المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوضع القانوني للمدنيين بعد انتهاء الحرب في القانون الدولي العام والشريعة الإسلامية



هيثم الفقى
10-10-2010, 04:00 AM
الوضع القانوني للمدنيين بعد انتهاء الحرب


في القانون الدولي العام والشريعة الإسلامية



تمهيد


من أهم الآثار التي تترتب على انتهاء الحرب هي تلك الآثار التي تمس الوضع القانوني للمدنيين لا سيما عند انقراض الشخصية الدولية لدولتهم ، أو في حالة اكتساب أقاليمهم لشخصية دولية خلاف التي يحملون جنسيتها كما هو الحال في استقلال الإقليم الثائر ، وتختلف تلك الآثار وفقا للكيفية التي تنتهي بها الحرب ، والوضع القانوني للمدنيين بعد انتهاء الحرب يختلف فى الشريعة الإسلامية عما عليه الوضع في القانون الدولي ، ومناقشة ذلك يتطلب بحث هذا الموضوع على النحو التالي .



اولاً :الوضع القانوني للمدنيين بعد انتهاء النزاع المسلح في القانون الدولي العام



قد يطرأ لإنهاء الحرب نتائج قانونية تنعكس على الرعايا المدنيين تكون مرجعها تغيير السلطة التي تباشر السيادة على الدولة وأكثر الأوضاع تأثرا بانتهاء الحرب جنسية السكان حيث أنها تدور إيجابا وسلبا ببقاء الشخصية الدولية لدولتهم أو أقاليمهم ،وقد تصل إلى فقد جنسيتهم واكتساب جنسية عدوهم أو اكتساب جنسية دولة جديدة ، والأوضاع القانونية التي تنشئ في حق المدنيين متعددة ومتباينة ومختلفة وفقا للكيفية التي تنتهي بها الحرب ، نكتفي هنا بالإشارة إلى الوضع القانوني للمدنيين عند الاحتلال الحربي للإقليم أو فقد الدولة أو الإقاليم للشخصية الدولية ، وذلك فيما يلي :



1/ الوضع القانوني للمدنيين عند فقدان الدولة أو الإقليم للشخصية الدولية :


تفقد الدولة شخصيتها القانونية بالفتح وضم إقليمها للدولة أخرى أو عند اندماج الدول واتحادها كاتحاد جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية مكونة الجمهورية العربية المتحدة عام 1969 ، أو عند انفصال دولة اتحادية إلى دويلات كانفصال جمهوريات الاتحاد السوفيتي ، أو عند استقلال الإقليم الثائر كانفصال إقليم إرتريا عن الجمهورية الأثيوبية وإعلانها قيام جمهورية الإرترية عام 1992 ، وأي كانت الطريقة التي تفقد بها الإقليم لشخصيتها القانونية والدولية فإن الوضع القانوني لسكان الإقليم يتأثر من جراء ذلك سوى تم بالقوة المسلحة أو صلحا ، ذلك أن الإقليم يفقد شخصيته القانونية الدولية السابقة وتكتسب شخصية دولية جديدة ، ولهذا تساءل بعض فقهاء القانون الدولي إذا كان من اللازم الحصول على موافقة الشعب الذي يمسه الضم أو الانفصال ، وعموما جرت العادة على منح الرعايا في الإقليم حق الاختيار فيما يتعلق بتغيير الجنسية بين أن يكونوا على جنسيتهم القديمة على أن يغادروا الإقليم مع تصفية أموالهم وبين أن يكتسبوا جنسية الدولة التي قامت بضم أقاليمهم ، ذلك أن ضم الإقليم يترتب عليه فقدانها لشخصيتها الدولية القديمة وبالتالي فقدان سكانها لجنسيتهم الأصلية إن رغبوا في البقاء في أقاليمهم على أن يكتسبوا جنسية الدولة الجديدة ويلزم في هذا المجال تحديد سكان الإقليم المنفصل وفي هذا تأخذ الدول بعدة معايير لتحديد السكان ، فمنهم من يأخذ بمعيار الإقامة في تحديد معنى سكان الإقليم ، وبعضها يعتد بالأصل أو ***** والبعض الأخر بمعيار مشترك فيشترط فيمن يكتسب جنسية الدولة الوارثة أن يكون منتميا بجنسية إلى سكان الإقليم المنضم وأن يكون مقيما فيه وقت الضم(1) ويمكن تصور حق المغادرة مع الحفاظ على الجنسية في حالة الضم الجزئي لأقاليم الدولة أو في حالة استقلال الإقليم الثائر ، ولا يمكن تصوره في حالة الفتح وضم كامل إقليم الدولة حيث ينتفي مع هذا حق المغادرة مع الحفاظ على الجنسية حيث أن اضمحلال الدولة وفقدانها لشخصيتها القانونية يؤدي إلى فقدان وثائق الدولة الزائلة لصفتها القانونية ، فيترتب على ذلك أن يقبل سكان الإقليم بالواقع الجديد واكتساب جنسية عدوهم أو اكتساب صفة اللاجئ وحمل الوثيقة الدولية للاجئين كما هو الحال لدى لاجئ الفلسطيني قبل الاعتراف بدولتهم .


2/ الوضع القانوني للمدنيين عند الاحتلال الحربي :


نظمت اتفاقيات لاهاي سنة 1899 وسنة 1907 ، وكذلك اتفاقية جنيف الخاصة بحماية السكان المدنيين أبان النزاعات المسلحة المعقودة عام 1949م والمعروفة باتفاقية جنيف الرابعة(*) الوضع القانوني للإقليم المحتل ووضع المدنيين المقيمين عليها ، ولقد اهتمت هذه الاتفاقيات بوضع النصوص التي تكفل للمدنيين وضعا إنسانيا يحفظ لهم حقوقهم ، بجانب إعطاء سلطة الاحتلال سلطات واسعة للحفاظ على الوضع القائم ، وأهم تلك الحقوق التي منحت للمدنين تتمثل في ضرورة احترام حياتهم وشرفهم وأملاكهم ومعتقداتهم وأن تكفل لهم مباشرة عباداتهم ، كما تضمن حماية النساء ضد أي اعتداء على شرفهن وخاصة ضد الاغتصاب(2) ، وهذه الحقوق فصلتها المادة 46 من أنظمة لاهاي ، وتوسعت في تفصيلها المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة والتي تنص على " للأشخاص المحميين في جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم ويجب معاملتهم في جميع الأوقات معاملة إنسانية وحمايتهم بشكل خاص ضد أعمال العنف أو التهديد ، وضد السباب وفضول الجماهير ، ويجب حماية النساء بصفة خاصة ضد أي اعتداء على شرفهن ، ولا سيما ضد الاغتصاب ، والإكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن "


وبما أن العدو المحتل لا يكتسب حق ملكية الأراضي التي يحتلها فلا يسمح له بفرض يمين الولاء والطاعة على المواطنين المحليين ، وذلك بموجب المادة 45 من أنظمة لاهاي ، وهذا النص لا يمنع إطاعة الأمر الصادرة من سلطات الاحتلال لا سيما قوانينهم التي يضعونها ، وإن كان له حق إجبار الموطنين على القسم بأن يكونوا على الحياد ، ويلاحظ أن هذا القول يخالف حق الشعب في مقاومة الاحتلال والتي تنص عليها المادة 2 من اتفاقية لاهاي ، وإن كانت تشترط أن تكون المقاومة من أرض تقع خارج سلطة الاحتلال (3 ) .


وعدم انتقال ملكية الأراضي إلى الدولة المحتلة يترتب عليه بقاء السكان على جنسية دولتهم الأصلية ، ذلك أن الشخصية القانونية للدولة لا تنتفي باحتلال أراضيها إنما تظل شخصيتها الدولية قائمة ، حيث أن الاحتلال ما هو إلا استحواذ مؤقت للأقاليم مع انتقال السلطات إلى القوات العسكرية لعدو . أي أن الاحتلال الحربي لا يستتبع نقل السيادة ولكنه يستتبع حلول دولة الاحتلال مؤقتا محل الدولة المحتلة لإدارة الإقليم المحتل من حيث سلطة التشريع والقضاء والإدارة وعلى شكل الوصاية ، إلى أن يزول الاحتلال بطريقة أو بأخرى ، ويترتب على هذا عدم جواز ضم الإقليم أو تعديل هيكله السياسي أو جعله دولة مستقلة ، ويقع على عاتق سلطة الاحتلال مسئولية دولية للمنطقة التي يحتلها (4 )


ويقابل واجبات العدو نحو سكان الإقليم المحتل التزام هؤلاء بالا يقوموا من جانبهم بأي عمل عدائي ضد سلطات الاحتلال كالاعتداء على أفرادها أو التجسس لصالح سلطات البلاد الأصلية من داخل المنطقة المحتلة وحق مقاومة سلطة الاحتلال يكون من خارجها (5 )

هيثم الفقى
10-10-2010, 04:00 AM
ونخلص مما سبق أن الوضع القانوني للمدنيين يتأثر بالنزاعات المسلحة وانتهائها ، ويلاحظ تفاوت التأثير وفقا للكيفية التي تنتهي بها النزاعات المسلحة حيث يكون تأثيرها واضحا في حالة فقدان الدولة أو الإقليم لشخصيتها الدولية السابقة .



ثانياً : الوضع القانوني للمدنيين بعد انتهاء الحرب في الشريعة الإسلامية



انتهاء الحرب في الشريعة الإسلامية تترتب عليها آثار في غاية الأهمية بالنسبة الى وضع أفراد العدو ، تمس حرياتهم الشخصية ووضعهم الشرعي ، وتختلف هذه الآثار وفقا للكيفية التي تنتهي بها الحرب ، كما تختلف أيضا حسب أصناف الرعايا ، فالآثار التي تقع على النساء والصبيان غير تلك التي تقع على الرجال والبالغين من أفراد العدو ولتوضيح ذلك سنتناوله من جوانبه التالية :


(1) الوضع القانوني للمدنيين عند انتهاء الحرب بفتح البلاد عنوة :


عند فتح البلاد من قبل المسلمين يترتب على رعايا العدو أحكام شرعية يجب أن تطبق عليهم ، وهذه الأحكام تختلف وفقا لصفة الفرد ، حيث أن أحكام النساء والصبيان ومن في حكمهم من غير القادرين على القتال تختلف في أحكامها عن الأحكام التي تطبق على القادرين على القتال التي تطبق عليهم أحكام الأسرى .


(‌ أ) الوضع القانوني للنساء والأطفال : وهؤلاء يطلق عليهم السبي ولا يجوز قتلهم إلا إذا باشروا القتال ، أما وضع هؤلاء أن يتم استرقاقهم ، وأجمع الفقهاء في أن الاسترقاق يقع على أهل الكتاب والمجوس أي ممن تؤخذ منهم الجـزية أما أهل الشرك فقد وقع الخلاف في جواز استرقاقهم ، فالشافعي يقول بقتل النساء لأنه لا ينتفع بهن على وجه الشرك أما أبا حنيفة فيرى استرقاقهن (6 ) .


ومن الأحكام التي تقع على السبي المن وهو إطلاق سراحهم ليعودوا إلى أهلهم ، وذلك لاعتبارات دينية أو سياسية يرجى منها الخير للإسلام . كأن يكون والد السبية مطاعا في قومه أو يرجى منهم إسلامهم أو خلافه من الاعتبارات وهذه من السياسة الشرعية يتخذ فيه الإمام ما يراه أصلح للأمة الإسلامية . هذا وقد اختلف بعض الفقهاء في جواز المن على السبي دون استطابة نفوس الغانمين عنهم أما بالعفو عن حقوقهم منهم وأما بمال يعوضهم عنهم ، فإن كان المن عليهم لمصلحة عامة جاز أن يعوضهم من سهم المصالح ويرون أن الإمام إذا أراد المن عليهم لأمر يخصه عاوض عنهم من مال نفسه ، ومن امتنع من الغانمين عن المن في سباياهم لم يجز إجبارهم ويستدلون على ذلك بما تم بشأن سبايا هوزان بحنين (7 ) .


والفداء من الأحكام التي أقرها الإسلام في حق النساء والأطفال الذين تم سبيهم ، وهو أن يدفع أهله عوضا عن إطلاق سراحهم ، واشترط البعض أن يكون الفداء بمال لأن المال يمكن توزيعه بدلا منهم ، ولا يجب في هذه الحالة استطابة نفوس الغانمين ، وإذا أراد أن يفادي بهم عن أسرى من المسلمين في أيدي قومهم عوض الغانمين من سهم المصالح (8 )


وهذه الأحكام جاءت تقريرا للعرف الذي كان سائدا في ذلك الزمان ، حيث كانت الحروب تشن خصوصا لغرض سبي النساء وللرق ، والإسلام عندما أقرت هذه الأحكام قرنتها بأحكام أخرى للحد من حدة الاسترقاق التي جاءت تحاربها في الأصل ، وكما هو معلوم ليس هناك نص من القرآن أو السنة توجب الرق أو تفرضه بل كل ما هناك انه أباحه في حالات معينة عند الحروب ، والإسلام لم يحبذ إلغاء أمر استقر في المجتمع منذ القدم وبمنابع متعددة والملاحظ أن الإسلام لم يبيح أي من الطرق التي كانت سائدة لجلب الرق إلا الرق المجلوب بالأسر والسبي في الحروب وعلل الأستاذ محمد بن ناصر الجعون ذلك بقوله " كيف يمكن أن يسد هذا الباب والأعداء سوف يأسرون المسلمين ويأخذونهم إلى بلادهم فإذا لم يكن مع المسلمين ما يقابلونهم به ويفكون به أسراهم فلهذا كان من مصلحة الإسلام والمسلمين الإبقاء عليها ، ورغبة في التخلص من الرق تدريجيا جعل الإسلام العتق من القرابات ، واستوصي بهم خيرا (9 ) .


(‌ ب) الوضع القانوني للمدنيين القادرين على القتال : كما أوضحنا سابقا أن الفقهاء قد اختلفوا فيمن يعد من المدنيين من الأعداء فحصرهم البعض في النساء والأطفال وتوسع البعض واعتبر كل من لم يقاتل يعد من المدنيين ، ووفقا لهذين الرأيين فإن أحكام هؤلاء تأخذ حكم المقاتلين وفقا للرأي الأول وتسري عليهم أحكام الأسرى وهي إما من أو فداء أو قتل أو استرقاق ، وتسري عليهم أحكام السبي وفقا لأصحاب الرأي الثاني .


ونحن نرجح الرأي الأخير لموافقته لمقاصد الشرع في محاربة الرق ولتوافقه لما عليه العمل في العصر الحالي لاسيما انه قد علل أن الغرض من إبقاءه كان لمفاداة أسرى المسلمين بهم .


(2) الوضع القانوني للمدنيين عند انتهاء الحرب بالصلح: إن وقف القتال والحرب بالصلح يضمن للأطراف التصالح بما فيه مصلحة الطرفين ، وللأطراف أن يحتكموا إلى بنود التعاقد ، وهذه البنود هي التي تحدد الوضع القانوني لرعايا العدو فهم على ما تصالحوا عليه ، فإن نص على أن الرعايا أحرار فهم كذلك وإن نص على استرقاقهم فهم كذلك وقد فرق بعض الفقهاء بين الأقاليم التي تصالحوا مع المسلمين قبل أن يظهر المسلمون عليهم فهؤلاء يرون أن وضعهم على ما تصالحوا عليه ، أما إذا كان الصلح بعد أن ظهر المسلمين على أقاليمهم فهؤلاء يرون أن يأخذ حكمهم حكم العنوة (10) والذي لا خلاف عليه أن الجزية تضرب على أهل الكتاب منهم والمجوس ليؤدونها للمسلمين ونحن نرى أن انتهاء الحرب بالصلح لا يؤثر على الوضع القانوني للمدنيين ما لم يتصالحوا على غير ذلك ، وعموما فإن أهل البلاد التي فتحت صلحا لا سبأ عليهم ولا رق وأنهم أحرار (11 ) .


(3) الوضع القانوني للرعايا الذين يسلِمون بعد انتهاء الحرب: أن الإسلام يعصم الدم والمال ، والغاية المبتغاة أن يسلم العدو وقتال أهل الكتاب تنتهي بإسلامهم أو قبولهم إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون ، والمشركون إما الإسلام أو القتل ، ومن يسلم منهم لا سبأ عليه ومالهم و أرضهم لهم ، ويكون له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، وهذا يعني أنه لا اثر للحرب على وضع من أسلم منهم .

ونخلص مما تقدم أن الطريقة التي تنتهي بها الحرب تحدد الوضع الشرعي للرعايا المدنيين من العدو وإن الإسلام وضع تلك الأحكام معاملة بالمثل وتقريرا لما كان سائدا في ذلك الزمان ، وأنها جعلتها من السياسة الشرعية يتخذ فيها الإمام ما يرى فيه الصلاح للامة الإسلامية مع مراعاة الحدود الشرعية في ذلك وتعويض المتضرر من قراراته من سهم المصالح




/منقول/