً لِلأَرْضِ ـ تَسْقُطُ هَابِطَةً 000
تَتَهَشَّمُ 000
تَتَكَسَّرُ 000
تَتَفَتَّتُ 000
تَتَلاشَى الأَعْضَاءُ بَارِدَةً 000
تَسْتَسْلِمُ لِلْمَوْتِ 000
يَتَطَايَرُ عُصْفُورٌ يَصْعَدُ شَجَرَةَ تُوتٍ وَارِفَةً 00
يَبْكِي مُنْهَارًا 000
يَجْمَعُ بَقَايَاهَا فِي سَلَّةِ وَرَقٍ مُحْتَرِقٍ 000
مُمْتَلِئًا بِالأَوْجَاعِ ، يُدْرِكُ أَنَّ الأَمِيرَةَ الْجَمِيلَةَ فِي كِبْرِيَائِهَا لا تَقْدِرُ أَنْ تَصْعَدَ أَشْجَارَ التُّوتِ 0

مونيا
11-13-2010, 10:18 PM
دَاخِلَ الطَّائِرَةِ ـ الْتَصَقَ بِجَسَدِهَا الْمُلْتَهِبِ
فِي نُعُومَةٍ 000
عبارات رقيقة ناعمة
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

هدي السماك
01-03-2011, 10:20 AM
قصه غايه فى دقه التعبير لايحسها الا الذواق للقصص الهادفة شـكــ وبارك الله فيك ـــرا ... لك مني أجمل تحية واحلى الا مانى التى تتمناها واتمناها انا ايضا لك.ياشاعرى العملاق