المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "من أسقط اليمامة الأخيرة وهى تحلق فوق النخلة الشاهقة" للشاعر الكبير الدكتور عزت سراج



صفاء عطاالله
10-26-2010, 01:59 PM
مَنْ أَسْقَطَ الْيَمَامَةَ الأَخِيرَةَ
وَهِيَ تُحَلِّقُ فَوْقَ النَّخْلَةِ الشَّاهِقَةِ ؟


عَلَى شَاطِئِ التُّرْعَةِ الْحَزِينِ ، تَدَلَّتْ أَغْصَانُ الصَّفْصَافِ فِي حُنُوٍّ تُلامِسُ تَيَّاراً مُتَدَفِّقًا تُهَدْهِدُهُ رِيَاحٌ خَفِيفَةٌ بَارِدَةٌ تَتَلاقَى فِي دَوَائِرَ تَتَمَاوَجُ
مُتَلأْلِئَةً ، حَتَّى تَتَلاشَى رُوَيْدًا عَلَى الْجَانِبَيْنِ لِتُفْسِحَ لِلأَمْوَاجِ الْمُتَلاحِقَةِ 000
أَشْجَارُ الْكَافُورِ تَتَمَدَّدُ أَمَامَ حُقُولِ الْبِرْسِيمِ ،
كَجَدَّةٍ طَيِّبَةٍ تُرَاقِبُ أَحْفَادَهَا ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَمَامَ بَيْتِ الْعَائِلَةِ فِي بَرَاءَةٍ 000
يَنْعَكِسُ ضَوْءُ الْقَمَرِ شَاحِبًا عَلَى سَطْحِ التُّرْعَةِ ،
كَامْرَأَةٍ تَتَعَافَى أَسْقَطَتْ حَمْلَهَا مُمْسِكَةً بِبَقَايَا
حُلْمِهَا الذَّابِلِ 000
الْمَمَرُّ بَيْنَ الشَّاطِئِ وَالْحُقُولِ ضَيِّقٌ تُغَطِّيهِ الظِّلالُ الْكَثِيفَةُ الْمُتَشَابِكَةُ ، مُوحِيًا بِأَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا مَا سَيَسْقُطُ فَوْقَ الْعَابِرِينَ لا مَحَالَةَ 0
الْغُمُوضُ يَلُفُّ الطَّرِيقَ ، وَالْمَخَاوِفُ الْقَدِيمَةُ تَتَجَمَّعُ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ حِينَ يَقِفُ الصِّغَارُ أَمَامَ نَخْلَةٍ تَتَوَسَّطُ أَشْجَارَ الْجَوَافَةِ الَّتِي لَمْ تَعُدْ تَطْرَحُ مِنْ زَمَنٍ مَرَّ وَلَنْ يَعُودَ 0
وَحْدَهَا تَظَلُّ شَاهِقَةً ، تُشْرِفُ عَلَى حُقُولِ الْقَرْيَةِ الْمُتَرَامِيَةِ ، يَتَمَايَلُ سَعَفُهَا فِي خُيَلاءَ ، وَقَدِ امْتَلأَتْ سُبَاطَتُهَا بِالْبَلَحِ الشَّهِيِّ 0
هَذَا الْفَتَى الأَسْمَرُ الْبَرِيءُ ـ وَحْدَهُ ـ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْعَدَ فَوْقَهَا ـ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي نَقَاءِ الْمَلائِكَةِ ـ حَتَّى يُمْسِكَ أَعْلَى السُّبَاطَةِ ، قَاطِفًا رُطَبًا
جَنِيًّا 000
يَتَجَمَّعُ صِبْيَانُ الْقَرْيَةِ كُلَّ صَبَاحٍ أَمَامَ الدَّوَّارِ الْقَدِيمِ مُتَّجِهِينَ إِلَى الشَّاطِئِ الْمَسْحُورِ ، يَتَرَقَّبُونَ ـ فِي شَغَفٍ ـ أَنْ تَتَجَلَّى عَرُوسُ النِّيلِ ، وَهِيَ تَغْتَسِلُ كَاشِفَةً عَنْ سَاقَيْهَا ، وَقَدْ دَنَتْ مِنَ الْكَرْمِ ـ فِي أَعْلَى الْحَقْلِ ـ عَنَاقِيدُ الْعِنَبِ 0
مَذْهُولِينَ ـ تَحْتَ النَّخْلَةِ ـ يُلْقُونَ حِجَارَتَهُمُ الْمُتَتَابِعَةَ ، مُحَاوِلِينَ ـ فِي غَيْرِ يَأْسٍ ـ أَنْ تَصِلَ إِلَى المَرْمَى الأَعْلَى 000
ـ الْيَوْمَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُصِيبَ تِلْكَ الْيَمَامَةَ ، وَأُسْقِطُهَا مِنْ أَوَّلِ رَمْيَةٍ !!
ـ لا أَظُنُّ أَنَّ الْحَجَرَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ كُلَّ هَذَا الْجَرِيدِ ، وَيَصِلَ إِلَيْهَا 0
ـ بَلْ يُمْكِنُنِي الْيَوْمَ 0
يَكْتُمُ أَنْفَاسَهُ ، سَاحِبًا شَهِيقًا طَوِيلاً ، مُسْتَجْمِعًا قُوَّتَهُ إِلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ، مُلْقِيًا فِي غَيْرِ رَحْمَةٍ ، لَكِنَّ الْحَجَرَ يَصْطَدِمُ بِالْجَرِيدِ الْمُسْتَقِيمِ الْمَرْصُوصِ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ 000
ـ حَاوِلْ مَرَّةً أُخْرَى ، فَلَمْ يَبْقَ إِلا هَذِهِ الْيَمَامَةُ تَسْكُنُ تِلْكَ النَّخْلَةَ 0
ـ لَكِنَّ هَذِهِ الْيَمَامَةَ الْمَاكِرَةَ تَسْكُنُ فِي أَعْلَى النَّخْلَةِ مُحْتَمِيَةً فِي السَّعَفِ الْكَثِيفِ وَقَدْ بَنَتْ عُشَّهَا آمِنَةً ، فِي انْتِظَارِ وَحِيدِهَا ، وَلَنْ نَسْتَطِيعَ أَنْ نَصِلَ إِلَيْهَا أَبَدًا 000
ـ لا تَسْتَسْلِمْ !! هَيَّا !! رَكِّزْ هَذِهِ الْمَرَّةَ !!
يَدُبُّ الْوَهَنُ فِي ذِرَاعَيْهِ مُقْسِمًا لِرِفَاقِهِ أَنْ
يُسْقِطَهَا فِي الْيَوْمِ التَّالِي ، فَيَعُودُونَ إِلَى بُيُوتِهِمْ رَاضِينَ بِمَا سَقَطَ مِنَ النَّخْلَةِ الشَّاهِقَةِ مِنْ بَلَحِهَا
الأَحْمَرِ اللَّذِيذِ 000
حِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ نَاشِرَةً أَشِعَّتَهَا الذَّهَبِيَّةَ فَوْقَ زَهْرِ الْبِرْسِيمِ الْمُنَوِّرِ فِي ابْتَهَاجٍ ـ يَتَلاقَى الصِّبْيَةُ ثَانِيَةً ، مُشَمِّرِينَ أَذْرُعَهُمُ الْمَفْتُولَةَ ، وَقَدْ أَحْضَرُوا الْحِجَارَةَ الصُّلْبَةَ مِنْ أَطْرَافِ المَدِينَةِ المُجَاوِرَةِ ، فِي إِصْرَارٍ أَنْ يُصِيبُوا تِلْكَ الْيَمَامَةَ هَذِهِ الْمَرَّةَ 0
يَتَجَمَّعُ الأَطْفَالُ وَرَاءَهُمْ مَبْهُورِينَ يُصَفِّقُونَ فِي تَشْجِيعٍ لِمَنْ يُمْسِكُ الْحَجَرَ ، آمِلِينَ أَنْ يَشْهَدُوا لَحْظَةَ السُّقُوطِ الأَخِيرِ ، مُهَرْوِلِينَ خَلْفَ الْبَلَحِ الْمُتَسَاقِطِ ، مُتَفَادِينَ الْحَجَرَ أَنْ يُصِيبَ رُؤُوسَهُمُ الصَّغِيرَةَ 000
يَتَزَاحَمُونَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مُتَدَافِعِينَ فِي مَرَحٍ يَطْلُبُونَ الْمَزِيدَ مِنْ ثِمَارٍ نَضَجَتْ فَوْقَ
سَاقِهَا 000
يَتَحَاكَى الْفَلاحُونَ ـ لَيْلاً ـ بِهَذِهِ الْيَمَامَةِ الَّتِي تَأْبَى أَنْ تَسْتَسْلِمَ لِلصِّبْيَةِ ، وَقَدْ أَشْعَلُوا النِّيرَانَ فِي كَوْمَةِ حَطَبٍ ، وَوَضَعُوا بُرَّادَ الشَّايِ يَغْلِي فَوْقَ لَهِيبِهَا 000
النِّسْوَةُ فِي الْقَرْيَةِ ـ فِي قَلَقٍ ـ تَدُقُّ صُدُورُهُنَّ ، يُرَاقِبْنَ جَنَاحَيْهَا وَهِيَ تُحَلِّقُ فِي ارْتِيَاحٍ نَحْوَ عُشِّهَا الْبَعِيدِ ، يَخْشَيْنَ أَنْ تَشْغَلَ هَذِهِ الْيَمَامَةُ بَالَ رِجَالِهِنَ ، فَيَنْصَرِفُوا عَنْ رَيِّ الْحُقُولِ الظَّمْأَى كُلَّ مَسَاءٍ 000
تَجَمَّعَ الصَّيَّادُونَ يَحْمِلُونَ بَنَادِقَهُمْ ، مُتَرَبِّصِينَ وَرَاءَ شَجَرِ الْجُمَّيْزِ ، مُنْتَظِرِينَ لَحْظَةَ أَنْ تَحُطَّ فَوْقَ الْجَرِيدِ 000
فِي دَهْشَةٍ ـ يَرَاهَا الْوَاقِفُونَ قَرِيبَةً وَاضِحَةً ، كَأَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى إِسْقَاطِهَا ، غَيْرَ أَنَّ الطَّلَقَاتِ الْمُتَتَابِعَةَ لا تَصِلُ إِلَيْهَا مُرْتَدَّةً إِلَى الأَرْضِ فِي انْثِنَاءٍ 0
000000
000000
000000
فِي صَبَاحٍ دَافِئٍ كَصَدْرِ صَبِيَّةٍ لَيْلَةَ دُخْلَتِهَا ـ اسْتَيْقَظَ الصِّبْيَةُ مُتَّجِهِينَ إِلَى الْحُقُولِ ، مُتَرَقِّبِينَ مُحَاوَلَةً جَدِيدَةً لِصَيْدِ الْيَمَامَةِ الْمُحَلِّقَةِ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ ـ فِي ذُهُولٍ ـ يَجِدُونَ الْعُشَّ مُلْقَىً تَحْتَ جِذْعِ النَّخْلَةِ ، وَقَدْ تَنَاثَرَ ـ حَوْلَهُ ـ النَّوَى وَبَقَايَا الْحِجَارَةِ الْمُتَكَسِّرَةِ ، وَلَمْ تَعُدْ تُحَلِّقُ
الْيَمَامَةُ فَوْقَ الْجَرِيدِ 000
تَسَاءَلَ الأَطْفَالُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ :
ـ مَنْ أَسْقَطَ الْيَمَامَةَ الأَخِيرَةَ وَهِيَ تُحَلِّقُ فَوْقَ النَّخْلَةِ الشَّاهِقَةِ ؟ 0

كان اسمه حبيبي
11-20-2010, 08:25 PM
قلمك قطرة الندي التي تحنو على الوردة الرقيقة كل صباح وتقبلها على وجنتيها ..... كلماتك الفجر الذي يحمل شعاع الضوء على عالم مظلم ......... مشكوووووووووووووور ومزيد من الابداعات

الشاعرة شيرين علي