المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا الاحتــرام والضمان للمحـاماة؟



عبدالله
07-29-2010, 06:39 AM
لماذا الاحتــرام والضمان للمحـاماة؟
بقلم: رجائى عطية

http://www.ahram.org.eg/MediaFiles/rgai.jpg


يواصل الأستاذ رجائي عطية في هذا المقال الثالث شرح وإيضاح كيف أن العدالة لا يمكن أن تتحقق إلا بالتعاون والاحترام المتقابل بين المحامين والقضاة‏.‏


ويفند الكاتب أكذوبة أن المحامين قوم لا صنعة لهم إلا الكلام‏,‏ والافتراء القائل بأنهم يتساوي لديهم أن يدافعوا عن الحق أو عن الباطل ماداموا سيتلقون أجرا‏.‏
ويقول‏:‏ إن عرش الرحمن سبحانه وتعالي في السماوات يهتز لو أدين بريء عن ذنب لم تقترفه يداه‏,‏ وتلك هي مهمة المحامي السامية الدفاع عن المظلومين‏,‏ ولولاها لفشا الظلم بين الناس‏..‏ وإلي المقال‏:‏
ضمانات المحامي التي بدأنا في السطور السابقة تتبع خيوطها في المدونات التشريعية المصرية‏,‏ هي ضمانات تتغيا كفالة حق الدفاع ورعاية العدالة قبل أن تكون مزية شخصية‏..‏ لذلك فوجوبها وجوب عام ينهض علي اعتبارات موضوعية لا فئوية‏!‏
فالمحامي يحتل في النظام القضائي مركزا قانونيا‏,‏ وهو يعين ممثلا العدالة علي الفهم الصحيح للواقع الدعوي أو النزاع‏,‏ وينير أمامه السبيل لإنزال أحكام القانون وتطبيقه التطبيق السليم علي الوقائع‏,‏ ومن مصلحة العدالة أن تتاح الظروف الملائمة للمحامي ليتمكن من أداء واجبه في سعة وحرية ودون أن يخشي إجراء تعسفيا أو عقوبة فورية‏!‏
وفيما يبدو أنه استجابة واجبة لهذه القاعدة المقررة بقانون المحاماة وقانون الإجراءات الجنائية وتعليمات النيابة العامة ـ نصت المادة‏592‏ من تعليمات النيابة العامة علي أنه‏:‏
لا يجوز القبض علي محام أو حبسه احتياطيا لما نسب إليه في الجلسة من جرائم القذف والسب والإهانة بسبب أقوال أو كتابات صدرت منه أثناء أو بسبب ممارسته المهنة‏,‏ وعلي عضو النيابة تحرير محضر بمـا حدث فـي هـذه الحالـة وإبلاغ صورته عن طريق المحامي العام أو رئيس النيابة الكلية إلي مجلس النقابة‏.‏ وذلك دون إخلال بسلطة النيابة في تحقيق هذه الجرائم‏.‏
هذه الحماية المقررة للمحامي‏,‏ اقتضت لاعتباراتها الموضوعية التي تصب في العدالة ذاتها‏,‏ أن يصان مقام المحامي والمحاماة وأن يحمي المحامي من أي تجاوزات قد تمسه أو تمس اعتباره أثناء نهوضه بأمانة الدفاع‏.‏ لذلك فإن قانون المحاماة لم يكتف بسياج الحماية المقرر في القانون العام إزاء ما يقع من جرائم السب أو القذف أو التعدي أو الإساءة للاعتبار‏,‏ فخص المحامي وهو يحمل رسالته المقدسة بحماية خاصة تتناسب مع ثقل الأمانة التي يحملها من ناحية‏,‏ وتعبر في ذات الوقـت عـن مركزه القانوني في النظام القضائي ذاته‏.‏ فنصت المادة‏54‏ من قانون المحاماة‏1983/17‏ علي أنه‏:‏
يعاقب كل مـن تعدي علي محام أو أهانه بالإشارة أو القول أو التهديد أثناء قيامه بأعمال مهنته أو بسببها بالعقوبة المقررة لمن يرتكب هذه الجريمة ضد أحد أعضاء هيئة المحكمة‏.‏ هذا بينما تعاقب الفقرة الثانية من المادة‏133‏ عقوبات ـ علي إهانة هيئة قضائية بعقوبة الحبس مـدة لا تزيد علي سنة أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه‏.‏
ومن يعرف المحاماة يعرف أن مهمة الدفاع واسعة المنابع‏,‏ متنوعة المصادر‏,‏ يعد المحامي عدته لها في مكتبه الذي يحوي بالضرورة ملفات القضايا بما تشمله من أسرار الناس وتضاعيف ومصادر وأسانيد الدفاع‏,‏ مما يشكل في جملته منظومة متكاملة أساسية ومكملة لمهمة الدفاع وتعد كفالتها وصيانتها جزءا لا يتجزأ من حماية المحاماة والمحامي‏.‏ لذلك فرضت قيود صارمة علي تفتيش مكاتب المحامين‏,‏ فنصت المادة‏51‏ من قانون المحاماة علي أنه‏:‏
لا يجوز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبة إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة‏,‏ وأوجبت المادة ذاتها علي النيابة العامة أن تخطر مجلس النقابة أو مجلس النقابة الفرعية قبل الشروع في تحقيق أي شكوي ضد محام بوقت مناسب‏,‏ وللنقيب أو رئيس النقابة الفرعية إذا كان المحامي متهما بجناية أو جنحة خاصة بعمله أن يحضر هو أو من ينيبه من المحامين‏,‏ التحقيق‏.‏ والتقت تعليمات النيابة العامة الكتاب الأول مع هذه المنظومة فأكدت هذه القاعدة وزادت عليها ضوابط إضافية في المواد‏589,588,587,‏ وأعادت المادة‏593‏ من تعليمات النيابة تأكيد ذلك فنصت علي أنه‏:‏ لا يجوز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة ويجب علي عضو النيابة أن يخطر مجلس نقابة المحامين أو مجلس النقابة الفرعية قبل الشروع في تحقيق أي شكوي ضد أحد المحامين بوقت مناسب‏.‏ ـ واشتراط ألا يكون تفتيش مكتب المحامي إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة‏,‏ تعني أن الإنابة في ذلك غير جائزة‏,‏ ويتعين أن يتم بحضوره هو وبمعرفته‏,‏ وهذه ضمانة بالغة الأهمية‏,‏ تتبدي أهميتها في إغلاق أي أبواب للاختلاق أو التلفيق‏,‏ وتكفل فـي الوقت ذاته ألا يتخطي التفتيش غرضه‏,‏ وأن يبقـي محصورا فيـه لا يتعـداه‏..‏ فالتجـاوز هنا لا يقتصر أثـره علـي المحامي أو شخصه أو ممتلكاته‏,‏ وإنما يمس حقوق ومستودعات أسرار أغيار هم أرباب القضايا ولا يجوز أن يتطرق التفتيش إلي ملفاتهم مادامت خارج نطاق وهدف التفتيش‏,‏ وهـذه الجزئية بالذات لا يكفلها ولا يضمنها إلا وجود عضو النيابة شخصيا أثناء التفتيش وإشرافه علي الالتزام في تنفيذه بحدوده وغايته‏.‏
فتقييد تفتيش مكتب المحامي هو فرع علي ما يجب توفيره له من ظروف وضمانات لتوفير الحماية الواجبة له ليستطيع أن ينهض بمهامه ويؤدي رسالته في حرية وطمأنينة وأمان‏,‏ يفرض هذا أيضا أن المحامي عرضة بالأدوار التي يؤديها في الخصومات أن يكون هدفـا لانتقام هـذا أو ذاك من أطـراف الخصومـة ببلاغ كيدي أو بعمـل ثأري‏,‏ فضلا عما يجب أن يتوفر للمكتب وأوراقه ومستنداته من سياج تأمن به من أي عبث أو تهديد قد يتستر شكلا بشكاوي وإجراءات ظاهرها بريء وباطنها الرغبة في الكيد للمحامـي أو الوصـول إلي النيل منه أو ممـا لديـه من مستندات وأوراق تتعلق بها أسرار ومصالح الخصوم الذين يتولي قضاياهم‏.‏
ونرتدي الثوب الأسود
عن نصب ومكابدة المحامين‏,‏ عبر المرحوم الأستاذ الكبير مرقص فهمي المحامي أصدق تعبير حين وقف يدافع قائلا‏:‏ نحن المحامين نعالج آلام الناس ونرافقهم في شقائهم‏..‏ ولذلك نرتدي الثوب الأسود ونقف في هذا المكان المنخفض‏..‏ فإذا ما أعيانا التعب جلسنا علي هذا الخشب‏.‏ فنحن حقيقة بؤسـاء‏.‏ رفقاء بؤساء‏!‏ ولكن رغم هذه المظاهر الخداعة فإن الذي في قلبه إيمان بالحق يرتفع من هذا المركز إلي السمو الذي لا حد له‏.‏ لأن عماده كله الحـق‏,‏ ولأن مأمورية المحامي تمثل حق الدفاع المقدس‏.‏ والقداسة لا تحتاج لسلطة ولا تحتاج لمظهر قوة بل هي جميلة‏.‏ جميلة بنفسها مهما خالط مظاهرها من مظاهر التعس والتواضع‏.‏ لأن المحامي مأموريته التي تسمو به إلي أقصي معاني السمو هي أن يوجه ضمير القاضي وأن يحدثه فيما يصح أن يتجه إليه عدله‏.‏ حقيقة لا يوجد سمو آخر يداني هذا السمو‏!‏
يـروي تاريخ المحاماة‏,‏ أن أسلافهـا العظام لم ينتظروا ضمانة أو حصانة لأداء رسالتهم التي كثيرا ما جرت عليهم المتاعب‏,‏ وأغضبت منهم قضاة وأعضاء نيابة‏,‏ ودفع بعضهم ثمنا لهذا الغضب‏,‏ لكنهم لم يتراجعـوا عـن إبداء ما آمنوا به أن الصواب واجب الإبداء لإظهار الحق‏!‏
في ذلك الزمن الجميل‏,‏ اتسعت حجج المحامين‏,‏ ولازمها الأدب الرفيع‏,‏ والمنطق النافـذ‏,‏ وقابلتها سماحة نيابة وسماحة وحكمة قضاء‏..‏ لـم يصادر علي هـذا الاحترام المتبادل تحوصل فـي السلطة أو تلويح أو استعمال لشوكتها‏!‏
أثناء محاكمة الأديب الأشهر إميل زولا عن مقال مشهور كتبه في قضية دريفوس تحت عنوان‏:‏ إني أتهم‏!..‏ وقف المحامي العام يلمز علي محاميه النقيب الشهير‏:‏ لا بوري فقال للمحكمة ساخرا‏:‏ إن الذين يسبون الجيش جاءوا أمامكم يشيدون به‏!..‏ وفي غضب جريح لم يفقد جمال وإتقان العبارة‏,‏ وقف لا بوري معاتبا في أدب لم يفقد فصاحة ونفاذ سهم الحجة‏..‏ إنني لم أتعود أن أتلقي في حرم العدالة طعنات شخصية من هذا النوع‏!!‏ لست ممن يتوارون وراء أي إنسان‏,‏ ولست ممن يقبلون مثل هذا الهجوم ولو صدر من مقعد الاتهام‏,‏ أو يقبلون هجوما وغمزا لا يمكن أن يصعد إلي برغم ارتفاع المنصة التي صدر عنها‏!!..‏ ثم يستأنف لا بوري عاتبا ومقرعا‏:‏ إن المحامي العام قد أثرت فيه علي ما يبدو‏..‏ مظاهر السلطة التي جاء بعضهم يتظاهر بها هنا‏,‏ وتصور أن من حقه أن يلقي علينا دروسا ؟‏!!..‏ لكنني أرفض الدرس بإباء وشمم‏,‏ وأضيف أنني أعرف لماذا اختار كلمات رنانة طنانة لينطق بها‏..‏ إنها قصيرة لا يمكن أن تحدث أثرا بذاتها‏!,‏ ولكنه أعدها وألقاهـا ليثير بها مظاهرة ـ كان واجبا عليه أن يتوقعهـا ـ من قاعة حشدت وأعدت خصيصا ضدنا‏!!.‏ ثم يتجه لا بوري إلي المحلفين قائلا‏:‏ إن صيحات هـؤلاء الذين لا يدركون الاحترام الواجب للعدالة يجب أن تملي عليكـم الصلابة المطلوبة منكـم‏..‏ إنكـم سادة‏,‏ فقولوا ـ إن استطعتم‏!!‏ هذا الرجل مذنب لأنه اجترأ علي الجهاد ضد الشهوات والأحقـاد‏,‏ ولأنه غضب غضبته من أجل العدالة ومن أجل الحق والحرية‏!‏
اتسع صدر النائب العام شيه دي ستانج للمحاماة ومقتضياتها‏,‏ لأنه أمضي الشطر الأكبر من حياته محاميا‏,‏ يكابد مكابداتها‏,‏ ويشعر بهمومها وعوارضها‏,‏ ويقدر صعوبة السابح ضد التيار فيها‏..‏ فوضع في قضية الأستاذ أوليفييه المشهورة ـ تحديدا دقيقا لحرية المحامي واستقلاله وحدود علاقته بالنيابة العامة‏,‏ فطفق يقول‏:‏ لا أحد ينكر حرية المحاماة‏,‏ إن هذه الحرية حق للمحاماة‏,‏ ويجب أن تبقي لها حقوقها‏.‏ إنهـا ليست مكسبا للمحامـاة‏,‏ وهي ملك لها‏.‏ فإن المحاماة لا تتمتع بها من أجل المحامين‏,‏ ولكن من أجل الصالح العام‏:‏ صالح المتقاضين وصالح جميع المحامين‏...‏ من حق المحامي حين يهاجم الدعوي العمومية ـ أن يهاجم نظرياتها‏,‏ ويقول ويكشف فسادها‏,‏ ويهاجم الأساس الذي أقيمت عليه تلك النظريات ويعري خطأها ويهاجم الوقائع التي أسست عليهـا‏,‏ وأن يثبت عكسها‏.‏ من حقه أن يبدي مايريد في اندفاع وحرارة لا يخلوان من الحماسة‏.‏ فإن الارتجال موهبة يعلم موهوبوها أكثر من سواهـم أنها تتطلب حماسة واندفاعا‏,‏ قد تشوبه أغلاط لغوية أو نحوية أو غيرها ـ ولكنها تدل كلها علي جريان ماء الحياة في شرايين المحامي المترافع‏!‏
قد حمل المحامون علي مدي التاريخ نصيبهم من المسئولية عن مخاطر الارتجال‏,‏ وهو عدة وعماد المرافعات‏,‏ فلم تستطع العدالة أن تنظر إلي ذلك بعين الإشاحة أو الإهمال‏,‏ فكان ما أوردته التشريعات عن حصانة المحامي في مرافعته الشفوية والمكتوبة‏!‏
سحر المرافعة‏!‏
الصعوبة التي يلقاها المحامي في النهوض برسالته‏,‏ أنه في مشيه فوق الأشواك لدحض أو تجريح شهادة الشهود أو تقارير الخبراء أو حجج الخصوم أو إجراءات الشرطة أو تحقيقات النيابة وقراراتها‏,‏ صعوبة مضاعفة‏,‏ لأن القضاء الجنائـي يقـوم أساسـا علي المرافعة الشفوية قبل المكتوبة‏,‏ وللارتجال مخاطره ومحاذيره‏,‏ لأن عباراته تأتي عفو الخاطر‏,‏ ولا تتاح لقائلها الفرصة الزمنية الكافية لإعمال التأمل والفحص والموازنة فيهـا‏,‏ وإنمـا تنساب مـن عقلـه إلي لسانه انسيابا فوريا‏,‏ وإلا صارت كحصة مطالعة يملها السامعون‏,‏ ولا تحمل ذات السخونة ذاتها التي تصاحب المرافعة النابعة من وجدان منفعل مشحون بما يقول‏..‏ إذا فقدت المرافعة هذه الحيوية الدافقة‏,‏ وتحولت إلي تلاوة ـ فقدت شحنتها التأثيرية في وجدانات المتلقين‏.‏ من أجل هذا كانت المحاماة موهبة تنمي بالدربة والممارسة‏,‏ ولا يصلح لأدائها ـ في المجال الجنائي علي التخصيص ـ إلا من امتلك هذه المقدرة التي تقترب منها مواهب الخطباء‏,‏ ولكن تزيد عليها أنها لا يمكن أن تكتفي بما يثير المشاعر أو العواطف والأحاسيس‏,‏ وإنما يجب أن تكون مجدولة بالحجج والبراهين العقلية التي تجعـل من العبارة قوة تأثيرية حقيقية قادرة علي تغيير الفكر أو الاقتناع أو العقيدة‏.‏ ومع احتياج المرافعة المرتجلة إلي هذه الملكات‏,‏ فإنها تحتاج من المتلقين إلي سعة صدر في السماع‏,‏ وإلي سعة صدر في الإسماح‏..‏ إذ بدون السماع والإسماح تفقد المرافعات وهجها ويعقد لسان الخوف انطلاقهـا‏,‏ فتتعثر الكلمات مخافـة تسقط أخطاء الارتجال أو تصيد لفظ أو عبارة لعـل القائل نفسه لم يقصد بها إساءة بقدر ما قصد تجلية معني أو إيضاح حجة أو التأثير بفكرة‏..‏ هذا من ناحية‏,‏ ومن ناحية أخري فإن أمان مخاطر الإرتجال لا يغني المترافع ـ شفاهة أو كتابة ـ عن تجريح الأدلة قولية أو فنية أو شرطية أو تحقيقية‏,‏ وهذا التجريح قد يمس الأشخاص المنسوب إليهم القول أو الدليل أو الإجراء‏..‏ هذا المساس لا بد حادث مهما اجتهد المحامي في صرف كلامه إلي العمل دون الشخص‏,‏ فلن يعدم صاحب العمل أن يقول إن المساس بعمله يمس شخصه مهما تأدبت العبارات ومهما التزمت الموضوعية‏,‏ وإغفال تحرير المحاماة من هذه المخاوف لا يقتصر فقط علي فلتات المرافعة الشفوية أو المكتوبة‏,‏ وإنما يجب أن يمتد إلي مضمون حججه وبراهينه وانتقاده‏,‏ ليتسع الدفاع لإبداء ما يجب أن يقال إنصافا للعدل والحق دون مخاوف أو محاذير‏.‏ فقد يتضمـن التجريح اللازم للتدليل أو الإجـراء مساسـا بالتبعية لصاحبـه أو مصدره‏,‏ وقد يحسب هذا المساس في باب القذف أو السب أو إساءة الاعتبار‏,‏ وهي جميعا محل للتجريم والعقاب‏,‏ لذلك كان حكيما وعادلا‏,‏ وسياجا للعدالة ذاتها‏,‏ أن تميل التشريعات إلي إعفاء دفاع الخصوم ـ شفويا أو مكتوبا ـ من مخاطر العقاب عن السب أو القـذف أو إساءة الاعتبار‏.‏ لذلك فقد نصـت المادة‏309‏ من قانون العقوبات المصري علي أنه‏:‏
لا تسري أحكام المواد‏308,306,305,303,302(‏ وهي تعاقب علي السب والقذف والبلاغ الكاذب والإهانة وخدش الاعتبار‏)‏ علي ما يسنده أحد الأخصام في الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم فإن ذلك لا يترتب عليه إلا المقاضاة المدنية أو المحاكمة التأديبية‏.‏ ونصت المادة‏47‏ من قانون المحاماة‏1983/17‏ المادتان‏134,91‏ من قانون المحاماة‏68/61‏ علي أنه‏:‏
للمحامي أن يسلك الطريقة التي يراها ناجحة طبقا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله ولا يكون مسئولا عمـا يورده في مرافعته الشفويـة أو فـي مذكراتـه المكتوبة مما يستلزمه حق الدفاع‏.‏
وعبرت محكمة النقض المصرية في الكثرة الكثيرة من أحكامها‏,‏ عـن أن حكم المادة‏309‏ عقوبات وما يجري مجراهـا ـ ليس إلا تطبيقا واجبا لمبدأ حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه‏,‏ سواء صدرت عبارات الدفاع أمام المحاكم أو سلطات التحقيق أو في محاضر الشرطة‏,‏ وأن هذا الحق في الدفاع أشد ما يكون ارتباطاي بالضرورة الداعية إليه‏,‏ فقضت محكمة النقض‏:‏ بأن حكم المادة‏309‏ ع ليست إلاي تطبيقا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه وأنه يستوي أن تصدر العبارات أمام المحاكم أو أمام سلطات التحقيق أو في محاضر البوليس‏,‏ ذلك بأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطا بالضرورة الداعية إليه‏,‏ حتي أنه قضي بدخول إنكار بنوة الطفل واتهام أمه بأنها حملته سفاحا في دائرة أفعال القذف المباحة لأنها من مستلزمات الدفاع‏,‏ ونسبة الاختلاس والارتشاء إلي الموظف لإثبات مبررات فصله‏,‏ أو نسبة اختلاس ريع الوقف إلي ناظر الوقف في دعوي عزله من النظارة‏.‏ أو نسبة الإقراض بالربا الفاحش إلي الخصم في معرض بيان مقدرته المالية ـ تعتبر متعلقة بدعوي النفقة المرفوعة عليه‏,‏ وقضت في أحكام كثيرة بأنه من المباح ـ لأنه من مستلزمات الدفاع ـ إسناد المتهم شهادة الزور والرشوة إلي رجل البوليس الذي حرر ضده محضر جمع الاستدلالات‏.‏
فقد توسعت محكمة النقض المصرية توسعا محمودا فيما يبيحه حق الدفاع طالما التزم بالضرورة الداعية إليه‏,‏ وبسلامة وأدب العبارة‏,‏ ولم يتخذ سبيلا للإساءة المقصودة لذاتها دون أن تستلزمها ضرورة الدفاع‏.‏ هذا الدفاع المتمتع بهذه الإباحة إما يبديه الخصوم بأنفسهم‏,‏ وإما من خلال وكلائهم المحامين‏.‏ فالمحامي يحمل أمانة وهموم موكله‏,‏ وينوب عنه في الدفاع‏,‏ ويستلزم منه هذا الدفاع ما يستلزمه من الأصيل ذاته‏,‏ بل ويستلزم من المحامي ـ بحكم علمه وخبرته ـ ما قد لا يعرفه أو يجيده الأصيل‏,‏ لذلك لم تتردد محكمة النقض المصرية ـ ومن قبل إصدار نصوص قانون المحاماة ـ في مد هذه الحصانة إلي المحامين عن الخصوم‏,‏ فقضت بأن المحامين يدخلون في معني الخصم الذي يعفي من القذف والسب والإهانة والبلاغ الكاذب ـ فيما يبدونه من دفاع طبقا للمادة‏309‏ عقوبات‏,‏ ثم زاد قانون المحاماة هذه القاعدة وكادة حين نص في المادة‏47‏ من القانون‏1983/17‏ المعادلة للمادتين‏134,19‏ من قانون المحاماة السابق‏1968/61‏ ـ علي أن للمحامي أن يسلك الطريقة التي يراها ناجحة طبقا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله ولا يكون مسئولا عما يورده في مرافعته الشفوية أو في مذكراته المكتوبة مما يستلزمه حق الدفاع‏.‏
هذه الحماية هي روح المحاماة‏,‏ وروح الدفاع والعدالة أيضا‏..‏ بغيرها تموت المحاماة وتتعثر العدالة في نشدانها لغايتها‏..‏ فلن يصل الحق إلي منصة القضاء بكلمات تتوقف في الحلوق‏,‏ أو تتعثر خوفا وتوجسا علي الشفاه‏.‏ المحاماة فارسة الحق‏,‏ وفرسان الحق والعدل والحرية لا ينبغي أن يروعـوا أو يرهبوا أو يخافوا‏,‏ مادام الحق مهجتهم‏,‏ والعدالة المثلي غايتهم‏.‏
لم يخلد فرسان المحاماة إلي الضمانة أو الحصانة التي نصت عليها المادة‏309‏ من قانون العقوبات‏,‏ ففيها ثغرة يمكن الدلوف إلي المحامين منها‏,‏ فاستعاضوا بأدب المحاماة الرفيع‏,‏ وفكرها الراقي‏,‏ ومنطقها الناصع‏,‏ علي إيراد ما يشاءون من حجج وبراهين في موضوعية تقيهم ثأر أو انتقام من يضايقهم منطق الحق‏,‏ ويضيقون بالعدل والإنصاف‏!‏
للمحامين علي مدي تاريخ المحامـاة‏,‏ مواقف مبهـرة‏,‏ منهـا ما حفظته المدونات‏,‏ ومنها ما عاش في ذاكرة المحامين‏,‏ يتناقلونه بالرواية جيلا بعد جيل‏..‏ صادف المرحوم الأستاذ الكبير مكرم عبيد سكرتير الوفد والوزير عدة مرات ورئيس حزب الكتلة الوفدية ـ صادفه فيما تتناقله الروايات ـ موقف بالغ الصعوبة إزاء مدعية ادعت علي موكله أنه اعتدي عليها‏,‏ واغتصبها كرها‏,‏ ومحاذير السقوط في وهدة القذف شديدة وخطيرة إذا انفلت الدفاع إلي إبداء أن المواقعة كانت بكامل إرادتها ورضاها‏,‏ فإطلاق ذلك سوف يعوزه الدليل‏,‏ ولم تكـن الواقعة إلا بين اثنين لا ثالث لهما‏,‏ المدعية التي انتصرت النيابة لقولها‏,‏ وحجتها غالبة حسب المجري العادي للأمور‏,‏ لأن بنت حواء لن تنزلق إلي مثل ذلك مع ما يصاحبه من مساس بسمعتهـا‏,‏ إزاء المتهـم الذي لم تسمع النيابة لدفاعه‏,‏ ولم تصدقه‏,‏ وأخذته بقول المدعية‏,‏ وقدمته إلي محكمة الجنايات بهذه التهمة الخطيرة التي يمكن أن تصل عقوبتها إلي الأشغال الشاقة المؤبدة‏!!..‏ ماذا يفعل فارس المحامـاة مكرم عبيد إزاء هذا الخطر الداهم‏,‏ ومحاذير السقوط في هاوية جريمة القذف إن بني دفاعه بغير دليل علي رضاء المدعية ؟‏!!‏ هنا تجلت ألمعية وفراسة وبديهة المحامي الفذ‏..‏ ففاجأ المدعية ومعها هيئة المحكمة بطلب غريب استهل به حديثه هو مطالبة المدعية بتعويض ما أتلفته من الفراش بصعودها إليه محتذية حذاءها‏,‏ ومع وقع المفاجأة انفلت لسان المدعية بالحقيقة‏,‏ فتعجلت قائلة ـ دون أن تتنبه ـ أنها خلعت حذاءها قبل أن تصعد إلي الفراش‏!!‏
كانت سقطة المدعية مدوية‏,‏ وأثرها مفجرا فاضحا لزيف وكذب ادعائها‏!!‏؟؟ كان يسيرا علي الأديب المفوه مكرم عبيد أن ينهي مرافعته بالقرآن‏,‏ وكان علي مسيحيته من الحافظين له كثيري الاستشهاد بآياته‏..‏ طفق مكرم عبيد يروي للمحكمة قصة امـرأة العزيز مع يوسف الصديق‏,‏ حين اتهمته كذبا بأنه أراد بها سوءا‏,‏ وقالت لزوجها العزيز فيما رواه القرآن المجيد‏:‏ واستبقا الباب وقدت قميصه من دبري وألفيا سيدها لدي الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رءا قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هـذا واستغفر لذنبك إنك كنت من الخاطئين يوسف‏25‏ ـ‏29.‏ ومع الجلال الذي شمل الموقف‏,‏ والانبهار بذكاء وحيلة مكرم عبيد‏,‏ صدر حكم البراءة الذي كان في الواقع ثمرة لعظمة هذا المحامي الفذ‏!‏
عرش السماوات يهتز‏!‏
يقول الكارهون للمحاماة‏,‏ أو المتجنون عليها أو الجاهلون بحقيقة دورها ورسالتها‏:‏ إن المحامي أجير صناعته الكلام‏..‏ يتساوي لديه أن يدافع عن الحق أو الباطل مادام يتلقي أجرا‏!!.‏
ويقول العارفون المنصفون‏,‏ إن المحامي هو حامل الشعلة التي تبدد غياهب الشك‏,‏ وتنير الطريق إلي الحق والعدل والإنصاف‏..‏ الذين يتوقفون عند مدافعة المحامي عن متهم أو متهمين يرونهم أو يراهم المجتمع مذنبين‏,‏ لا يدركون كم من مظالـم يهتز لهـا عرش السمـوات لو ساء ظن هؤلاء وأدين بريء علي ذنب لم تقارفه يداه‏!!‏
لولا حرية وبراعة الدفاع لضاعت الحقيقة وفشا الظلم بين الناس‏,‏ ولولا براعة المحاماة لما استطاع المحامون أن يكسروا حاجز الخوف من أن يساءلوا عن القذف أو إساءة الاعتبار لو ساقوا دفاعهم كما يجب أن يبدي ويقال‏!‏
من أقوي الضمانات القضائية للخصوم‏,‏ بعامة‏,‏ وللمحاماة بخاصة ـ محاضر الجلسـات‏,‏ سـواء كانت محاضر لتحقيقـات النيابة العامـة‏,‏ أو محاضر لجلسات المحاكمات أمام المحاكم المختلفة‏..‏ هذه المحاضر جعلت لتكون مرآة ناقلة وبالنص والحرف واللفظ ـ لما يجري في جلسات التحقيقات أو المحاكمات‏,‏ وما يبدي فيها من أقوال أو دفوع أو طلبات‏,‏ ومـا يجـري بالجلسـات من سماع شهـود أو خبراء أو اتخاذ قرارات أو تصرفات‏..‏ إفراغ هذا كله في محضر الجلسة‏,‏ بتفاصيله ودقائقه‏,‏ وبلفظه وحرفه ومعناه ينطوي علي ضمانة بالغة الأهمية‏,‏ هـذه الضمانة لم يقررها القانون للنيابة أو للقاضي بعامة‏,‏ وإنما قررها للخصوم ووكلاؤهم‏..‏ فالقاضي متترس باستقلاله وحصانته‏,‏ ثم هو علي منصته يمارس سلطته‏..‏ أقصي ما يرجـوه القاضي من محضر الجلسة أن يذكـره ـ محض تذكير أمين ـ بمـا حصل ودار‏,‏ أما الضمانة المستمدة من المحضر فهي للخصوم ووكلائهم الذين تتعلق حقوقهـم ـ بضماناتها ـ بما يثبت أو لا يثبت في المحضر‏..‏ فالمحضر هو الضمان الوحيد لهم‏,‏ وهـو الدليل القوي الذي منحهم إياه القانون لإثبات ما أبدوه من دفاع‏,‏ وما سجلـوه من طلبات‏,‏ وما عساه يكون قد وقـع عليهم أو في حقهم من مساس أو تجاوز عن حقوقهم التي فرضهـا لهم القانون‏.‏
فحكمة وعلة وغاية تدوين الإجراءات في محاضر‏,‏ هي إثبات حصولها كيما يمكن لكل ذي مصلحة أن يحتج بذلك‏,‏ فضلا عن إثبات كيفية حصولهـا‏,‏ كيما يمكـن التحقق سواء للخصوم أو لجهة الطعن ـ من مدي مطابقتها للواقع والقانون ـ ويعني هذا أن هذه المحاضر تتعلق بها حقوق عديدة بالغـة التنوع والأهمية‏,‏ حـق عضو النيابـة أو القاضي في الرجوع إليها للتذكرة أو للتساند علي ما هو مسجل فيها‏,‏ وحق أطراف الخصومة في إثبات ما أبدوه أو سجلوه من دفاع أو طلبات أو ما قد يقع مخالفا للإجراءات‏,‏ سواء في حقهم أو حقوق الأغيار أو حق القانون ذاته فـي الاحترام الواجب له وتنفيذه وتطبيقه تطبيقا صحيحا يوافق نصه وروحه‏,‏ ثم حق جهة الطعن في معرفة الحقيقة‏,‏ سواء كانت نيابة أعلي إذا كان الطعن في تصرف أو قرار نيابة أدني‏,‏ أم كانت محكمة أعلي‏,‏ إذا كان الطعـن في حكـم محكمة أقـل درجة‏,‏ أم كان حـق الجمهور أو الدارسين في المتابعة أو المراقبة أو الدراسة من خلال محضر افترض القانون أنه عنوان الحقيقة فيما حمله وسجل فيه‏.‏
هذه القيمة والأهمية التي لمحاضر جلسات المحاكمات أو التحقيقات‏,‏ حدت بالمشرع إلي التعامل معهـا باحترام بالغ يكاد يصل حد القداسة التي تفرض لها حجية قوية يصعب التصادم بها أو الالتفاف حولها أو المساس بقدرهـا‏,‏ فلم يجعل القانون سبيلا لأحـد لإثبات عكس أو غير أو خلاف ما دون بها إلا بطريق الطعـن عليها بالتزوير‏,‏ بل بلغت هذه الحماية حد الافتراض الذي يؤمن المحاضر ويقيم لها سياجا عاليا يحميها‏,‏ فنصت المادة‏30‏ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض علي أنه إذا ذكر في الحكم أو في محضر الجلسة أن الإجراءات قد اتبعت‏,‏ فلا يجوز إثبات عدم اتباعها إلا بطريق الطعن بالتزوير فإذا دون مثلا فـي محضر الجلسـة أنه قـد تمت تلاوة أقوال الشهود بالتحقيقات‏,‏ فإنه لا يجوز ـ مهما كان الواقع الحاصل أمام الكافة وعلي رءوس الأشهاد ـ إثبات أن التلاوة لم تتم إلا بالطعن علي المحضر بالتزوير‏..‏ وهذا الطريق بالغ الصعوبة يكاد يصطدم باستحالة مطلقـة تكـاد أن ترد علي المشـرع قصده الذي تغياه من القداسة التي فرضها لمحاضر الجلسات تأمينا وحماية لحقوق المتخاصمين ودفاعهم‏..‏ فهذا هـو الأصل والأساس في حكمـة وغاية محاضر الجلسات والتحقيقات‏,‏ لأن غيرها من الغايات ـ كتذكير المحقـق أو القاضي بما حدث‏,‏ يمكن أن يعتمد فيه علي ملاحظاته الشخصية التي يدونها لنفسه‏,‏ ولكن هذه الملاحظات ليست في متناول الخصوم‏,‏ ولا يمكن أن تكون حجة أو ضمانا لهم‏,‏ وليس يغنيهم في تحقيق الضمان أو الحماية إلا المحاضر التي يدونها كاتب الجلسة الذي أوجب القانـون حضوره وأوكل إليه مهمـة كتابة كل ما يحدث أو يبدي أو يقال في الجلسة‏0‏
معظم الالتباسات التي تحدث في ساحة القضاء بين المنصة و المحامين‏,‏ ترجع إلي اختلاف مفاهيم التعامل في التطبيق مع المحاضر التي لا ينازع أحد في أنها تدون تحت إشراف المحقق أو القاضي‏,‏ بيد أن الإشراف هو إشراف علي التدوين وليس سلطة علي التدوين ذاته تباشر المنح أو المنع‏,‏ وإلا تبددت وضاعت الغاية من تحرير المحاضر وتاهت الضمانة التي يلوذ بها الحضور وأصحاب الحقوق ووكلاؤهـم من المحامين‏..‏ فاختلاف الرؤي والتوجهات وارد‏,‏ واحتمالات التجاوز لا يعز عليها أحد مهما كان مقامه‏..‏ فجميع أطراف الخصومة بشر‏,‏ يرد عليهم ما يرد علي كل بشر من خطأ أو صواب‏,‏ وكلاهما ـ ومهما كانت رغاب الآخر ـ واجب الإثبات في المحضر الذي يتعين أن يكون مـرآة حقيقية لما يجـري‏,‏ وهـذه البديهية لا تجـري ميسورة في جميع الأحوال‏,‏ فقد يضيق عن تدوينها الصدر‏,‏ ولا يجد صاحب المصلحة مندوحة عن التمسك بالإثبات‏,‏ وقد يصطدم تمسكه المشروع بإصرار المنصة علي المنع أو المصادرة‏,‏ فتتهدد الضمانة‏,‏ ويتعذر وربما استحال إثبات ما صودر عليه‏,‏ فتضيع الحقوق‏..‏ هذا المحظور الوارد حصولـه قـد دعـا الدول المتقدمة إلي التسجيل الآلي لما يجري في الجلسات حفاظا علي حقوق الأطراف‏,‏ لكن ذلك لا يتأتي لكل الدول‏,‏ فيركن الاعتماد كله علي سواء الميزان في يد القاضي ذاته الذي يعطي الحق من نفسه‏..‏ أذكر هذا وأذكر معه موقفا عظيما للمستشار الجليل عاصم الجوهري حينما أحس جفاف عبارة أفلتت منه إلي زميل‏,‏ فبادر من تلقاء نفسه إلي التنحي لاستشعاره حرجا دعاه لاستشعاره ضمير مرهف وعزم صادق وعدل يقاس بموازين الذهب‏!‏