المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاجهاض وحق الجنين في الحياه



فهد
05-13-2010, 08:02 AM
الإجهاض وحق الجنين في الحياة
بقلم:د‏.‏ صلاح علي سند


يكثر استعمال تعبير حق الجنين في الحياة عند مناقشة موضوع الاجهاض مع عدم الاستيعاب الكامل لمفهوم الحياة و مفهوم حق الحياة فحياة الإنسان لا تبدأ بتلقيح البويضة‏,‏بل بتكون الحيوان المنوي والبويضة‏




,‏ وسر الحياة موجود في جميع الكائنات‏,‏ وقد وضعه الله عز وجل في الخلق الأول لكل كائن ثم ينتقل إلي نسله محمولا في وسيلة التكاثر‏,‏ سواء كانت حبوب لقاح في النبات‏,‏ أو حيوانات منوية وبويضات في الثدييات‏.‏
وجوهر الحياة هو تفاعلات كيميائية تقوم بها الخلية لتحافظ علي وجودها بأن تقوم بتفكيك المواد الغذائية لعناصرها الأولية‏,‏ ثم تعيد تركيبها علي شكل مادة الخلية لتنمو أو تتكاثر‏,‏ وذلك تحت إمرة مادة الـ دي إن إيه التي تحمل الشفرة الوراثية وتنتقل موروثة داخل النطفة الحية أو حبوب اللقاح‏,‏ وتؤدي هذه التفاعلات إلي ظهور مظاهر الحياة التي نعرفها من حركة وتنفس وغيرها‏.‏
والحيوان المنوي كائن حي‏,‏ فنحن نراه تحت المجهر ينطلق باحثا عن بويضة‏,‏ وبعد تلقيحها تنتج النطفة الأمشاج التي تنقسم إلي خليتين ثم أربع‏,‏ وهكذا تمر بمراحل متتالية تم وصف بعضها في القرآن الكريم والسنة النبوية بدقة مثل العلقة التي تعلق بجدار الرحم ونسميها الحويصلة الجرثومية‏,‏ ثم المضغة التي تشبه قطعة اللحم التي مضغتها الأسنان ونسميها مرحلة الفلقات‏,‏ وهذا الإخبار بوجود مراحل للخلق سبق معرفة علم الأجنة بألف عام‏,‏ حيث كان العلماء يعتقدون أن الإنسان يكون موجودا كبذرة في المني أو دم الحيض كقزم ضئيل‏,‏ ثم ينمو في الحجم حتي يصل للإنسان المكتمل‏,‏ وهذه اشارة يرسلها لنا الله عز وجل في عالم الشهادة لنصدق الغيب وهو نفخ الروح بعد مراحل النطفة والعلقة والمضغة والعظام واللحم والتسوية‏,‏ والذي يتجاوزه بعض الأطباء كمرحلة من مراحل الخلق فهم يعتبرونه مراحل مادية متتالية فقط‏,‏ ولكن الصحيح أن نفخ الروح بالرغم من أنه لا يبدأ سر الحياة الموجود أصلا في الحيوان المنوي والبويضة فهو الحدث الفارق الذي يعطي للجنين سر إنسانيته وهو سيادته علي الكون وحمله أمانة التكليف‏.‏
وحق الحياة لأي كائن ليس مطلقا فهو مقيد بحقوق الآخرين‏,‏ فالميكروبات كائن حي من خلق الله‏,‏ ولكنه عز وجل أباح لنا قتلها بالمضادات الحيوية لمصلحة الإنسان‏,‏ وعضو الجسد الفاسد يجب بتره لمصلحة الجسد الكلية‏,‏ والإنسان المدان بجريمة يسلب حق حياته لمصلحة الدين والوطن‏,‏ ولايستطيع أحد أن ينكر حق الجنين في الحياة في أي مرحلة من مراحل خلقه‏,‏ ولكن يجب ألا يتساوي هذا الحق في بداية مراحل الخلق معه بعد اكتمال الخلق‏,‏ ويجب قياس هذا الحق في كل مرحلة مقابل حقوق الآخرين‏.‏
المرحلة الأولي النطفة قبل الإخصاب‏:‏ لقد أباح الرسول عليه الصلاة والسلام العزل أي منع حق الحياة وسلبه من الحيوان المنوي والبويضة المرشحتين لتكوين إنسان‏,‏ وهنا قياس مرحلة مبكرة للخلق مقابل مصلحة بسيطة وهي عدم إرادة الرجل أن يكون له ولد‏.‏
المرحلة الثانية‏:‏ بعد تكوين البويضة الملقحة وحتي نفخ الروح‏:‏ وحق الحياة في هذه المرحلة أقل منه بعد نفخ الروح لسببين أولهما‏:‏ أن استمرار الجنين في الحياة داخل الرحم هو ظني وليس قطعيا‏,‏ فالاجهاض التلقائي يحدث في خمس حالات‏,‏ وثانيهما‏:‏ أن نفخ الروح هو الذي يعطي للإنسان تكريمه علي سائر المخلوقات‏,‏ وهذا فهمناه عندما قرن الله عز وجل سجود الملائكة والكون كله للإنسان بنفخ الروح فيه‏,‏ كما نفهمه من اضافة الروح لله عز وجل وهي اضافة تشريف وتكريم فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين‏(‏ الحجر‏:29‏ ص‏72),‏ ولذلك فحياة الجنين قبل نفخ الروح هي دون الحياة الإنسانية المعروفة‏,‏ والبعض يوجب في اجهاضه غرة‏(‏ نصف عشر الدية‏),‏ بينما يكون الوزر بعد نفخ الروح هو قتل نفس ويوجب الدية‏,‏ أي أن الحرمة تتضاعف بعد نفخ الروح‏,‏ وقد شبهها الشيخ محمد متولي الشعراوي بالمثال التالي عندما تكسر نواة البلح هل تكون اعتديت علي نخلة‏.‏
وداخل هذه المرحلة من الخلق يجب أن نفرق بين الأطوار التفصيلية للقياس الصحيح بين حق الجنين في الحياة في كل طور بالضرر الذي قد يقع علي الأم‏,‏ فاخصاب البويضة قد يحدث خلال دقائق أو بعد يومين من التقاء الرجل بالمرأة‏,‏ ثم تسبح البويضة الملقحة داخل قناة فالوب ستة أيام متجهة إلي الرحم وتكون خلالها جميع الخلايا متماثلة مثل الخلايا الجذعية‏,‏ ثم تبدأ في الانغراس في جدار الرحم بعد أسبوع‏(‏ العلقة‏)‏ وتكون الخلايا قد بدأت في التميز إلي مجموعات سوف ينشأ من كل منها أعضاء معينة في الجنين‏,‏ ثم تبدأ مرحلة المضغة في الأسبوع الرابع وحتي أربعين يوما‏,‏ وعندها يبدأ الهيكل العظمي في التشكل‏,‏ فيكتسب الجنين شكل الإنسان المعروف‏,‏ ثم تبدأ العضلات تكسوه‏,‏ وبنهاية الشهر الثاني تكون جميع أجهزة الجسم قد تكونت تشريحيا‏,‏ ثم تستمر في النمو في الحجم واكتمال الوظيفة‏.‏
المرحلة الثالثة‏:‏ تبدأ بنفخ الروح عند‏40‏ أو‏120‏ يوما حسب رأي علماء الدين‏,‏ وتنتهي بولادة طفل قادر علي الحياة خارج الرحم‏,‏ وأنا أزعم أن حق الجنين في الحياة في هذه المرحلة مازال أقل منه بعد ولادته لأن بقاءه حيا حتي ولادته هو ظني‏,‏ فكثيرا ما يموت الجنين داخل الرحم لأسباب غير معروفة‏,‏ كما قد يموت بعد ولادته مباشرة لعدم اكتمال الرئة للتنفس خارج الرحم‏.‏
والضرر الذي قد يقع علي الأم باستمرار الحمل يتراوح بين سبب نفسي أو عضوي بسيط إلي اكتئاب شديد قد يؤدي إلي الانتحار‏,‏ أو تأثير سلبي علي أعضاء الجسد الحيوية بما يهدد حياتها‏,‏ وأوضح فأقول بأنه قد يمكن مثلا قبول القياس بضرر نفسي واقع علي الأم باستمرار الحمل كحالة المغتصبة مثلا بمرحلة عمرية مبكرة جدا للخلق‏,‏ ولكن قد لا يجوز هذا القياس بعد مرحلة المضغة أو العظام‏,‏ ولا يجوز أبدا بعد نفخ الروح‏.‏
والقرار الأكثر صعوبة في موضوع الاجهاض هو هل يجوز القياس عند وجود اضطراب جسماني أو ذهني في الجنين؟ إن وظيفة الطبيب في هذه الحالة أن يحدد مرحلة الخلق العمرية للجنين أو يبين نسبة الدقة في التشخيص وتأثير هذا الاضطراب التكويني علي الجنين‏,‏ سواء بالموت أو الاعاقة‏,‏ والرأي الطبي المجرد بناء علي توصيات الهيئات الطبية العالمية‏,‏ ثم يترك لعلماء الفتوي اتخاذ القرار الصحيح بناء علي هذه المعلومات بموازنة حق الجنين في الحياة في هذه المرحلة العمرية بالضرر المحتمل باستمرار الحمل‏,‏ وهنا يبرز الدور الأساسي للمجتمع في رعاية المعاقين بدنيا وذهنيا كما في المجتمعات المتقدمة‏.‏