المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «قضايا شائكة» تتفاعل و «دور متزايد» للنائب العام!



هيثم الفقى
07-03-2010, 04:21 AM
القاهرة – وكالات
بعيدًا عن السياسة ومشكلاتها وسجالاتها، تعيش مصر هذه الأيام عددا من القضايا النوعية التي شغلت الرأي العام خلال شهر حزيران، وفي مقدِّمتها قضيتان:



أولاهما، قضية مقتل الشاب الإسكندري خالد سعيد، الذي تعتبره الرواية الأمنية متّـهما بالاتجار في البانجو ( نوع من المخدرات)، وترجِّـع مقتله إلى ابتلاعه لفافة بانجو، فيما تقول الرواية الشعبية، التي يحكيها أهله وبعض شهود العِـيان، إن وفاته تمّـت نتيجة التعذيب على أيْـدي أفراد من الشرطة، وأيا كان السبب، فقد فتح مقتله ملف التعذيب في السجون وأماكن احتجاز المتّـهمين بأقسام الشرطة مجدّدا. وثانيتهما: الأزمة التي ألقت بظلالها بين قطبَـيْ العدالة في مصر، المحامين والقضاة، إبّـان اتهام محامييْـن بالاعتداء على مدير نيابة، وما صاحبه من تصاعد الاحتجاجات ضد الحُـكم الصادر بحبس المحاميين خمسة أعوام مع التنفيذ.وخلال السنوات الخمس التي مرّت على تعيينه في منصب النائب العام، برز بوضوح دور المستشار عبد المجيد محمود في الحياة اليومية للمصريين. فلا يكاد يمر يوم، إلا ويُـصدِر الرجل قرارا شافيا في قضية تشغل الرأي العام، مثل: “رشاوى مرسيدس” والقتلى المصريين في “كترمايا” اللبنانية واليونان ونيجيريا والكويت و”غرق العبارة” و”نواب ضرب النار” و”بيع التراث الغنائي المصري” و”مقتل الشاب خالد سعيد” و”شحنة القمح الفاسد” و”توريد أكياس دم فاسدة - هايدلينا” و”زواج القاصرات من الأثرياء العرب” و”المرأة الحديدية - هدى عبد المنعم” و”ألف ليلة وليلة”... إلخ.وفي محاولة للوقوف على تداعيات قضية مقتل الشاب خالد سعيد وآخر مستجدّات الأزمة المشتعِـلة بين المحامين والقضاة ورصد ملامح الدور المتزايد للنائب العام في المجتمع المصري، التقت swissinfo**** كلا من القاضي المستشار زكريا عبدالعزيز، الرئيس السابق لنادي قضاة مصر ونائب رئيس محكمة النقض، والمحامي سامح عاشور، النقيب السابق للمحامين وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر.
النائب العام والدور المتزايد!
بداية، أوضح المستشار زكريا عبد العزيز أن “النائب العام، طِـبقا للقانون، هو صاحب الدّعوى الجنائية وهو النائب العمومي المختصّ بالدفاع عن مصالح المجتمع. فأي جريمة تقع على أرض مصر أو خارجها ويكون أحد أطرافها مصريا، يحق للنائب العام تحريك الدّعوى الجنائية فيها”، “وقد برز هذا الدّور منذ تعديل قانون السلطة القضائية، الذي أعدّه وقدّمه (لوزير العدل)، نادي القضاة عام 2003 أثناء فترة رئاستي للنادي، وقد حذفنا منه تبَـعية النائب العام لوزارة العدل، وذلك اعتمادا على أنه شخصية قضائية، ووزير العدل شخصية تنفيذية، ولكون الدستور يقوم أساسا على الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)”.وقال عبد العزيز: “وباعتماد تعديل قانون السلطة القضائية عام 2006، أصبح النائب العام غير خاضِـع لسلطة وتبَـعية وزير العدل، وإنما لرئيس الجمهورية مباشرة، وهو ما أعطاه حرية كبيرة، كانت سببًا في نشاطه البارز ودوره الملحوظ، والذي لمسه الشعب خلال السنوات الخمس الأخيرة منذ صدور قرار الرئيس مبارك في 1 يوليو 2006 بتعيين المستشار عبد المجيد محمود في منصب النائب العام”.وأضاف: “وحتى يكون النائب العام أكثر تحررًا، فإنني أطالب بأن لا يتم اختياره مباشرة من قِـبل رئيس الدولة وأن يكون اختياره عبْـر القضاة أنفسهم من خلال ترشيح الجمعيتيْـن العموميتين لمحكمتَـيْ النقض والاستئناف، لثلاثة أسماء ترفع لرئيس الجمهورية ليختار واحدا منهم لتعيينه في هذا المنصب الرفيع”.متفقا مع عبد العزيز، أشار سامح عاشور، نقيب المحامين السابق إلى أن “ما يقوم به المستشار عبد المجيد محمود - النائب العام - هو ذات الدّور الذي رسمه له القانون، ولهذا، فهو يستند إلى الشرعية في كل قراراته وتحرّكاته. أما عن كونك تستشعر حضورا زائدا له، فإن هذا يرجع لجُـرأته وقوة شخصيته وإصراره على استخدام ما منحه إياه القانون من سلطات وصلاحيات واختصاصات لخدمة المجتمع”، مشدّدا على أن “تحريره من التبَـعية لوزارة العدل من الناحية القضائية، أضفى عليه مزيدا من الحرية والجرأة وأضفى على المنصب أهمية ومهابة ووقارًا”.
المحامون.. فِـرقٌ شتّـى وتصفية حسابات!
وحول رؤيته للأزمة الواقعة بين المحامين والقضاة، شدّد المستشار زكريا عبد العزيز في تصريحات خاصة لـ swissinfo**** على أنها: “أزمة ليس لها لازمة ولا أساس لها”، معتبرا أنه يجب قراءتها من خلال النظر إلى عدّة محاور وهي أن:
1- عددا كبيرا من شباب المحامين لا يجدون مكتبا ولا عملا، وهم متواجدون بالمحكمة يوميا بلا داع، وعندما تحدُث أي مشكلة يتدخلون.
2- هناك من استغل هذا الحادث الفردي ليبدأ معركة شخصية، مستغلا شباب المحامين كوَقود للمعركة لتصفية حسابات قديمة مع قاض أو وكيل نيابة.
3- هناك من ركبوا الموجة، وهم الفرقاء، والفِـرَق داخل نقابة المحامين، كثيرة ومتشعِّـبة. فبداخلها عدد كبير من الفِـرق، منهم من كانوا يجمعون التوقيعات لسحب الثقة من النقيب الحالي (حمدي خليفة). ففي يوم 7 حزيران 2010، أي قُـبيل اندلاع الأزمة بأيام، أُعْلِـنَ عن تشكيل مكتب بالنقابة، لجمع التوقيعات لإسقاط النقيب. وهناك الفرقة المضادة لهم، وهم أنصار النقيب الحالي، وهناك فريق الجماعات الإسلامية، ويمثلهم المحامي منتصر الزيّـات، الذي ملأ الدنيا أحاديث وزخما، وهناك فريق النقيب السابق سامح عاشور... كلهم دخلوا على الخطّ لتصفية حسابات سياسية وانتخابية قديمة أو للظهور للدّعاية للانتخابات القادمة.
4- بعض شباب القضاة للأسف، يتعاملون مع بعض المحامين بطريقة فيها نوع من التعالي، وهذا أمر مرفوض، لكن ما أودّ أن أوضحه هنا، أنه نظرا لحساسية عمل القضاة ولأننا نعيش في بلاد نامية ينتشر الفساد في قطاعات عديدة منها، فإن بعض كبار المحامين يُـتاجرون بعلاقاتهم ببعض القضاة والمستشارين، ومن هنا، فقد تصدر عن القاضي بعض التصّرفات التي قد يحسبها بعض المواطنين، والمحامين على الأخصّ، نوعا من التكبر أو التعالي. وهناك نص قضائي يلزم القاضي بالتنحّي والاعتذار عن الحكم في قضية ما، لارتباطه بعلاقة شخصية مع أحد محامي الطرفين، ابتعادا عن القيل والقال.
واستدرك عبد العزيز قائلا “المستشار أحمد الزند (الرئيس الحالي لنادي القضاة)، أخ وزميل، لكنني لو كنت رئيسا لنادي القضاة ، لأدرت الأزمة بطريقة مختلفة، وقد سبق أن تعرضنا لمثل هذه الأزمة 4 مرات خلال رئاستِـي للنادي، لكنني تعاملت معها بصبر وهدوء شديدين ولم أنتهج التصعيد في مواجهة الطرف الآخر، وكان أبرزها حادثة اعتداء ضابط شرطة بالضرب على المستشار محمود حمزة، وعلى الفور، تقدمنا ببلاغ للنائب العام وتم التحقيق في البلاغ وحضر المستشار محمد منيسي، ممثلا لنادي القضاة، وتمت إدانة الضابط ثم اعتذر للمستشار وتصالحا ولم يُـقدَّم الضابط للمحاكمة ولم نُـصِـرّ على التصعيد”.
وأضاف المستشار زكريا عبد العزيز “وقد كُـنتُ خلال هذه المواقف الأربعة، لا أدخل طرفا في مواجهة مع أحد. فمن الخطأ أن يدخل النادي في ملاسنات مع الطرف الآخر وينساق لردود فعل”، مشيرا إلى أن “هناك من اتّـخذ الأزمة الواقعة الآن بين المحامين والقضاة، تكئة للتغطية على التقصير الملحوظ في الخدمات ومحاولة استثمار وتوظيف الواقعة، لرفع أسهمه، وأقول وأكرر دومًا: قاتَـل الله المصالح الشخصية في العمل العام”.
النقيب الحالي.. وإدارة الأزمة!
ومن جهته، قال سامح عاشور: “مررنا بمعارك وخلافات أكبر من هذه الأزمة، لكننا استطعنا بإدارة حكيمة حلّ المشكلات التي نشبت بين النقابة وأطراف أخرى، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: اتهام محاميين باحتجاز قاض وإجباره على اتخاذ موقف معيّـن، وقد تدخّـلنا على الفور وطالبنا بتنفيذ القانون وأحيل المتهمان إلى محكمة الجنايات، التي أصدرت حكمها العادل، حيث تعاملنا مع الأزمة، دون تشنّـج وانفعال. وفي أزمة أخرى، قرّرت محكمة الجنايات حبس محامٍ، وكان مظلومًا، فتدخلنا على الفور واتصلنا بوزير العدل وطالبنا بالإفراج الفوري عنه. وبالفعل، استجاب الوزير وأفرج عنه فورا، وطالبنا بفتح تحقيق في القضية، لبيان المخطِـئ ومعاقبته”.وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo**** علق النقيب السابق (سامح عاشور) على إدارة النقيب الحالي (حمدي خليفة) للأزمة قائلا: “يمكن توصيف ما حدث على أنه:
1- سوء إدارة للأزمة، حيث تأخر تدخل النقابة إلى اليوم التالي.
2- ليس من الحِـكمة إدخال كل الأطراف كخصوم، كان لابد من وضع الأزمة في حجمها الحقيقي، دون تهويل أو تهوين، غير أن النقابة أدخلت المجلس الأعلى للقضاة والنائب العام ونادي القضاة و... في الخصومة، بينما كان من الممكن استخدام أي من هذه العناصر كورقة مفيدة لحلّ الأزمة في مرحلة لاحقة.
3- استخدم كل الأوراق الاحتجاجية، التي لديه (الإضراب والاعتصام المطلَـق) دُفعة واحدة، ولم يتدرج في استخدامها، بحسب المواقف، بحيث لا ينتقل لوسيلة أعلى إلا بعد استنفاذ الوسيلة الأدنى، وبسبب سوء التصرف هذا، لم يعُـد لديه ما يمكن أن يقدّمه!
4- كانت هناك مشكلة لدى كل من نقيب المحامين ورئيس نادي القضاة مع الجمعية العمومية لديهما، ومن ثمّ، فقد استجمع كل منهما أقصى ما لديه لحلّ مشكلته الشخصية، في المقام الأول، فحاولا الحصول على دعم الجمعية العمومية في محاولة منهما لسدّ الذرائع.
5- الاعتماد على الغيْـر (الحكومة). فالنقيب كان حريصا على الاستعانة بمسؤول حكومي لحلّ الأزمة (د. أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب)، وهي فكرة وطريقة خاطئة وليس لها تاريخ في العمل النقابي، وقد بدا هذا واضحا اليوم من تصريح الرئيس حسني مبارك، بأنه لم ولن يتدخّـل في أزمة المحامين مع القضاة، وعلى عقلاء الطرفين التوسّـط لحل الأزمة!.

المصدر هنا (http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=105163)