المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " الشيخ المبروك يموت غريبا عن قريته " قصة للشاعر الكبير الدكتور عزت سراج



صفاء عطاالله
10-26-2010, 12:26 PM
الشَّيْخُ الْمَبْرُوكُ يَمُوتُ غَرِيبًا عَنْ قَرْيَتِهِ


أَمَامَمَقَابِرِ الْقَرْيَةِ الْمُتَنَاثِرَةِ بَيْنَ الْحُقُولِ الْمُتَرَامِيَةِ ، يَجْلِسُ بَعْضُ الطَّيِّبِينَ ، مُلْتَفِّينَ حَوْلَ صَابِرٍ وَصَبْرِي وَعَبْدِ الصَّبُورِ ، فِي انْتِظَارِ عَرَبَةِ الإِسْعَافِ ، حَامِلَةً جُثْمَانَ الْعَمِّ مَبْرُوكٍ بَعْدَ أَنْ لَفَظَ أَنْفَاسَهُ الأَخِيرَةَ فِي الْمُسْتَشْفَى حِينَ ظَلَّ فِي نَزِيفِهِ ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ طَبِيبٌ 000
فِي الْمَسْجِدِ الْمُقَامِ عَلَى نَاصِيَةِ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَقَابِرِ يَدْخُلُ الْمُصَلُّونَ وَيَخْرُجُونَ غَيْرَ مُلْتَفِتِينَ إِلَى الْجَالِسِينَ مُنْذُ صَبَاحِ الْيَوْمِ حَتَّى أَوْشَكَ اللَّيْلُ أَنْ يَتَسَلَّلُ فَارِشًا سَتَائِرَهُ عَلَى الْبُيُوتِ الصَّامِتَةِ 000
يَهِيمُونَ فِي تَسَابِيحِهِمْ غَارِقِينَ مُتَأَمِّلِينَ ، يَدْعُونَ ذَلِكَ الشَّيْخَ الْمُبَارَكَ السَّاكِنَ فِي الْقُبَّةِ الْخَضْرَاءِ عَلَى يَمِينِ الْمَسْجِدِ 000
تُلَمْلِمُ الشَّمْسُ أَذْيَالَهَا ، مَوْجُوعَةً تُضَمِّدُ جِرَاحَهَا الْغَائِرَةَ ، رَاحِلَةً فِي الآفَاقِ ، سَاحِبَةً بَقَايَا خُيُوطِهَا الْحَمْرَاءِ 000
ـ سَيَدْخُلُ اللَّيْلُ عَلَيْنَا ، وَلَمْ يَصِلْ جُثْمَانُ الْعَمِّ مَبْرُوكٍ 0
ـ لا بُدَّ أَنَّ شَيْئًا مَا قَدْ حَدَثَ !!
ـ عَلَيْنَا أَنْ نُحْضِرَ الْمَشَاعِلَ وَالْكَشَّافَاتِ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ عَرَبَةُ الإِسْعَافِ 0
ـ اجْرِ يَا صَابِرُ وَخُذْ مَعَكَ بَعْضَ إِخْوَانِكَ ، وَأَحْضِرُوهَا 0
ـ هَلْ جَهَّزْتُمْ مَقْبَرَةَ الْعَائِلَةِ يَا صَبْرِي ؟
ـ نَعَمْ ، انْتَهَيْنَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
ـ سُبْحَانَ اللهِ ، عَاشَ الْعَمُّ مَبْرُوكٌ غَرِيبًا عَنْ بِلادِهِ طَوَالَ عُمْرِهِ ، وَمَاتَ غَرِيبًا عَنْهَا 000
ـ وَالْيَوْمَ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِنَا غَرِيبًا عَنْهَا 000
ـ مَاتَ كَاتِمًا أَسْرَارَهُ الَّتِي لَمْ يَكْشِفْهَا لأَحَدِنَا يَوْمًا 000
ـ كَانَ كَتُومًا يَرْحَمُهُ اللهُ
ـ وَعَاشَ وَحِيدًا يَرْحَمُهُ اللهُ
ـ وَمَاتَ وَحِيدًا يَرْحَمُهُ اللهُ
000000
000000
000000
مِنْ دَاخِلِ الْقُبَّةِ الْخَضْرَاءِ تَتَصَاعَدُ رَائِحَةُ الْبَخُورِ مُنْعِشَةً ، تَأْتِي مَخْلُوطَةً بِالْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالأَعْشَابِ الْبَرِّيَّةِ الْمَمْزُوجَةِ بَاعِثَةً رَائِحَةً تَدْخُلُ الصُّدُورَ فِي ارْتِيَاحٍ 000
يَخْرُجُ الْمُصَلُّونَ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ أَدَاءِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ، يَحُثُّونَ الْخُطَى عَائِدِينَ إِلَى بُيُوتِهِمْ آمِنِينَ فِي سَلامٍ 000
يَزْدَادُ التَّوَتُّرُ حِدَّةً بَيْنَ الْجَالِسِينَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ 000
يَدْخُلُ الْقَلَقُ نُفُوسَ الْوَاقِفِينَ أَمَامَ الْمَقَابِرِ فِي انْتِظَارِ مَنْ لا يَجِيءُ000
ـ لِمَاذَا لَمْ تَأْتِ الْعَرَبَةُ حَتَّى الآنَ ؟
ـ رُبَّمَا لَمْ يَنْتَهُوا مِنْ تَصْرِيحِ الدَّفْنِ 000
ـ هَلْ وَجَدُوا شَيْئًا فِي الْجُثَّةِ ؟
ـ عِنْدَهَا لَنْ يُدْفَنَ قَبْلَ أُسْبُوعٍ أَوْ أُسْبُوعَيْنِ 00
ـ لا يَا رَجُلُ ، سَوْفَ يَصِلُ الشَّيْخُ مَبْرُوكٌ بَعْدَ قَلِيلٍ 000
ـ كَانَ الرَّجُلُ فَقِيرًا مِسْكِينًا ، لا يُعَادِي أَحَدًا 0
ـ إِذًا مَا الَّذِي حَدَثَ ؟
ـ لِنَنْتَظِرْ بَعْضَ الْوَقْتِ 000
000000
000000
000000
تَرْتَفِعُ أَشْجَارُ السَّنْطِ وَالْكَافُورِ عَلَى جَانِبَيِ الطَّرِيقِ ، يُحَلِّقُ ـ فَوْقَ فُرُوعِهَا الْمُتَشَابِكَةِ ـ بَعْضُ النُّسُورِ مُتَنَقِّلَةً مِنْ غُصْنٍ إِلَى غُصْنٍ فِي مَهَابَةٍ لا تُقْهَرُ 000
يُهَرْوِلُونَ نَحْوَ الْعَرَبَةِ الْقَادِمَةِ مِنْ بَعِيدٍ 000
يَنْزِلُ عَبْدُ الْعَزِيزِ مَدْهُوشًا يُحِيطُهُ الْمُتَرَقِّبُونَ لِوُصُولِ جُثْمَانِ الشَّيْخِ 000
ـ هَلْ دُفِنَ الشَّيْخُ ؟
ـ كَيْفَ نَدْفِنُهُ وَلَمْ يَصِلْ حَتَّى اللَّحْظَةِ ؟
ـ لَقَدْ خَرَجَتْ عَرَبَةُ الإِسْعَافِ مِنْ سَاعَتَيْنِ أَوْ يَزِيدُ حَامِلَةً جُثْمَانَ الشَّيْخِ مَبْرُوكٍ 000
ـ وَأَيْنَ ذَهَبَ الشَّيْخُ مَبْرُوكٌ ؟
ـ لَسْتُ أَدْرِي
ـ شَيْءٌ عَجِيبٌ
ـ رُبَّمَا كَانَ لَهُ أَهْلٌ لا نَعْرِفُهُمْ أَخَذُوهُ إِلَى قَرْيَتِهِمْ 000
ـ وَرُبَّمَا كَانِ لِلشَّيْخِ كَرَامَاتٌ ، فَطَارَ الْجُثْمَانُ مِنَ الْعَرَبَةِ ، وَاخْتَارَ قَرْيَةً أُخْرَى يُدْفَنُ بِهَا ، لِتُضْرَبَ لَهُ قُبَّةٌ خَضْرَاءُ بَيْنَ قُبُورِهَا 000
ـ وَرُبَّمَا حَدَثَتِ الْمُعْجِزَةُ ، وَعَادَتْ إِلَيْهِ رُوحُهُ مِنْ جَدِيدٍ 000 رُبَّمَا 000
ـ اللهُ أَعْلَمُ
ـ مِنْ غَدٍ نَبْدَأُ الْبَحْثَ عَنْهُ فِي الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ
ـ سَوْفَ نَجِدُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ
ـ أَغْلِقُوا أَبْوَابَ الْمَقَابِرِ !!
ـ لا تُطْفِئُوا الْمَشَاعِلَ حَتَّى نَعُودَ إِلَى الدِّيَارِ سَالِمِينَ !!
ـ لا إِلَهَ إِلا اللهُ
يَنْسَحِبُ الْوَاقِفُونَ وَاحِدًا وَرَاءَ الآخَرِ عَائِدِينَ إِلَى بُيُوتِهِمُ السَّاكِنَةِ 000
يَدْخُلُونَ إِلَى نِسَائِهِمُ الْبَاكِيَاتِ 000
يُغْلِقُونَ الأَبْوَابَ الْخَشَبِيَّةَ الْقَدِيمَةَ 000
يَتَقَلَّبُ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي فِرَاشِهِ 000
لا يَغْمَضُ لَهُ جَفْنٌ 000
يُطَارِدُ خَيَالَهُ مَشْهَدُ الْمَقَابِرِ الْمُغْلَقَةِ عَلَى مَوْتَاهَا فِي وَحْشَةٍ وَسُكُونٍ 000
تَنْبَعِثُ ـ فِي أَنْفِهِ ـ رَائِحَةُ الْبَخُورِ دَافِعَةً رَائِحَةَ الْمَوْتَى آتِيَةً مِنَ الْمَمَرَّاتِ الضَّيِّقَةِ بَيْنَ الْقُبُورِ 000
تَهْتَزُّ أَشْجَارُ السَّنْطِ 000
يَهْبِطُ نَسْرٌ فَوْقَ هُدْهُدٍ كَسِيرٍ وَرَاءَ جِذْعِ نَخْلَةٍ تَضْرِبُ جَرِيدَهَا الرِّيَاحُ 000
يَصْعَدُ مُرْتَفِعًا فَوْقَ الأَغْصَانِ 000
يَسْتَسْلِمُ لِلْبُكَاءِ فِي ذُهُولٍ 000
لا يَنْسَى يَوْمَ أَنْ مَاتَ الشَّيْخُ الْمَبْرُوكُ وَحِيدًا غَرِيبًا عَنْ قَرْيَتِهِ 000
حَزِينًا يُغَادِرُ الْبَيْتَ بَاحِثًا بَيْنَ الْحُقُولِ عَنْ وَجْهِهِ الْمَلائِكِيِّ الْبَرِيءِ ، مُتَّجِهًا نَحْوَ الْقُبُورِ فِي انْكِسَارٍ 0

أشرف
11-02-2010, 09:45 PM
تعبيرات رائعة وأسلوب واضح
بارك الله فيك
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

كان اسمه حبيبي
11-20-2010, 08:54 PM
نجم جديد يتلألأ في سماء الدكتور عزت سراج مشكوووووووووووووووووور يا دكتور وسلمت أناملك .........وإلى مزيد من الكتابات .
الشاعرة شيرين علي