المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " العصافير تفر دائما من النافذة المفتوحة " قصة للشاعر الكبير الدكتور عزت سراج



صفاء عطاالله
10-26-2010, 01:46 PM
الْعَصَافِيرُ تَفِرُّ دَائِمًا مِنَ النَّافِذَةِ الْمَفْتُوحَةِ


أَحْكَمَتْ أَمِيرَةُ شِرَاكَهَا بَعْدَ أَنْ نَثَرَتْ حَبَّاتِ الْقَمْحِ فِي وَسَطَ حُجْرَتِهَا بِعِنَايَةٍ بَالِغَةٍ 000
اخْتَبَأَتْ وَرَاءَ أَسْتَارِ النَّافِذَةِ فِي انْتِظَارِ دُخُولِ سِرْبِ الْعَصَافِيرِ بَحْثًا عَنْ حَبَّاتِ الْقَمْحِ
الطَّازَجَةِ 0
وَاثِقَةً مِنْ قُدُومِهِ الْمَحْتُومِ ـ ظَلَّتْ تَرْقُبُ النَّافِذَةَ
فِي قَلَقٍ مُمْتِعٍ ، يَدُقُّ قَلْبُهَا بَيْنَ جَنْبَيْهَا
فَرَحًا بِمَشْهَدِ الْعُصْفُورِ الَّذِي يَلْتَقِطُ الْحَبَّ ،
فَيَسْقُطُ ـ غَيْرَ مُسْتَسْلِمٍ ـ فِي الشَّرَكِ ،
فَيُجَاذِبُهُ أَمَلاً فِي الْخَلاصِ وَالطَّيَرَانِ لأَعْلَى مَرَّةً ثَانِيَةً ، غَيْرَ أَنَّ جَنَاحَيْهِ قَدْ عَلَقَا فِي أَطْرَافِ الشَّرَكِ النُّحَاسِيِّ ، مُتَسَاقِطَةً قَطَرَاتٌ رَقِيقَةٌ مِنْ دِمَائِهِ عَلَى حَبَّاتِ الْقَمْحِ الْمُتَنَاثِرَةِ 0
تُزَقْزِقُ الْعَصَافِِيرُ نَشِيطَةً فَوْقَ شَجَرَةِ تُفَّاحٍ قَدْ أَثْمَرَتْ خَلْفَ قُضْبَانِ النَّافِذَةِ الْحَدِيدِيَّةِ 000
تَزْدَادُ حَرَكَتُهَا مُتَنَقِّلَةً مِنْ غُصْنٍ إِلَى غُصْنٍ ،
مُغَرِّدَةً فِي انْتِشَاءٍ كُلَّمَا اتَّضَحَتِ الشَّمْسُ بِأَشِعَّتِهَا الدَّافِئَةِ فِي هَذَا الصَّبَاحِ الْمُمْطِرِ ، وَتَجَلَّتْ مِنْ وَرَاءِ السَّحَابِ الْكَثِيفِ 000
تَرْتَفِعُ دَقَّاتُ قَلْبِهَا مُتَتَابِعَةً كُلَّمَا سَمِعَتْ زَقْزَقَةَ الْعَصَافِيرِ تَتَعَالَى مِنْ وَرَاءِ الْقُضْبَانِ 000
ـ لا بُدَّ أَنَّ الْعَصَافِيرَ قَادِمَةٌ ، وَلا مَحَالَةَ سَوْفَ تَنْقُرُ حَبَّاتِ الْقَمْحِ ، وَتَسْقُطُ فِي الْفِخَاخِ الْمَنْصُوبَةِ فِي أَنْحَاءِ الْحُجْرَةِ 0
000000
000000
000000
اسْتَيْقَظَتِ الأُمُّ مِنْ نَوْمِهَا ، مُتَثَائِبَةً ، تَشُدُّ ذِرَاعَيْهَا لِلْوَرَاءِ فِي مُحَاوَلَةٍ لاسْتِعَادَةِ رُوحِهَا الَّتِي أَرْهَقَتْهَا قِلَّةُ النَّوْمِ ، وَالْجَرْيُ وَرَاءَ أَمِيرَةَ مِنْ حُجْرَةٍ إِلَى حُجْرَةٍ ، وَالْقَفْزُ خَلْفَهَا مِنْ سَرِيرٍ إِلَى سَرِيرٍ طُولَ اللَّيْلِ ، مُحَاوِلَةً أَنْ تَرْبِطَ ضَفَائِرَ شَعْرِهَا ، وَتَأْبَى الصَّغِيرَةُ إِلا أَنَّ تَفُكَّ ضَفَائِرَهَا ، مُعْجَبَةً بِذَيْلِ الْحِصَانِ الْبُنِّيِّ الصَّاهِلِ فِي تَحَمْحُمٍ ، وَهُوَ يَجُرُّ عَرَبَةَ الرُّمَّانِ قَافِزًا فِي سُرْعَةٍ يَشُقُّ حُقُولَ الْوَرْدِ الْبَلَدِيِّ 000
فَتَحَتْ بَابَ الْحُجْرَةِ بَاحِثَةً عَنْ هَذِهِ الشَّقِيَّةِ الْمُخْتَبِئَةِ وَرَاءَ الأَسْتَارِ الْكَثِيفَةِ 000
ـ اخْرُجِي يَا أُمِّي بِسُرْعَةٍ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ
الْعَصَافِيرُ 000
ـ يَا ابْنَتِي لِمَاذَا تُطَارِدِينَ الْعَصَافِيرَ ، وَتَصْنَعِينَ لَهَا الْفِخَاخَ ؟ 000
حَرَامٌ عَلَيْكِ يَا أَمِيرَةُ 0
ـ مُتْعَتِي الْكُبْرَى أَنْ أَرَاهَا عَالِقَةً لا تَسْتَطِيعُ أَنْ
تَطِيرَ 000
ـ يَا ابْنَتِي إِنَّهَا تَنْزِفُ فِي أَنْحَاءِ الْحُجْرَةِ 0
ـ أَنَا سَوْفَ أُنَظِّفُهَا ، وَأَمْسَحُ الدِّمَاءَ 0
ـ وَلِمَاذَا تُعَذِّبِينَ رُوحَهَا الْمِسْكِينَةَ ؟
ـ أَنَا سَوْفَ أَفُكُّ قُيُودَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَأُطْلِقُهَا فِي
الْهَوَاءِ 000
ـ هَذِهِ قَسْوَةٌ 000 حَرَامٌ عَلَيْكِ 000 مَاذَا صَنَعَتْ لَكِ ؟
أَنْتِ لَمْ تَعُودِي صَغِيرَةً 000
يَا ابْنَتِي أَنْتِ تَجَاوَزْتِ الْعِشْرِينَ 0
ـ بِسُرْعَةٍ يَا أُمِّي أَغْلِقِي الْبَابَ !! كَفَى كَفَى !!
مُتَلَذِّذَةً بِلَحَظَاتِ الانْتِظَارِ، تَتَرَقَّبُ ـ فِي حِذْرٍ ـ الْتِفَاتَ السِّرْبِ إِلَى الْحَبَّاتِ الْمُتَلأْلِئَةِ فِي أَرْضِيَّةِ الْحُجْرَةِ 000
لَمْ تَتَعَوَّدْ أَنْ تَنْتَظِرَ طَوِيلاً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ أَحَدُهَا حُجْرَةَ نَوْمِهَا الَّتِي تُنَظِّفُهَا جَيِّدًا كُلَّ مَسَاءٍ ،
وَتُهَيِّئُ لِلْعُصْفُورِ الْجَرِيحِ فُرْصَةَ النَّزْفِ فِي حُجْرَةٍ هَادِئَةٍ مُرِيحَةٍ دُونَ أَنْ تُزْعِجَهُ الرِّيَاحُ الْبَارِدَةُ خَارِجَ النَّافِذَةِ 0
قَلِقًا ـ قَفَزَ أَحَدُهَا فَوْقَ الْقُضْبَانِ مُتَلَفِّتًا يَمْنَةً وَيَسْرَةً ، مُسْتَطْلِعًا مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَهْبِطَ لِيَلْتَقِطَ الْحَبَّ الْمُتَنَاثِرَ 000
كَتَمَتْ أَنْفَاسَهَا تُرَاقِبُ مَاذَا يَفْعَلُ ، مُحَاوِلَةً خِدَاعَهُ ، مُسْتَدْرِجَةً إِيَّاهُ حَتَّى يَسْقُطَ فِي الشَّرَكِ الْمَنْصُوبِ بَيْنَ رِجْلَيْهَا 0
مُسْرِعًا الْتَقَطَ مِنْ حَبَّاتِ الْقَمْحِ ، ثُمَّ طَارَ فِي سَلامٍ قَبْلَ أَنْ تُمْسِكَ ـ بِجَنَاحَيْهِ ـ أَبْوَابُ الْمَصْيَدَةِ 0
000000
000000
000000
الْتَقَطَ الثَّانِي بَعْضَهَا ثُمَّ قَفَزَ لأَعْلَى فَالِتًا مِنَ الْفَخِّ فِي اللَّحْظَةِ الْحَاسِمَةِ 0
000000
000000
000000
الْتَقَطَ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ دُونَ أَنْ تُغْلَقَ الأَبْوَابُ عَلَى أَحَدِهِمَا0
000000
000000
000000
قَفَزَ الْعَاشِرُ فَوْقَ الْقُضْبَانِ ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْهَوَاءِ الطَّلْقِ ثَانِيَةً ، عِنْدَمَا لَمْ يَجِدْ فِي الْحُجْرَةِ مَا
يَأْكُلُهُ 000
000000
000000
000000
أَخَذَتْ تَصْرُخُ غَيْرَ مُصَدِّقَةٍ أَنَّ حَبَّاتِ الْقَمْحِ الْتَقَطَتْهَا الْعَصَافِيرُ دُونَ أَنْ تَفُوزَ بِلَذَّتِهَا
الْمُنْتَظَرَةِ 0
ـ أُمِّي لِمَاذَا لا تَعُودُ الْعَصَافِيرُ إِلَى حُجْرَتِي ؟
ـ يَا ابْنَتِي إِنَّهَا تَهْمِسُ إِلَى بَعْضِهَا ، فَتَأْخُذُ حِذْرَهَا وَلا تَعُودُ 000
ـ يَا أُمِّي لَمْ أَعُدْ أَمْلِكُ حَبَّاتِ الْقَمْحِ !!
ـ يَا ابْنَتِي حَبَّاتُ الْقَمْحِ لا تَنْفَدُ 000
وَالْحَقْلُ مُمْتَلِئٌ هَذَا الْمَوْسِمَ وَالْعَصَافِيرُ جَائِعَةٌ 0
ـ وَهَلْ تَجِئُ ثَانِيَةً إِلَى حُجْرَتِي ؟
ـ تَجِئُ ، لَكِنْ إِذَا دَخَلَ الْعُصْفُورُ ـ أَغْلِقِي النَّافِذَةَ جَيِّدًا فِي الْمَرَّةِ الْقَادِمَةِ 0
ـ وَمَتَى يَجِئُ يَا أُمِّي ؟
ـ عِنْدَمَا يَطْرَحُ شَجَرُ التُّفَّاحِ 000 بَعْدَ انْتِهَاءِ مَوْسِمِ الشِّتَاءِ 000
دَخَلَتْ حُجْرَتَهَا ، وَأَلْقَتْ جَسَدَهَا الْمَنْهُوكَ تَحْتَ
فِرَاشِهَا ، وَأَغْلَقَتِ النَّافِذَةَ جَيِّدًا فِي انْتِظَارِ صَبَاحٍ جَدِيدٍ يَأْتِي مَعَهُ عُصْفُورُهَا الْوَحِيدُ مُزَقْزِقًا وَرَاءَ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ الدَّافِئَةِ 0

هويدا
11-11-2010, 11:38 PM
وَأَغْلَقَتِ النَّافِذَةَ جَيِّدًا فِي انْتِظَارِ صَبَاحٍ جَدِيدٍ يَأْتِي مَعَهُ عُصْفُورُهَا الْوَحِيدُ مُزَقْزِقًا وَرَاءَ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ الدَّافِئَةِ 0
يالرقة وعذوبة الكلمات
جزاك الله كل الخير أيها الكاتب العظيم
تقبل مروري
وتقبل تحياتي