المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبدالله كمال يكتب : قبائل ام مؤسسات ؟..مابين القضاه والكهنه والمحامين



هيثم الفقى
06-17-2010, 02:07 PM
ما بين القضاة والكهنة والمحامين

تختلف القبيلة عن المؤسسة.. ربما كانت (وضعية القبيلة) مرحلة أدت إلي نشوء الدولة.. فالدولة (أرض وشعب ونظام).. وللقبيلة مثل هذا.. لكن الدولة الحديثة تجاوزت مواصفات القبيلة التي تقوم علي أساس عرقي.. ومجموعة من القيم الاجتماعية المتوارثة.. وأصبحت التفاعلات داخل الدولة مرجعيتها (القانون) لا القواعد الاجتماعية، وفي إطار التوازن بين السلطات وقيم المؤسسات، واستنادا إلي معايير المواطنة.

وحين تصطدم المؤسسات في نظام الدولة- وهذا أمر عادي جداً ويحدث ولا غضاضة فيه - فإنها لا يمكن أن تعود إلي مرجعية القبيلة، إنما مرجعيتها هي القانون.. وهو الفيصل بين الادعاء بالحقوق حين يحدث الصراع.. وفيه حل لكل مشكلة.. وقاعدة لكل نزاع.. وحين يكون النزاع مستحدثا ولم يخطر علي بال أحد من قبل.. فإن المشرع يتدخل لكي يضع القاعدة الجديدة التي تصبح بنداً في القانون.. يتم الرجوع إليها حين تتصارع الحقوق.

ولا أريد أن أخوض، بأي شكل من الأشكال، في تفاصيل الخلافات المتصاعدة بين سلطة القضاء ومؤسسة المحاماة.. أو بين مؤسسة الكنيسة وسلطة القضاء.. ولا أعتقد أن أحداً يريد الخوض في هذه التفاصيل.. ليس فقط لأنها تعقد فرص الوصول إلي صياغات حلول لإنهاء المواقف الملتهبة.. ولكن لأن النقاش يجب أن يكون أكبر من هذه التفاصيل التي أصر علي أنها صغيرة.. رغم كونها تحدث تأثيراً كبيراً.. صغيرة رغم دخول أطراف من جماعات سياسية ذات أهداف بعينها لإلهاب المواقف.

إن عقلاء المجتمع يعانون من إحباط مذهل لمحته في مناقشات مختلفة معهم علي مدي الأيام القليلة الماضية.. لأن ما يجري لا يليق بدولة كبيرة أصرت علي وصف نفسها ـ وهي كذلك بالفعل ـ بأنها دولة مؤسسات.. ولا شك أن هذا الإحباط ينتابني بدوري.. ويخالج أيضا كل المتورطين في احتدامات يمكن إنهاؤها حين يتخلي الجميع عن خصائص الانتماء للقبيلة والالتزام بأصول العمل المؤسسي وقواعد القانون.

إعمال القانون هو الفيصل في كل تفاعلات المجتمع.. أي مجتمع.. ولا يمكن لبلد بعراقة (دولة مصر) إلا أن يعي أفراده هذا.. في ضوء التراكم المذهل للفكر السياسي والتراث القانوني.. غير أن إعمال القانون هو في حد ذاته له إيقاع لا يمكن تجاوزه.. أي أن له زمناً لا يمكن إهداره.. وله قواعد لا يمكن تخطيها.. وفصول لا يمكن حرقها.. الحكم بإدانة المحامي في الغربية له استئناف.. والحكم بوجوب الزواج الثاني له استشكال.. كما أن طريقة التعامل بين القضاء والمحاماة لها قواعد ولها أعراف.. وأيضا كل قضية (زواج ثان) مستقلة عن غيرها.

تطبيق القانون هو مهمه القضاء.. وإعمال العدل يجب أن يكون هدف الدولة ومهمة المؤسسات.. وبعيداً عن القانون فإن في أي دولة لابد أن يكون هناك حوار غير معلن وغير منصوص عليه بين المؤسسات.. تصنعه السياسة.. يكون مقصده توفير السبل لإعمال القانون وتطبيق العدل.. وليس أن يتنازل أحد عن حقه.. أو ما يعتقد أنه حقه.

إن صورة النزاع الحالي، بعد صدور حكم الادارية العليا بخصوص الزواج الثاني للأقباط، لا تنطوي عن خلاف رؤي علي أساس القانون بين الكنيسة والقضاء.. وأخشي أنه يظهر بين الناس علي أنه بين (قضاة وكهنة).. هذا إيجاز مخل ولا يجوز.. كما أن صورة الخلاف الحالي بين نقابة المحامين والقضاء تم إيجازها علي أنها بين محامين وقضاة.. وحين يكون ذلك كذلك.. تتراجع سبل الحوار بين المؤسسات.

لسنا في صراع قبائل.. ولا نحن بصدد منازلة بين المكانات.. هذه خلافات عادية تنشأ في أي دولة بين الأفراد المنتمين إلي مؤسسات.. يجب ألا تتورط فيها المؤسسات.. كما أن خروج شخص من هذه الخلافات بحيث يشعر أنه قد خسر.. لا يعني أبداً حدوث أي انتقاص من (الهيبة) و(المكانة).. ولا شك أن المؤسسات تدرك حقاً الفرق بين كونها غطاء عاماً ينضوي تحته أفراد في إطار القانون.. وأن تنجرف إلي من يسعون لتحويل المؤسسات إلي قبائل.

أستطيع أن أفهم أن نقابة المحامين باعتبارها من مؤسسات النظام تحرص علي أن تطبق حرفياً دور (القضاء الواقف) باعتبار من ينتمون إليها هم عناصر في عملية اقرار العدل وتطبيق القانون.. وليس بكونهم أعضاء في فريق المحامين.. وأستطيع أن أستوعب أن السلطة القضائية التي تمثل القضاء الجالس بما له من حصانة هي ليست فريقا للقضاة.. كما أن الكنيسة ليست فريق الكهنة.. وهي من مؤسسات الدولة.. ولا بد أن تكون الأحرص علي إعمال القانون الذي يعضد حقوق المواطنة.. هناك فرق جوهري بين نزعات الأشخاص.. وهموم المؤسسات.. والكل يخسر.. حين يندفع الجميع وراء تصورات الأشخاص ومزايدات الأفراد.

إن علي عقلاء المؤسسات.. كل المؤسسات.. أن يقوموا بدورهم.. لترسيخ قيم المؤسسية.. ومنع الانجراف إلي ما قبل نشوء الدولة في عصر القبيلة.. كما أنه لا بد أن يكون القانون هو المرجعية في كل الأحوال.. وقبل تطبيق القانون يجب أن يكون هناك حوار يخلق الفرص المواتية لتطبيق هذا القانون.

المصدر هنا (http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=68115)