المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السلطة المحلية



هيثم الفقى
06-09-2010, 03:02 AM
السلطه المحليه:
لم يكن في وسع الملك ووزرائه الاضطلاع بمهام الحكم، دون مساعدة هيئة مدربة من الموظفين. ويعتبر تكوين هذا الجيش من الموظفين من جلائل أعمال البطالمة. ويزيد في قيمة عمل البطالمة الأوائل أنه لم يكن لهم ولا لأعوانهم الذين وفدوا معهم دراية خاصة، ولا تعليم مناسب للعمل الذي اضطلعوا به، فإنهم قبل ذلك كانوا يديرون شئونهم الخاصة بطريقة بدائية، كما أن إدارة الشئون العامة التي اشترك فيها بعض هؤلاء المهاجرين في بلادهم الأصلية كانت أولية إذا قيست بالنظم البطلمية.

ومن العسير أن نعرف كيف تمكن البطالمة من تكوين هذه الأداة الحكومية الدقيقة، في بلد أجنبي ووسط ظروف غريبة، من عناصر لم تتوافر لديها المؤهلات اللازمة لمثل هذا العمل، فإن رءوس هذه الأداة ومديري مصالحها المختلفة وأقسامها المتعددة كانوا كلهم تقريبًا من الإغريق، الذين لم يعدهم ماضهيم للاضطلاع بمثل هذه الأعمال المعقدة.

ولا شك في أن أداة البطالمة الحكومية كانت إلى حد ما من تراث الماضي، لكنها أصبحت في مجموعها أداة إغريقية منظمة تنظيمًا دقيقًا. ولم تقتصر هذه الصبغة الإغريقية على أسماء المناصب – وقد كانت في بداية الأمر غامضة غير دقيقة – ولا على استخدام اللغة الإغريقية، ولا على نظام إغريقي للمحاسبة، إذ كانت هذه الأداة إغريقية في نظامها وفي الروح التي سرت فيها. وقد كان ذلك طبيعيًا لأنه كانت للبطالمة وبخاصة الأوائل منهم أهداف وأغراض جديدة، كان تحقيقها يتطلب إعادة تنظيم الشئون الإدارية والمالية والاقتصادية القديمة التي كانت سائدة في مصر قبل مجيئهم إليها. ومن ثم كانوا يتطلبون من موظفيهم أن ينشئوا ويجددوا، وألا يكتفوا بتسيير الأداة الحكومية القديمة. وليس أدل على المهارة التي اكتسبها أولئك الموظفون على عهد بطلميوس الثاني من القوانين المالية والاقتصادية التي أصدروها في عهده.

إن نجاح البطالمة في إعادة تنظيم الأداة الحكومية لتحقيق أهدافهم، يعتبر من أبدع مبتكرات العبقرية الإغريقية، ودليلاً على مرونتها واستعدادها لتكييف نفسها وفقًا للظروف التي توجد فيها. ومن المؤكد أن البطالمة أنفسهم وكبار مساعديهم ومستشاريهم هم الذين وضعوا أساس البناء، الذي كان يجب على صغار الموظفين استكماله. وإذا كانت الظروف قد قضت أول الأمر باختيار الموظفين من أوفق العناصر الأجنبية التي توفرت لدى الملك، فإن هؤلاء الموظفين اكتسبوا بمضي الزمن دراية بملهم أورثوها لخلفائهم. ولا يبعد أن قد كانت مكاتبهم منذ البداية مصالح حكومية، وفي الوقت نفسه مراكز لإعداد الشبان لتولي المناصب الحكومية. وقد نجحت الأداة الحكومية البطلمية في أداء عملها بدقة ومهارة في كل فروع الإدارة. وإذا لم تكن هذه الأداة الحكومية أداة كاملة الإتقان – ويجب أن نلاحظ أننا لم نسمع قط عن أية أداة حكومية كاملة – فإنها كانت كفيلة بتحقيق أهداف البطالمة. لكن هذه الأداة الدقيقة تدهورت في أواخر عصر البطالمة، وأصبحت أداة فاسدة مرهقة كل همها ابتزاز الأموال، غير أن هذا لم يكن عيب تصميم هذه الأداة، وإنما عيب الظروف التي عملت فيها وطبيعة الأهداف التي وجهت إليها.

ولا شك في أنه عند وفاة بطلميوس الثاني، كانت قد وضعت القواعد الأساسية التي قام عليها نظام الحكم، الذي نستخلص من الوثائق البردية أنه كان متبعًا في عهد البطالمة. ولعل السر في ندرة الوثائق البردية الإغريقية، التي تصف لنا النصف القرن الأول من حكم البطالمة، يرجع إلى أن بطلميوس الثاني هو الذي استكمل نظم الحكم البطلمية.

وأول ما يسترعي انتباهنا في دراسة نظم الحكم البطلمية، هو الفارق بين النظم التي وضعت للإغريق والنظم التي طبقت على أهل البلاد. ويبدو هذا الفارق جليًا في المركز الشخصي الذي اختص به الإغريق، وفي المدن الإغريقية التي أنشئت على أرض مصر. وإذا كان كثر السنين وتتابع الأحداث قد خفف من حدة هذا الفارق، فإنهما لم يقضيا عليه كلية.

هيثم الفقى
06-09-2010, 03:02 AM
المدن الإغريقية في ممتلكات مصر الخارجية


- المدن الإغريقية في ممتلكات مصر الخارجية



ولقد عرفنا كيف أن البطالمة بسطوا سلطانهم على أقاليم كثيرة، في خلال القرن الذي أعقب موت الإسكندر، أي في عهد البطالمة الثلاثة الأوائل، ذلك العهد الذي بلغوا فيه أوج مجدهم وعظمتهم. وكانت أهم تلك الأقاليم وأطولها بقاء تحت سيطرتهم هي قبرص وقورينايئة وجوف سوريا وفينيقيا وفلسطين. وقد بقيت كذلك سنين طويلة جزءًا من إمبراطورية البطالمة: ليكيا المشهورة بغاباتها القيمة، وكاريا المعروفة بتجارتها وصناعتها، وجانب من أيونيا يشمل مليتوس وإفيسوس، وعصبة جزر بحر إيجة، وكانت جزيرة ثيرا من أشدها وفاء للبطالمة؛ وبعض أنحاء كريت. وفضلاً عن ذلك فإن مصر حكمت مدة وجيزة جزءًا من تراقيا وغاليبولي (Chersonesos) وساموتراقيا، بل تسنى لها أن تبسط نفوذها بعض الوقت على جزء من البلوبونيز.

نظام الحكم في قبرص:

إن أكثر المعلومات التي لدينا تتناول نظام الحكم في قبرص، وكان على رأسه حاكم عسكري (Strategos) تحت إمرته قوات كبيرة أخذت من جيش الملك النظامي، فيما يبدو، ووضعت في مدن الجزيرة المختلفة. وفي القرن الثاني قبل الميلاد كان حاكم الجزيرة يحمل كذلك لقب أميرال (Nauarchos)، فقد كان لديه عندئذ أسطول كبير يحتمل أن مدن قبرص الساحلية هي التي كانت تساهم في بنائه وإعداده للقتال. ومنذ عهد بطلميوس الخامس كان الحاكم يحمل كذلك لقب رئيس كهنة (Archiereus) المعابد في قبرص، وذلك بسبب الدور الذي كانت تقوم به معابد قبرص الكبيرة الغنية في حياة الجزيرة الاقتصادية والسياسية.

وكانت المناجم الهامة في قبرص ملكًا للدولة، وتستغل بواسطتها فيما يظن. وكان يعهد بالإشراف عليها في بعض الأحيان، بل يحتمل على الدوام، إلى حاكم خاص (Antistrategos)، لا يبد أنه كان يتمتع بسلطة حربية. ولم تتمتع مدن قبرص إطلاقًا باستقلالها، ولذلك فإن مسألة علاقات المدن بالسلطة المركزية لمتثر هناك أية مشكلة. وقد كان السادة الحقيقيون لهذه المدن قواد الحاميات، وكانوا يوجهون بأوامرهم الحكام الذين ينتخبهم الأهالي. ولا شك في أن موارد البطالمة من قبرص كانت كبيرة، فمنها كان يأتي النحاس الذي كانت مصر في حاجة قصوى إليه، ويحتمل أنه كانت تبنى فيها سفن كثيرة لأسطولي مصر الحربي والتجاري.

نظم الحكم في قورينايئة:

وقد كانت معلوماتنا عن نظام الحكم في قورينايئة في عصر البطالمة طفيفة، إلى أن كشف عن تلك الوثيقة التي أعطتنا دستورها ومر بنا ذكرها.

وترينا هذه الوثيقة كيف حاول ملك مصر تنظيم العلاقات بين قورينايئة وبين السلطة المركزية، فإن الملك أبقى دستور قورينايئة القديم في جوهره، لكنه أدخل عليه بعض التعديلات التي تضمن له السيطرة على شئون قورينايئة. فقد احتفظ لنفسه بالحقوق والامتيازات التالية:

(1) الحق في أن يدمج في القبائل بعض المواطنين الجدد، ويحتمل أنهم كانوا من أرباب الإقطاعات العسكرية في الجيش البطلمي.
(2) الحق في أن يعيد إلى المنفيين من أنصاره حقوقهم.
(3) الحق في اختيار أعضاء مجلس الشيوخ.
(4) الحق في تولي منصب الحاكم العسكري (Strategos).
(5) الحق في التدخل في قضايا المنفيين.
(6) الحق في منح حقوق المواطنة.

ويبدو أن بعض هذه الامتيازات كانت مؤقتة مثل الامتيازات المتعلقة بمعاملة المنفيين، على حين أن بعضها الآخر كانت دائمة، مثل حق تعيين أعضاء مجلس الشيوخ وحق تولي منصب الحاكم العسكري وحق منح حقوق المواطنة. وفي ضوء ذلك لا يستبعد أن يكون الملك قد احتفظ لنفسه بحقوق مماثلة في مدن مصر الإغريقية، ولاسيما أن هناك أوجه للشبه بين هذه الحقوق والحقوق التي كان ملوك برجام يتمتعون بها في هذه المدينة.

ويوجد شبه قريب بين الحالة الاجتماعية في قورينايئة، على نحو ما يصفها إسترابون، والحالة الاجتماعية في الإسكندرية ومصر. فقد كان ينزل في قورينايئة أيضًا إلى جانب الإغريق عدد كبير من غير الإغريق، ومعنى ذلك أنه إلى جانب المواطنين الذين كانوا يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة والذين كانوا يتمتعون بجانب من هذه الحقوق كانت توجد أعداد كبيرة ممن لم يكونوا مواطنين، كان أغلبهم من اليهود وبعضهم، فيما يحتمل، من الليبيين. وكان سكان الأقاليم يتالقون من مزارعين (Georgoi) يفلحون أراضي، كانت ملكًا للمدينة أو الملك. وأغلب الظن أن هؤلاء كانوا جنودًا أسكنوا هناك بمثابة أرباب إقطاعات (Klerouchoi).

قلة اكتراث البطالمة باستقلال المدن الخاضعة لهم:

إن المشكلة الرئيسية التي واجهت البطالمة في قورينايئة قد واجهتهم كذلك في كل ممتلكاتهم التي كانت المدن الإغريقية تقوم بالدور الرئيسي في حياتها، مثل عصبة الجزر والجزر الأخرى وكاريا وأيونيا وليكيا، وإلى حد ما في تراقيا. وإذا استبحنا لأنفسنا أن نستند إلى الوثائق القليلة التي لدينا في الحكم على موقف البطالمة من رعاياهام الإغريق بوجه عام، فإننا نرى أن البطالمة لم يعبأوا كثيرًا باستقلال المدن الخاضعة لهم، لأن سيطرتهم على هذه المدن تبدو بجلاء في وثائقها الرسمية، فديباجة هذه الوثائق لا تستهل عادة باسم المدينة وشعبها ومجلسها وحكامها بل باسم الملك. لكن البطالمة كانوا أكثر حذرًا في معاملة عصبة الجزر، فقد كانت منظمة تنظيمًا دقيقًا وعلى جانب كبير من القوة، مما أجبرهم على احترام نظمها. غير أنه حتى في عصبة الجزر كان الحاكم البطلمي (Nesiarch) هو ديكتاتور العصبة، فإنه هو الذي كان يدعو ممثلي الجزر إلى الاجتماع، وينفذ قرارات مثل هذه الاجتماعات، ويتولى قيادة قوات العصبة الحربية، ويطهر البحار من القراصنة، ويجمع المبالغ التي يدفعها أعضاء العصبة، ويعين المحكمين لفض الخلافات. لكن البطالمة، في خلال سيطرتهم القصيرة على هذه العصبة، كانوا حريصين على ألا يتدخلوا في شئونها الداخلية.

أما في المدن الإغريقية الأخرى، فإن البطالمة كانوا يتدخلون في كافة شئونها، إذ أنه بالرغم من أن هذه المدن احتفظت بنظمها مثل الجمعية الشعبية والمجلس والحكام، فإنها كانت لا تستطيع الفصل في أية مسألة هامة دون موافقة الملك أو بعبارة أخرى موافقة ممثله. وتشير القرائن إلى أن السلطة المركزية في الإمبراطورية كانت تتدخل باستمرار حتى في الشئون الداخلية البسيطة، إما بطريقة مباشرة بواسطة الأوامر أو بطريقة غير مباشرة بواسطة الرسائل الشخصية. ومثل ذلك أن هاليكارناسوس لم تستطع بناء جيمنازيوم دون موافقة الملك. وفي سامو تراقيا كان السماح باستيراد القمح أو عدم السماح به من اختصاص الملك أو ممثله، وهو أيضًا الذي كان صاحب الرأي الفاصل في مسألة تقسيم الأراضي بين المواطنين. وفي مليتوس نرى الملك يقسم الأراضي حسب مشيئته. وكان يفرض على الأهالي إيواء الحاميات البطلمية في المدن الخاضعة له، كما كان يفرض على بعض أصحاب الأراضي إمداد بعض الفرسان بعلف خيولهم. ولم يكن في وسع الأهالي الاحتجاج ضد تعسف البطالمة وتدخلهم في شئونهم، لأن مدنهم كانت تحت رحمة الحامية البطلمية وقائدها، فقد كان للبطالمة في كل ممتلكاتهم حاميات وقواد. وجملة القول أن البطالمة ادعوا أنهم أتوا لتحرير هذه المدن، لكنهم في الواقع كانوا أقل رحمة وشفقة برعاياهم من أسرة سلوقس أو أسرة أنتيجونوس.