المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أزمة القضاة والمحامين.. سياسة وأشياء أخرى



هيثم الفقى
06-18-2010, 03:26 PM
هشام أصلان - http://www.shorouknews.com/uploadedImages/Sections/Culture/Events/kodah.jpg
النائب العمومى ورؤساء النيابة سنة 1932


[/URL]



ما يحدث هذه الأيام بين المحامين والقضاة، ليس الحدث الأول من نوعه فى ساحة القضاء المصرى، فعبر سنوات طويلة، ومنذ نشأة المهنتين، نجد أن هناك عددا من المشاحنات التاريخية، والتى كان لها بالغ الأثر، ليس على مستوى المهنتين فقط، ولكن تغيرات أدت إلى تحويل مسارات السقصة الخصام بين أشهر محاميين فى التاريخ السياسية، كما أدت إلى خلافات معروفة، ومدونة فى صفحات دفتر التاريخ.

فى هذه الصفحة نعرض لاثنين من أهم الكتب التى تعرضت لتاريخ فرعى القضاء: الجالس والواقف، وهما: «النظام القضائى المصرى الحديث» الذى جاء فى جزءين للدكتورة لطيفة محمد سالم، والكتاب الثانى هو «المحامون بين المهنة والسياسة دراسة فى تاريخ النخبة المصرية» للدكتورة أمانى الطويل، واللذان أصدرتهما دار الشروق.


«النظام القضائى المصرى الحديث» كتاب تأريخى مهم، تتناول فيه المؤرخة لطيفة محمد سالم، أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة بنها، تطور حركة القضاء المصرى عبر سنوات طويلة بدأت فى 1875 إلى ثورة يوليو 1952، ورغم تخوفها من التعرض إلى موضوع يجمع بين التخصصين «الكتابة التاريخية، والدراسات القانونية»، إلا أنها نجحت فى عقد صلة وطيدة بين كل من المجالين رغم أن لكل منهما «أدواته العلمية المعروفة»، بل على العكس، فإن درايتها التاريخية وإدراكها على فهم حدود الموضوعية عند المؤرخين الآخرين، ساعدها بشدة على ربط مراحل تطور القضاء بالحقب الزمنية التى تحدثت عنها، إضافة إلى ربطه بالتفاصيل الشخصية لكل من حكام تلك الحقب، والظرف التاريخى والسياسى الخاص بها.

ولأنه من الكتب الدسمة، التى يحتاج عرضها ومناقشتها إلى صفحات، فسوف نحاول التعرض فيه إلى بعض النقاط المهمة.فى البداية تعرفنا الكاتبة على الدور الذى لعبه محمد على مؤسس مصر الحديثة فى هذه المسألة، عندما أنشأ «عدة مؤسسات تشريعية وقضائية جمعت السلطات»، ولكنه حرص على فكرة التخصص القضائى فأنشأ «جمعية الحقانية»، وأسند إليها التشريع والقضاء.

كان نظام القضاء السائد فى مصر العثمانية يعتمد على الشريعة الإسلامية، ولكن بالرغم من مرونتها وتطورها وغناها فإن القائمين عليها كما ــــ توضح الكاتبة ـــ «شابوها بطريقتهم وتصلبهم، ورأى الوالى أن يشرك مع المحاكم الشرعية مجالس أخرى فى القضاء إذ اعتقد أنه بذلك يقضى على الفوضى القضائية الموجودة».

هذه النقطة تحيلنا دون قصد إلى ما يحدث هذه الأيام فى الساحة القضائية، فحتى لو كان القضاء المصرى الحالى مليئا بالمميزات والحركات المحترمة، فإن ما سبق يشير إلى أن التعنت والتصلب فى الرأى، حتى لو كان هناك اعتقاد بوجوب القضاء على الفوضى القائمة والمفترضة فى العلاقة بين المحامى والقاضى، يعطى نتائج غير طيبة.

بعد فترة أنشئ مجلس للنظر فى الدعاوى المدنية والتجارية والجنائية فى مدينة الإسكندرية، إلى جانب مجلس عسكرى هو «مجلس الشورى الجهادية»، الذى كان يطبق القانون العسكرى الفرنسى كما تقول المؤرخة: «ورغم محاولة إنجاح هذا النظام فإن القضاء لم يستقر واحتاج الأمر إلى تنظيم جديد»، فوضع قانون «السياسة نامه» الذى ألغيت بمقتضاه المجالس وحل مكانها الدواوين، ثم جاءت محاولة توحيد القوانين تحت قانون واحد هو «المنتخبات» الذى كان مزيجا بين الشريعة الإسلامية التى استمد منها «القصاص والدية والقسامة وإتلاف الأعضاء وإسقاط الحمل»، وبين القانون الجنائى الفرنسى حيث تم أخذ نصوص خاصة ببعض حالات حكم الإعدام والدفاع الشرعى عن النفس.

وتذكر الكاتبة أن هذه الخطوة كانت «أول خطوة نحو قانون موحد فى مصر الحديثة، وتنوعت العقوبات، الإعدام والصلب والتعذيب والنفى والسجن والكرباج والتشهير والجندية»..

ولكن هل سارت الأمور بشكل جيد أم كانت هناك بعض المشاكل والعيوب؟
تجيب د.لطيفة سالم: «انحصرت العيوب فى القائمين عليها من ناحية، وطريقة تطبيقها من ناحية أخرى، إذ وكل للإداريين التنفيذ، فكانوا يستبدون ويتعسفون ويصولون ويجولون بما لديهم من سلطة لإرضاء غرورهم وإشباع أهوائهم والحصول على المكاسب التى تغنيهم».

وكما نرى تحيلنا هذه الإجابة إلى نفس النقطة الخاصة بالنتائج السلبية للتعنت والاستخدام السيئ للسلطة.
ينقلنا الكتاب من محاولة تحديث القضاء فى عصر محمد على إلى إصرار الخديو عباس على استمرار هذا النظام ولكن بصورة بها بعض الإيجابية.

تستكمل الكاتبة مرورها على تطور النظام القضائى المصرى فى عهد الأسرة العلوية، فتذكر التطورات العديدة التى حدثت فى عهد سعيد، حيث خضع القضاء «لشخصيته المتقلبة والمضطربة، ولسياسته التى تعددت جوانبها واختلفت تجاه المصريين والأجانب على السواء».

ولكن كيف كان موقفه مع مجلس الأحكام؟
يجيب الكتاب: «رأى أن يعيد تشكيل أعضائه، وطلب من رئيس المجلس انتخاب أعضاء جدد، وبطبيعة الحال جاء الأعضاء من أصحاب الرتب العالية، كما أمر باتباع العدل والإنصاف فى رؤية فصل الدعاوى وعدم التأخير أو التوقف»، لدرجة أنه هدد وتوعد قائلا: «وإذا حصلت أحوال وحركات تنفى وتخالف مطلوبى ومأمولى فليكن فى معلومك أنى سأتأثر جدا بعودة بحثى فيها».

وإذا كان محمد على هو مؤسس مصر الحديثة، فإن المعروف أن هناك مرحلة التحديث الثانى التى جاء بها الخديو إسماعيل، وبطبيعة الأمر كان للقضاء نصيب كبير فى هذا التحديث الثانى، حيث أراد إسماعيل أن يغير مصر ويجعلها «ذات شكل متمدين، حتى يبدو ببريق الحاكم المستنير»، فبدأ برنامجه القضائى «بتعميم مجالس الأقاليم وتوزيع وتوسيع اختصاصاتها، وأنشئت مجالس استئنافية لاستئناف أحكام المجالس الابتدائية الواقعة فى دائرتها، وجعل مجلسا مصر والإسكندرية مجلسين استئنافيين، أما مجلس الأحكام فأصبح مجلسا عاليا اختص بمراجعة الأحكام وتطبيقها على القوانين وإعادة النظر فى القضايا»، ثم جاء عهد توفيق ليشهد انهيارا كاملا فى حال المجالس القضائية، وكان من أهم مظاهر هذا الانهيار، كما يوضح الكتاب، أن يحاكم المتهم «بدون دفاع»، ولاحظ أيها القارئ العزيز اعتبار الكاتبة أن مسألة المحاكمة دون دفاع هى من مظاهر الانهيار، وهو ما يحدث هذه الأيام فى بعض المحاكم بسبب إضراب عدد هائل من المحامين عن العمل وحضور الجلسات، وهو ما أدى أيامها؛ لأن يعاقب البعض على جريمة لم يرتكبها، «فى الوقت الذى أصبح فيه القاتل والسارق وقاطع الطريق يجد الخلاص بطرقه الخاصة مع أصحاب السلطة القضائية».

لم يقف الكتاب فقط عند هذا، ولكنه تعرض إلى عدة نقاط مهمة، مثل خضوع مصر لظروف اقتصادية وسياسية، كما تعرض الجزء الأول إلى سيطرة الرغبة فى «القضاء الأهلى إلى دائرة التشريع الحديث، وإنشاء المحاكم الأهلية، التى قامت بدورها فى الإطار المحدد لها، وقدمت خدماتها للمجتمع الذى أسست له».
فى الجزء الثانى من الكتاب، والذى يتناول تطور النظام القضائى المصرى بداية من 1814 إلى 1952، تتعرض لطيفة سالم إلى قيام الحرب العالمية الأولى، وتمكن بريطانيا من تحديد سياستها المرسومة تجاه مصر، لدرجة أن أولى الخطوات التى اتخذتها، كان استبعاد رئيسى محكمة الاستئناف المختلطة ومحكمة مصر المختلطة، مع ترقية قاض نرويجى إلى منصب مستشار ورئيس محكمة الاستئناف، وتعيين قضاة أجانب أيضا بالمحاكم الابتدائية..

وتعرض الكتاب تفصيلا إلى هذه المرحلة، مع شرح الأجواء الخاصة بجنسية كل مجموعة من القضاة على حدة، فنجد القضاة: «البريطانيون، الفرنسيون، الإيطاليون، الأسبان، الأمريكيون، الهولنديون، البلجيكيون والدنماركيون، السويديون، وغيرهم».

من النقاط المهمة أيضا التى يتعرض لها الجزء الثانى من الكتاب، هى «قانون المحاماة» الذى صدر بعد كفاح طويل، وأنشئت نقابة للمحامين كى تمثلهم وتدافع عن مصالحهم، وهى نقطة أخرى تعيدنا إلى سؤال ما حول الذى يستدعى الكفاح والوقفات:

تقول: «اتبع المحامون خطوات زملائهم أمام المحاكم المختلطة، حيث دقة النظام وصحة القواعد، وساعد المسئولون على تحقيق ذلك»، وكان يتقرر دخول المحامى إلى امتحان النقابة بناء على بيان يقدمه بالقضايا التى ترافع فيها أثناء فترة التمرين، ويعفى من تقديم هذا البيان من عمل لمدة أربع سنوات بوظيفة القضاء أو النيابة بالمحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية أو بالتدريس فى مدرسة الحقوق.

وقد شكلت النقابة بتكوينها السليم وعناصرها الجيدة صرح المحاماة، فقد أقيمت كما يوضح الكتاب، «على أسس راسخة وتقدمت بخطى واسعة، حتى إن المستشار القضائى رأى إمكان إدماجها مع نقابة المحاماة الوطنية، ليرفع من مستوى الأخيرة، التى لم تكن تضم المؤهلات التى تحتويها نقابة المحاماة الأهلية».

إضراب المحامين
وتتعرض د. لطيفة سالم فى هذه الجزئية من كتابها، إلى نقطة أخرى مهمة، وهى إضراب المحامين وتنظيم صفوفهم مع قيام ثورة 1919، وتشير إلى أن الإضراب يتعارض من الأساس مع قواعد مهنتهم، ولكى يتغلبوا على هذه النقطة طالبوا بتحويلهم من «محامين مقيدين بالجدول إلى غير مقيدين، وتعطل القضاء فى المحاكم حيث كلف بعضهم بحضور الجلسات لتأجيل القضايا «لدرجة أن المندوب السامى أصدر أمرا عسكريا بإيقاف حكم المادة التى تقضى بعدم جواز المحاكمة دون محام يدافع عن المتهمين».
يوضح الكتاب كيف جاهدت نقابة المحامين فى سبيل الدفاع عن كرامة أعضائها، وأيدت موقفهم، «فعندما تم القبض على أحدهم بتهمة الاعتداء بالضرب والتحريض على الإخلال بالأمن العام، احتج النقيب والوكيل وتقدم الأول للدفاع عن المحامى عند نظر المعارضة فى تجديد حبسه حتى قضى بالإفراج عنه». واحتدم الأمر أكثر من ذلك عندما قاطعت النقابة احتفالات العيد الخمسينى للمحاكم الأهلية بناء على عدم دعوة المحامين لها.

ظلت الأمور ثائرة بين الطرفين إلى أن صدر قانون المحاماة رقم 135 لسنة 1939، وأصبح التأديب من اختصاص مجلس يشكل من رئيس محكمة استئناف مصر أو وكيلها، واثنين من مستشاريها، إلى جانب عضوين من أعضاء مجلس النقابة يختار احدهما المحامى المرفوع عليه الدعوى ويختار الآخر مجلس النقابة.

ولكن هل يعنى هذا أن الأمور تسير بالسلب طوال الوقت؟. بالطبع لا. «فإن الجانب السلبى لبعض المحامين الذين أقدموا على ارتكاب المخالفات ومثلوا أمام مجلس التأديب وخضعوا للعقوبات، لا يقلل من الدور الإيجابى الذى قام به المحامون فى أكثر من مجال، فى النهضة الفقهية حيث وضعوا المؤلفات والأبحاث القانونية، فى الإعداد التشريعى باشتراكهم فى لجان القوانين، وفى العمل القضائى الذى التحقوا به، وفى تقلدهم للمناصب الكبيرة، وفى الحركة الوطنية التى أسهموا فيها، وفى تمثيل مصر فى المؤتمرات بالخارج، وفى بلاغة الخطابة سواء فى المرافعات أو المحاضرات أو النشاط السياسى».

[URL="http://www.shorouknews.com/ContentData.aspx?id=250000"]المصدر هنا (http://www.addthis.com/bookmark.php)