المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القانون الدولي العام..الحاضر الغائب



هيثم الفقى
10-10-2010, 01:30 PM
القانون الدولي العام..الحاضر الغائب
**************


هل هناك قانون دولي بالفعل يحكم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية، ويحدد معايير الشرعية الدولية وماهو (عمل مشروع) و(عمل غير مشروع) في المجتمع الدولي؟
لعله من الصعب والمؤلم على شخص مثلي -وأقولها بكل تواضع- مارس دراسة القانون الدولي وتدريسه في خمس جامعات عربية ودولية، أن يلقي مثل هذا السؤال الذي حار كثير من القانونيين والسياسيين في الإجابة عليه...‏

هناك اليوم أكثر من مئة فرع تخصصي من فروع القانون الخاص والعام، وفي كل فرع من هذه الفروع هناك (القواعد القانونية النظرية) وهناك (تطبيقها في الواقع العملي) ولابد من وجود فرق ما ولو كان ضئيلاً بين القاعدة القانونية وتطبيقها، ولكن المشكلة هنا هي أن الفرق بين القاعدة القانونية الدولية وتطبيقها قد اتسع حتى بلغ 180 درجة في بعض الحالات، حتى إن بعض فقهاء القانون الدولي دعوا للتمييز بين (القانون الدولي العام) كعلم معياري يرسم القواعد لما يجب أن يكون، وبين العلاقات الدولية المعاصرة التي ترصد ماهو كائن بالفعل بكل تحجره وتجبره.‏

إن أول مايجب قوله في هذا المجال هو أن مبادئ القانون الدولي العام وقواعده (المبادئ هي أمهات القواعد) ليست كلها على مستوى واحد من حيث الإلزام، حيث هناك ثلاث زمر من القواعد الدولية اليوم:‏

1- القواعد الدولية الآمرة: وهي التي لايجوز لأي دولة أن تخالفها، وإذا اتفقت دولتان على مخالفتها في نص اتفاقية دولية أو معاهدة بينهما تعتبر هذه المعاهدة باطلة وكأنها لم تكن، والمثال على ذلك أن تتفق دولتان فيما بينهما عبر معاهدة على اقتسام أراضي دولة ثالثة فإن هذه المعاهدة تعتبر باطلة لمخالفتها قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي.‏

2- القواعدالدولية الملزمة: وهي القواعد التي تلزم الدول المخاطبة بأحكامها دون أن يمتد هذا الإلزام إلى كافة الدول، وإذا عقدت دولتان فيما بينهما معاهدة تخالف إحدى هذه القواعد فإن هذه المعاهدة لاتعتبر باطلة وإنما تعرض الدولة التي خالفتها للمسؤولية الدولية.‏

والمثال على ذلك لو اتفقت الدولة (أ) والدولة (ب) على أن تتمتع كل منهما بحق الدولة الأكثر رعاية في العلاقات التجارية بينهما، فإذا عقدت الدولة (ب) بعد ذلك معاهدة مع الدولة (جـ) لتفضيلها على الدولة (أ) في علاقاتهما التجارية البينية، فلا تعتبر المعاهدة الجديدة باطلة، وإنما تلتزم الدولة (ب) بالتعويض تجاه الدولة (أ).‏

3- القواعد الدولية التيسيرية: وهي لاتتمتع بأي طابع إلزامي ولاتترتب أي مسؤولية على مخالفتها والمثال على هذا أن تعفى دولة ما بقرار وحيد الطرف منها مواطنو دولة أخرى أو مجموعة دول من سمة الدخول (فيزا) إلى أراضيها حيث يكون في وسعها أن تتراجع عن هذا الإعفاء في أي وقت من الأوقات دون أن تتعرض لأي مسؤولية.‏

وإذا أخذنا هذا التدرج في إلزامية القاعدة القانونية بعين الاعتبار يحق لنا أن نتساءل عن طبيعة القاعدة القانونية الدولية، وهنا نميز رأيين متناقضين.‏

أ- رأي أنصار القانون الدولي:‏

ويرى هؤلاء أن القواعد القانونية الدولية هي قواعد ملزمة، مثلها في ذلك مثل قواعد القانون المدني، والقانون الجزائي، وقانون العمل...الخ.‏

وهم يعتقدون أن وجود القاعدة القانونية مستقل عن ارتباطها بمؤيد جزائي أو مالي يكفل تنفيذها، أو يعاقب على عدم تنفيذها، بل حتى إذا وجد هذا المؤيد الجزائي فقد يمكن تطبيقه وقد لايمكن، وهذا لايعني عندئذٍ في حالة عدم إمكانية التطبيق أن القاعدة القانونية غير موجودة أصلاً.‏

ب- رأي خصوم القانون الدولي: وهؤلاء لايرون أن تسمية «القانون الدولي» هي تسمية مجازية، مثله في ذلك مثل «الأخلاق الدولية» والمجاملة الدولية كلها أساليب للتعامل الدولي لاترقى إلى مرتبة الإلزام. ويرى هؤلاء أنه لايمكن الحديث عن وجود «قاعدة قانونية» فعلاً إلا إذا تحققت فيها ولها ثلاثة عناصر:‏

1)- كونها صادرة عن سلطة تشريعية.‏

2)- وجود محاكم مختصة تنظر في الخلافات الناجمة عن تنفيذها وتعاقب على عدم تنفيذها.‏

3)- وجود سلطة عقابية لتنفيذ العقوبات التي تقضي بها المحاكم.‏

والقانون الدولي في رأي هؤلاء الخصوم لا يعتبرقانوناً بالفعل لأنه محروم من هذه العناصر جميعاً.‏

جـ) رأينا في الموضوع: إذا أردنا ألا نكون طوباويين مثل أنصار القانون الدولي، الذين يرون أن هذا القانون قانون كامل مثله في ذلك مثل بقية فروع القانون من مدني وتجاري وجزائي... وألا نكون في الوقت نفسه متشائمين كخصوم القانون الدولي الذين يرون أن القانون الدولي محروم من جميع الصفات القانونية وأن ما يراه البعض «قاعدة قانونية دولية» ليس أكثر من محصلة مؤقتة لحالة انعكاس القوى في المجتمع الدولي فإننا نقول: إن القانون الدولي حسب رأينا المتواضع هو قانون ناقص يحاول تلمس دربه في سبيل الكمال.‏

وبالرغم من وجود كثير من الزعماء السلطويين الذين يحبون امتهان القانون، فإن من يخالفون مبادئ وقواعد القانون الدولي لايعترفون مطلقاً بمخالفاتهم هذه بل غالباً مايمتهنون القانون باسم المحافظة على هذا القانون.‏

وهناك حسب رأينا المتواضع ثلاثة عوائق لاتزال في وجه القانون الدولي وتمنعه من أن يصبح من نوع «القوانين الكاملة LEX PERFECTA» التي نجدها في بقية الفروع وهذه العوائق هي:‏

1)- الدور المسيطر للدولة: إن الدولة في المجتمع الدولي المعاصر هي التجسيد الأعلى للسلطة، أي أنه لايمكن أن نتصور وجود سلطة أعلى منها حتى ولو كانت سلطة مايسمى «المجتمع الدولي» أو القواعد النابعة من هذا المجتمع والتي نطلق عليها اسم «القانون الدولي».‏

وطالما أن القانون الدولي يخاطب الدول، وطالما أن هذه الدول «هيئات ذات سيادة» لايمكن اعتبار مبادئ القانون الدولي «قواعد قانونية كاملة» لأنه لايمكن فرضها قسراً على الدول كما هي الحال في القانون الداخلي.‏

2- عدم وجود مجتمع دولي منظم: عندما يرتكب مجرم ما في بلد معين إحدى الجرائم فإن هناك سلطات عليا مؤيدة بالقوىالمادية تقبض عليه، وسلطة أخرى تحاكمه وتعاقبه على جريمته، وسلطة أخرى تنفذ فيه العقاب، ومعنى هذا أنه هناك تسلسل رتبوي بين السلطات التي تسن القانون أو تنفذه وبين الأفراد الذين يخاطبهم هذا القانون ويطبق عليهم. ولكن مثل هذا التسلسل لايوجد في القانون الدولي لأن السلطة التي تسن قواعده (الدول) هي ذات السلطة التي عليها أن تطبق قواعده (الدول أيضاً).‏

3- فساد العلاقات الدولية المعاصرة: يقول الفقيه الفرنسي جورج سيل: إن القانون يولد عندما تصطدم السلطة المبنية على القوة الغاشمة بالأخلاق، ومعنى هذا أنه لايمكن أن يوجد قانون في مجتمع ما سواء أكان مجتمعاً داخلياً أم دولياً إلا بمقدار مايوجد فيه من أخلاق لأن القواعد القانونية ماهي إلا محاولة من الجانب الخير في الإنسان لتطويق الجانب الشرير منه.‏

ومن المؤسف القول: إن العلاقات الدولية المعاصرة تنقصها بل تكاد تنعدم فيها المبادئ الأخلاقية إلى حد مريع، وهكذا بدلاًمن أن تقف «القوة مع الحق» انقلبت المقولة وأصبحت «الحق للقوة».‏

والمؤسف أكثر ترسيخ فرع من النفاق الدولي والازدواجية في المعاملة التي تقف حائلاً دون احترام أي قانون أو تطبيقه تطبيقاً صحيحاً، ونرى هذه الازدواجية من ناحيتين:‏

-الناحية الأولى هي بعد الشقة بين (قواعد القانون الدولي) كمبادئ يجب التقيد بها وتنفيذها وأساليب التعامل الدولي الواقعية من جهة أخرى إلى درجة تسمح لنا بالتأكيد على أنه ليس هناك أي فرع من الفروع القانونية الأخرى يوجد فيه مثل هذا الفرق الشاسع بين نص القاعدة القانونية وطريقة تطبيقها علي أرض الواقع كما هو الحال في القانون الدولي المعاصر.‏

- والناحية الثانية هي ازدواجية المعاملة بحسب الدولة التي يتعلق بها الأمر، وهكذا أصبح أمراً عادياً أن نجد قاعدة ما تطبق على دولة ثم يطبق عكسها تماماً على دولة أخرى في حالة مماثلة تماماً.‏

وإذا أخذنا مبدأ «حق تقرير المصير» كنموذج مثلاً نرى أن الدول الكبرى المهيمنة على العلاقات الدولية المعاصرة قد تذرعت بهذا المبدأ لفصل إقليم (تيمور الشرقية)عن وطنه الأم في اندونيسيا ولفصل إقليم «كوسوفا» عن صربيا واستقلاله عنها، ولكنها لم تسمح حتى الآن للشعب العربي الفلسطيني بممارسة حقه هذا وإنشاء دولته العربية المستقلة.‏

ويجب الاعتراف أن المجتمع الدولي المعاصر مليء بالأمثلة والأحداث السلبية التي تعطي المراقب الانطباع بأنه ليس هناك قانون دولي، أو هناك قانون دولي ولكنه.. للأسف غير قابل للتطبيق!‏







بقلم د\ احسان هندى
:hi: :hi: