المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حضور الروح الهاربة بين أنوار النبوة وظلمات الواقع المتردي للشاعر الكبير د/عزت سراج



وهبت عمري لك
04-28-2010, 07:27 PM
حضور الروح الهاربة

بين أنوار النبوة وظلمات الواقع المتردي

قراءة في ديوان { أبجدية الأنبياء }

للشاعر الدكتور/عنتر حربي

بقلم الشاعر الدكتور/عزت سراج

ــــــــــــــــــــــــــ
هذا هو الديوان الرابع الذي أقدمه للشاعر المبدع الدكتور/عنتر حربي ، فقد قدمت له ديوان " رسالة من فوق الجبل " تحت عنوان " أنين الروح الشاعرة بين الرؤية الواقعية المطاردة والحلم الرومانسي الهارب " وديوان " العار" تحت عنوان " الدوائر المغلقة وانكسارات الروح " ، وديوان "" مأساة عبلة " تحت عنوان " تجلي الذات الممزقة بين أوجاع الحاضر ومثالية الماضي " .
وتأتي أبيات هذا الديوان الرابع متناغمة مع رؤيته الشعرية في الدواوين السابقة وامتدادا لها ، حيث رأيناه في الديوان الثالث مالكا روحا شاعرة نحس بأنينها المتواصل بين رؤيته الواقعية للحياة واستشعار المطاردة ، وبين حلمه الرومانسي الهارب الذي يفر ـ دائما ـ من بين فروج أصابعه في جدلية مبهرة بين الحلم والواقع حيث يبدو صاحب رؤية واقعية ينعكس فيها الواقع الاجتماعي على نصوصه التي تحولت إلى وثائق تسجل أحداثه في جدلية تقوم على التأثير والتأثر في ضوء مفهوم " الانعكاس " عند أصحاب المدرسة الواقعية وبخاصة " مدام دي ستايل " في كتابها " الأدب في علاقاته بالنظم الاجتماعية " ونقاد تلك المدرسة النقدية ومنهم "سانت بيف " و " هيبوليت تين " و " جورج لوكاتش " وغيرهم .
ورأيناه في الديوان الثاني متمردا على صمته ، هاربا من أشباح الواقع المتأزم ، كما رأيناه في الديوان الأول محتميا بانتصارات الماضي المثالي في مواجهة الحاضر المهزوم ، راصدا أوجاعه ، كاشفا جراحه النازفة .
وفي هذا الديوان الرابع يجد خلاصه الأبدي وفردوسه المفقود الذي طالما ظل يبحث عن جنانه الفسيحة الخضراء حيث تهيم روحه الهاربة في سماوات النبوة البعيدة ، حاضرة في أزمان سحيقة نابضة بالتوحيد الخالص حيث الينابيع الإيمانية الصافية التي تتلألأ فوق صفحاتها أنوار الجلالة التي تسعى بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم .
ويتخذ الديوان الشكل الملحمي حيث تتوارى الذات الشاعرة غائبة في غياهب الماضي ، هاربة من ظلمات الواقع المتردي ، متخذا من القص الملحمي شكلا شعريا يتخفى من ورائه ، ويبث ـ من خلاله ـ أحزانه التي لا تنتهي ، وحلمه بعالم مثالي تنتصر فيه قيم الحق على أباطيل الواقع المنهار .
وشاعرنا هنا يصنع صنيع الشعراء الكبار الذين أبدعوا من خلال هذا الجنس الشعري بدءً من " هوميروس " في " الإلياذة " حيث الحرب المقدسة بين اليونان وطروادة ، وفي " الأوديسا " حيث يصور عودة اليونانيين إلى أوطانهم عقب انتهاء الحرب ، وفي الملحمتين يعرض " هوميروس " لصراع الحق والباطل حيث الغدر والوفاء والحب والكراهية ، مستدعيا شخصياته التاريخية التي صنعت أحداث الملحمتين كـ " أخيل " و " أجاممنون " و " وأجاكس " و" هيكتور" وغيرهم .
وفي الأدب الروماني نجد " فرجيل " الذي استوحى ملحمتي " هوميروس " ، فنظم " الإنيادة " حيث مغامرات " إينياس " ، مرورا بـ " أنشودة رولان " التي صورت عودة الملك " شارلمان " مهزوما في إحدى غزواته وهو الفارس النبيل الذي لم يستسلم يوما ولم يقهر ، وملحمة " الشاهنامة " التي قصت أحداث مملكة الفرس ، و " المهابهاراتا " الهندية التي صورت الصراع حول السلطة .
وفي الأدب العربي نجد فنون السيرة الشعبية التي اقتربت من هذا الشكل الملحمي البطولي كسير " عنترة بن شداد " و " سيف بن ذي يزن " و " أبي زيد الهلالي " و " الأميرة ذات الهمة " و " الظاهر بيبرس " و " الزير سالم " و " حمزة البهلوان " وغيرها .
والدكتور/عنتر حربي يذكرنا برائد الشعر الملحمي في الأدب العربي الشاعر " أحمد محرم " صاحب ديوان " مجد الإسلام " أو " الإلياذة الإسلامية " التي كتبها في أربعة أجزاء يحكي فيها حياة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مكة ، ثم هجرته إلى المدينة ، وغزواته بكل أحداثها وبطولاتها ، وجهاده ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن قدمت إليه الوفود تبايعه ، وإرساله السرايا إلى أنحاء الجزيرة العربية لتعلو كلمة التوحيد وترفرف رايته فوق أرجاء المعمورة ، وقد بلغت تلك الملحمة عدة آلاف من الأبيات الشعرية .
وقد رأى بعض النقاد افتقار هذا العمل إلى بعض العناصر الفنية للملحمة التي ترتكز على المعارك والبطولات الحربية ، والخوارق والأساطير وتعدد الآلهة وصراعها .
ويرى الدكتور شوقي ضيف في كتابه " دراسات في الشعر العربي المعاصر " أن تلك الملحمة التي كتبها أحمد محرم جافة جفافا شديدا .
كما يذكرنا بالشاعر " خليل مطران " في ملحمته " فتاة الجبل الأسود " التي صورت ثورة شعب الجبل الأسود ضد الأتراك من خلال تلك الفتاة التي تقود الجموع إلى أن تقع في الأسر .
وقد استطاع شاعرنا أن يوظف ذلك الشكل الملحمي في ديوانه الجديد ، ويعرض من خلاله لمشاعره الدينية ، قاصا سيرة الأنبياء والرسل بدءً من آدم حتى محمد صلى الله عليه وسلم .
ويثير الديوان تساؤلات كثيرة حول علاقة الشعر بالتاريخ حيث يلج الشاعر أعماق التاريخ مستحضرا شخصياته ، مسقطا من خلالها رؤاه على الواقع الاجتماعي والسياسي الذي يحياه .
ولا شك أن كل قصيدة ـ بطريقة أو أخرى ـ هي مجرد محاولة للتصالح بين الشعري والتاريخي ، فالقصيدة تحمل في باطنها التاريخ السري المتقد الذي يسري بين عروقها ، نابضا بالحياة ، قاطعا سياق الزمن ، مانحا خصبه الدائم المتجدد ، معلنا عن انبثاق حاضر يصبح بلا ماض أو مستقبل في لحظة خاطفة كالبرق ليمسي الإنسان مادته وضحيته في الآن ذاته حيث يتحقق التاريخ من خلاله ، وتبقى القصيدة ـ وحدها ـ هي الحلم الذي يمكن أن ينتصر فيه الإنسان على التاريخ حيث تملك القصيدة القدرة على تعريته وتجاوز وقائعه وأحداثه بصهرها في بنيتها وإعادة اكتشافها وصياغتها ورؤيتها من منظور الشعري .
فالشاعر ـ وحده ـ يصنع التاريخ ويعيد تشكيله وفق ما يراه وما يسكن روحه القلقة ، وهو مسكون به في أثناء خلقه لنصه الشعري وإن حاول الولوج إلى أعماق اللحظة الحاضرة والإمساك على دمائها النازفة بين يديه حيث لا يستطيع الشاعر أن يظل خارج التاريخ ناظرا من عَلٍ إلى تلك الأحداث والوقائع التي تشكل تاريخا سريا جديدا ، كما أنه لا يستطيع الاستسلام لليومي من الأحداث العارضة التي تمر كالسديم الذي يتشكل خارج فضاء القصيدة .
ويظل الشاعر الحقيقي باحثا عن لحظة الإبداع في فضاءات جديدة بين الواقع والخيال والحاضر والماضي لتحدث المفارقة التي تصنع القصيدة وتُوَلِّدُ شرارَتَها داخله ، معيدة ترتيب الأحداث والوقائع لتتصادم فيما بينها ليرتفع الشعر فوق أنقاضها خارجا من وهدة التسجيل التاريخي إلى رحابة الرؤية الشعرية له .
والشاعر ـ وحده ـ يعي تحولات التاريخ التي تصنع عصره ، مؤسسا لطريقته الخاصة في توظيف رموزه وأساطيره وأقنعته وشخصياته التاريخية التي تصير امتدادا للحظة الراهنة التي تمنح الشاعر ـ بدورها ـ الطاقة اللازمة لعملية الإبداع ، فيملك القدرة على أن يغزو الماضي السحيق بروحه ، متجاوزا تفاصيله وأحداثه اليومية العابرة إلى ما هو جوهري فيه ، غامسا قلمه في جسده النازف ، لتسيل دماؤه الدافئة بين عروق قصائده ، مانحة إياها حياة متجددة قادرة على البقاء والعطاء .
والشاعر المبدع لا يقرأ في نصوصه الحاضرَ من خلال الماضي فحسب ، ولا يسعى إلى إضاءة غيهب الحاضر بتسليط الماضي وإسقاطه عليه أو العكس ، ولكنه يعمل جاهدا على الدمج الواعي بين اللحظتين من خلال استخدام آليات ناضجة لاستدعاء التاريخ ، وصهر شخصياته وأساطيره ووقائعه في جسد القصيدة ، فهذا التاريخ لا يتجسد في القصيدة بشروطه ووعيه ، بل بشروط اللحظة الحاضرة ووعي الشاعر بها وكشفه عن ظلاله القاتمة التي تحيق به ، ومن هنا يكتسب حضور التاريخ في القصيدة قيمةً مضافة إليه، ويتقابل الماضي بالحاضر في تفاعل مستمر وجدلية تدفع باستمرار إلى تبادل الأدوار لتضاء القصيدة بشرارة اصطدامهما ، فتتحول في خفة ورشاقة من الحاضر إلى الماضي ومن الماضي إلى الحاضر دون قيود تعوق حركتها في محاولة لاستشراف ما هو آت .
وعلى الشاعر أن يتفهم ما يحيط به من أخطار التاريخ المعلب المصنوع له ، والمجهز في رفوف المتاحف ، والمحنط في توابيته القديمة ، ويحذر من الوقوع في فخاخه المتناثرة في طرقات الزمان .
فالشاعر لا يعيد أحداث التاريخ إلى الحاضر ، ولا ينسخها في قصائده ، ولا يستسلم لأمواجه العاتية ، فيغرق في تفاصيلها ، ولكنه مستكشف لجزائره البعيدة المترامية التي لم تطأها قدم لتتسع الرؤية وتضيق العبارة ، محاورا أشخاصه في مهارة باعتبار القصيدة فضاءً مفتوحا على كل ما هو مجهول وجديد ، منطلقة من نقطة إلى أخرى ، متجاوزة دائما أبدا العادي والمألوف .
فالشاعر الواعي يقبل على التاريخ فاتحا بعض صفحاته ، وطاويا الأخرى ، مدركا أن ما ينجزه الآن يصبح تاريخا فيما بعد ، فهو ـ من هذا المنطلق ـ صانع تاريخ كما هو مكتشف له في صيرورة وحركة دائبة لا تتوقف ، وفتح للأبواب والممرات التي تؤدي إلى فهم حقيقة الوجود الإنساني وماهيته ، وإضاءة جنبات التاريخ المعتمة التي تتماهى في أنوار القصيدة الباهرة .
ولا يكتفي الشاعر في هذه الجدلية المبدعة بين الشعر والتاريخ بالجلوس في طرقات الماضي والعكوف على متونه وأسانيده بل عليه قراءته ونقده وتفكيكه وإعادة تركيب أحداثه وفق رؤيته الشعرية المتجاوزة ، ليصبح حاضرا وفاعلا في القصيدة التي تسمح له أن يمتزج بها ليصنعا معا ذاكرة للأمة ، وهذا ما استطاع أن يقدمه لنا شعراء كبار مثل " بدر شاكر السياب " في قصائده " رحل النهار " و " أنشودة المطر " و " غريب على الخليج " و" حفار القبور " و " جيكور " وغيرها من القصائد التي مزج فيها الأسطورة التاريخية باليومي لتتكون المادة الشعرية الخصبة التي يعكس من خلالها رؤيته التي تتكسر وتتشظى على سطح قصائده .
والشاعر يطمح في خلال تلك الجدلية أن يعيد كتابة التاريخ ، وإنتاج ما هو قادم منه ، معيدا توزيع الأدوار وترتيب الأشخاص وفق منظور مغاير لما يتبناه مؤرخو السلطة قديما وحديثا ، وهذا ما صنعه شعراء كبار مثل " أدونيس " بدءً من " أوراق في الريح " مرورا بـ
" أغاني مهيار الدمشقي " انتهاءً بـ " الكتاب " الذي جعل الأفكار تحل محل الشخصيات التاريخية في صراعها في محاولة لكتابة تاريخ مغاير أبطاله الأفكار الكبرى التي تصنع أحداث التاريخ وتخلق أشخاصه .
ولا بأس أن تفتح القصيدة أبوابها إلى رموز التاريخ لتحكي عن الحاضر من خلال الاستحضار المكثف للماضي بشرط أن يعيد الشاعر تشكيل تلك المادة التاريخية من شخصيات ووقائع وأساطير وسير في ضوء اللحظة التاريخية التي يعيشها وما يمر به من أحداث لتقع المفارقة وتشتعل القصيدة .
وهذا ما كان يصنعه شعراء كبار مثل " أمل دنقل " كما في قصيدته " أقوال جديدة عن حرب البسوس " من خلال استدعائه لحادثة مقتل " كليب " على يد ابن عمه " جساس بن مرة " محققا التوازي التاريخي بين الماضي والحاضر ، مسقطا تلك الواقعة التاريخية على هزيمة العرب في حرب النكسة .
وهذا أيضا ما يحاوله الدكتور/عنتر حربي في هذا الديوان من خلال إسقاط ما حدث للرسل والأنبياء من قتل وتعذيب وصبر في سبيل أداء أمانة الكلمة وتبليغ الرسالات ، على الواقع الحاضر وما يحدث فيه من اضطهاد وتهميش لمثقفي الأمة وشرفائها الذين يحاولون ـ دون جدوى ـ بعث الروح في جسدها المتداعي ، فالأرض التي هبط إليها آدم بعد معصيته ( فوقها كل الشقاء ) ، وقابيل أراد التخلص من أخيه هابيل فيقتله ليفوز بمن يحب ، ونوح يدعو قومه لكنهم يسخرون منه مصرين على شركهم وقد كذبوه فكان جزاؤهم أن أخذهم الطوفان ، وعاد تستكبر وتطغى وتعلي في بنيانها كفرا وعنادا ، وثمود تكذب صالحا وتعقر ناقته ، والنمرود يجادل إبراهيم في ربه زاعما أنه قادر على أن يحيي ويميت ، واللواط قد ملك قلوب قوم لوط ، وفي مدين ينقصون الوزن ولا يقيمونه بالقسطاس ، ويتآمر أخوة يوسف عليه فيلقونه بالبئر ليفوزوا بعطاء أبيهم ، وامرأة العزيز تخون مليكها وتغوي يوسف وتقد قميصه ، ويوسف يسجن ظلما ، وأيوب تتزاحم على جسده العلل والأمراض ، وفرعون طغى وقد ظن أنه ربهم الأعلى ، ويحيي تقطع رأسه ، واليهود يحاولون صلب المسيح .
فالديوان يتكئ على وقائع التاريخ وصفوة شخوصه الفاعلين من الأنبياء والرسل ، غير أنه يلقي بظلال التاريخ على الواقع الاجتماعي الذي ينهار يوما بعد يوم ، ويتداعي هاويا ، ولا يملك هؤلاء المثقفون من شرفاء الوطن أن يدفعوا عنه أو عن أنفسهم ليرأبوا الصدع قبل أن تتسع الشروخ وتتساقط بقية جدران المعبد على الرؤوس المنحنية في خضوع .
وللديوان غاية تعليمية يكشف عنها الشاعر في مقدمته حيث يسعى إلى توضيح مفهوم وحدة الدين وحقيقة التوحيد ، يقول الدكتور / عنتر حربي موضحا تلك الغاية التي يرمي إليها التي تتمثل في (إيضاح ما عاناه هؤلاء الأنبياء والرسل في سبيل إبلاغ رسالة الله إلى الناس التي لم تتغير منذ آدم حتى محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهذه الرسالة تتمثل في قوله تعالى " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا " وأن اتبعوا رسولكم الذي أرسل من الله إليكم ، وأن النور الذي جاء به الرسل جميعا يأتي من مشكاة واحدة ، برسالة واحدة هي لا إله إلا الله).
ولا ينتقص هذا الجانب التعليمي من قيمة الديوان ، فكبار الشعراء قديما نظموا في العلوم والقوانين والأنساب والفلك والأخلاق ، فقد نظم " هزيود" الشاعر اليوناني قصيدتين : الأولى في الأخلاق والمعارف والصناعات وأعمال الزراعة وفصول السنة ، والثانية في أنساب الآلهة ونشأتهم وأصولهم وشعوبهم ووظائفهم وتاريخهم .
وكتب " فرجيل " ديوانا عن الزراعة ومواعيدها وطرقها ، وكتب " موليير" قصيدة أوضح فيها الفارق بين التصوير على الجدران والتصوير الزيتي ، ونظم " هوراس " الحكم والنصائح.
وكان أول من استخدم هذا اللون الشعري في الأدب العربي " محمد بن إبراهيم الفزاري " الذي نظم قصيدة في علم الفلك ، ونظم " إسحق بن حنين " قصيدة في علم التاريخ ، وروى المسعودي أن خالد بن يزيد بن معاوية نظم قصيدة في صناعة الكيمياء .
وكان بشر بن المعتمر يوظف هذا اللون الشعري في تأييد مذهب الاعتزال ، وتبعه في ذلك طائفة من الشعراء منهم " صفوان الأنصاري " و " سليمان الأعمى " أخو " مسلم بن الوليد " وغيرهما ممن ردوا على " بشار بن برد " في تفضيله إبليس على آدم الذي خلق من طين والطين لا يعلو علو النار كما يقول .
وقد ذكر " الجاحظ " في كتابه " الحيوان " أن لبشر بن المعتمر قصيدتين طويلتين الأولى : في ذم الإباضية والرافضة والحشوية ، وقد تحدث فيها عن عالم الحيوان وأعاجيبه وطبائعه وأقواته مستدلا بذلك على قدرة الخالق عز وجل والقصيدة الثانية تحدث فيها عن المخلوقات المختلفة الأجناس، والحيوان وأصنافه وأوضاعه مستدلاً بذلك على حكمة الله، مستخلصاً من ذلك أن العقل وحده هو الذي ينبغي أن يهتدي به الناس، وألاّ يتخذوا غيره رائداً مرشداً كما يفعل من ضلوا واحتكموا إلى التقليد .
ونظم " أبان بن الحميد اللاحقي " أرجوزة مزدوجة يشرح فيها أحكام الزكاة وفرائض الصيام ، كما نظم قصيدته " ذات الحلل " بين فيها النظم الكونية وضمنها كثيرا من علم المنطق ، ونظم تاريخ الفرس شعرا ، حيث نظم سيرة " أردشير " وسيرة " أنوشروان " ونظم كتاب حكم الهند ، كما نظم " كليلة ودمنة " شعرا ، وهو سيد هذا اللون الشعري في الأدب العربي بلا منازع .
ومن أبرز شعراء العربية استخداما لهذا اللون الشعري " أبو العتاهية " الذي نظم منه المواعظ والحكم كأرجوزته المعروفة باسم " ذات الأمثال " وهي مزدوجة متعددة الروي بتعدد الأبيات.
ويدخل في هذا اللون ما كتبه يحيي بن الحكم الغزال في فتح الأندلس ، وابن عبد ربه في غزوات عبد الرحمن الناصر ، ومن ذلك أيضا المتون النحوية كألفية " ابن مالك " واللغوية كمقصورة " ابن دريد " عدا المتون الفقهية ومنظومات علوم القرآن والفلك وغيرها .
كما يثير الديوان تساؤلا أساسيا حول علاقة الشعر بالدين ، وهي علاقة مركبة وقديمة ، فالأهازيج الشعرية ذات الطابع الديني كانت تستخدم قبل الإسلام كطقوس دينية ، وألقت النصوص المقدسة بظلالها على فن القصيد ، فتجلت فيه الرموز التوراتية والإنجيلية .
وربما تجاوزت العلاقة بين الشعر والدين ما هو سماوي اعتمادا على الروح والإلهام ، ففي وادي النيل وبلاد الرافدين استبق الكهنة إلى توظيف الشعر في تراتيلهم الدينية ومواعظهم ورقاهم ، وما جاء في ألواح السومرية يؤكد على ميلاد الشعر في أحضان الكهانة والسحر ، ومن هنا أطلق العبريون كلمة واحدة للدلالة على الشاعر والنبي معا ، وأطلق اليونانيون كلمة " خالق " على الشاعر لما له من مكانة مقدسة ، وحال العرب لم يختلف كثيرا فقد خلطوا بين النبي والشاعر والوحي والإلهام والتلقي والحدس ، وربطوا بين الشعر والسحر استشعارا منهم بقدرات الشاعر الفائقة التي تسخر له شياطين الجن لتعينه على قول الشعر ، وكذلك قد تأثروا بالوثنية والحنفية في كثير من نصوصهم الشعرية .
ولما جاء الإسلام أعلى من مكانة الشاعر فنزلت سورة طويلة تحمل اسم " الشعراء " وكثر ذكرهم والإشارة إليهم في مواضع متعددة من القرآن الكريم ، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول " إن من الشعر لحكمة " ، ويقول " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه " ، بل كان له ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأي فيما يسمع من أشعار ، فلما قال النابغة الجعدي :

علونا السماء عفة وتكرما

وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا

غضب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال له : أين المظهر يا أبا ليلى ؟ فقال : الجنة بك يا رسول الله ، فهدأت نفسه وقال: أجل إن شاء الله .
واستمع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى قصائد الشعراء المخضرمين على ما فيها من مقدمات غزلية وبقية من آثار جاهلية ومنها قصيدة " النابغة الجعدي " وهي قصيدة طويلة في مدح المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولعل أشهر قصيدة نظمت في مدح الرسول في ذلك الوقت هي قصيدة " بانت سعاد " لكعب بن زهير وقد قلدها الشعراء على مر العصور.
وقد قرب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشعراء منه ، ودعا لهم ، وانتدب الرسول الكريم ثلاثة من خيرة شعراء المسلمين للدفاع عن الرسالة الإسلامية وهم : حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة .
وتابعه الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في هذا الفهم الدقيق لدور الشعر في بناء الأمم ، فكان ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يحفظ كثيرا من شعر العرب ، بل كان يستمع إلى أشعار عمر بن أبي ربيعة ويحفظها ، وأشاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحكم " زهير بن أبي سلمى " ، وقد ظل الشعر العربي في عصوره المتعاقبة إلى اليوم حافلاً بالروح الإسلامية بين مدّ وجزر .
ففي العصر الحديث اتخذ هذا التأثير الديني في الشعر أبعادا جديدة بعد ترجمة الشعر الغربي ، وتأثيره في شعراء العربية وبخاصة " ت . س . إليوت " وديوانه " الأرض الخراب " ، فكتب " خليل حاوي " قصيدته " لعازر " معبرا عن إحباطه ورفضه للواقع العربي المزري ، وكتب " بدر شاكر السياب " قصيدته " المسيح بعد الصلب " معبرا عن قلقه الروحي والوجودي وشعوره بالاغتراب ، واتسع استخدام الرموز الدينية المسيحية في الشعر العربي الحديث وبخاصة عند " أدونيس " و " أنسي الحاج " و " يوسف الخال " و " عبد الوهاب البياتي " و " أمل دنقل " و " محمد الماغوط " وغيرهم ، ولعبت مجلة " شعر " دورا بارزا في تفعيل هذا الاتجاه ، ورأينا تأثير النصوص الدينية المقدسة يزداد كثافة وحضورا عند هؤلاء ، فتعددت الرموز والأساطير الدينية ، وتجلت بوضوح نصوص الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد .
ومن هنا فليس غريبا أن يتكئ الدكتور/عنتر حربي ـ مع الفارق في طبيعة التجربة ـ على الآيات القرآنية ، مؤكدا فاعلية النص الديني ، مستحضرا طائفة من الأنبياء والرسل ، ليجد فضاء فسيحا يعبر من خلاله عن أزمة الإنسان المعاصر وقلقه ، متلبسا تلك الشخصيات القرآنية المضيئة للخروج إلى مساحات إبداعية أوسع من الواقع الاجتماعي الخانق ، ويحلق في مسافات عميقة تمتد بين الأرض والسماء .
فالديوان حافل بالروح الإسلامية ، عاكس شخصية صاحبه الهادئة التي تنتقد صراعات الذات الثقافية العربية ، في محاولة لترسيخ الاتجاه الإسلامي في الشعر العربي المعاصر .
ومن مظاهر هذا الاتجاه في الديوان كثرة تضمينه لآيات القرآن الكريم ، فالديوان يستوحي نصوصه من عشرات الآيات القرآنية كما في قوله :

لَكِنَّ إبليساً تـَدَخّلَ فانتهى عصرُ الهَنـَاءْ
كي يهبطا فورا لأرضٍ فوقها كُلُّ الشقاءْ



تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة البقرة (36) ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) .
وفي قوله :

قابيلُ قَرَّرَ بعد قتل شقيقه حَفْرَ التُرَابْ
ليهيلهُ فوْقَ الضَّحيةِ مثلما فَعلَ الغُرابْ



تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة المائدة (5) (فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ) .
وفي قوله :


وعلى سفينتهِ بوحيٍ أركبَ الأزواجْ
وتفجَّرَ الطوفانُ موجاً عالياً قد هاجْ
غرقوا لينجو من بِفُلكٍ حولَهُ أمواجْ




تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة هود (40) (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) ، وقوله تعالى من سورة العنكبوت (14) (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ).
وفي قوله :


فاستكبروا فأهـَلَّ ريحٌ صرصرٌ بالجو لاحْ
أضحوا به أعجازَ نخلٍ قد هَوىَ وسط الرياحْ




تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة الحاقة (8:6) (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ ).
وفي قوله :


نحتوا بيوتاً بالجبالِ لتخلُفَ الأكواخْ



تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة الشعراء (149) (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ) .
وفي قوله :


فأتى بناقتهِ إليهم صالحٌ وأناخْ
لكنهم عقروا لأن ضلالهمْ قد شاخْ



تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة الشمس (15:11)(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا ).
وفي قوله :


والنارُ ترفضُ أن تُحَرِّقَ للرسولِ جلودْ
تغدو له برداً وسِلماً والجميعُ شُهُودْ



تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة الأنبياء (69:68) (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) .
وفي قوله :


ردَّ الخليلُ وقد أتاهُ الفوزُ والإنقاذْ
ربّى هو المُحيىِ المُميتُ وأمرُهُ إنفاذْ
من شرقنا يأتي بشمسٍ ضوؤها أخَّاذْ
فاجعل من الغربِ الشروقَ إن استطعتَ الشاذْ
حتى إذا نطق الخليلُ بمنطق الأفذاذْ
بُهِتَ الذي رفض الهُدَى وبصمتهِ قد لاذْ



تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة البقرة (258)( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .
وفي قوله :


ومضى ليتركها بوادٍ غير ذي أشجارْ




تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة إبراهيم (37) ( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) .
وفي قوله :


ويعودُ إبراهيمُ يرفعُ بيتَ رب الناسْ



تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة البقرة (127) ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .
وفي قوله :


ويكادُ يذبحُ في امتثالٍ طفله بحماسْ
إذ مَدَّ نحراً للذبيحِ وفوقَهُ قد داسْ




تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة الصافات (102) ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) .
وفي قوله :


يُفدى بكبشٍ قبل ذبْحٍ يُخمِدُ الأنفاسْ





تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة الصافات (107) (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) .
وفي قوله :


وتآمرَ الأسباطُ حتى حققوا الأغراضْ
ألقوا بيوسف قاعَ بئرٍ وابتغوا إعراضْ



تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة يوسف (10:9) ( اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ، قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ) .
وفي قوله :


عشقتهُ صاحبةُ العزيزِ وما بها إحباطْ
قطعت بدربٍ للغوايةِ نحوَهُ أشواطْ
هَمَّـتْ بِهِ ويكادُ يفعلُ واللهيبُ سِـياطْ
لولا رأى برهانَ ربٍ خالقٍ فاحتاطْ



تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة يوسف (23 :24) (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ، وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) .
وفي قوله :


ضربت عصاه مياه بحر فاغتدى أنفاق
وتلاه فرعون فكان جزاؤه الإغراق



تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة الشعراء (63) ( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) .
وفي قوله :


فألان في يده الحديد بدون أي شكوك



تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة سبأ (11:10) ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) .
وفي قوله :


يأتيه من سبأ بقولٍ هدهدٌ جوال



تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة النمل (23:20) (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ، فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ، إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ) .
وفي قوله :


بالنجم في كبد السماء المستقر إذا هوى
ما ضل صاحبكم بقولٍ بالكتاب وما غوى
ما كان ينطق إن تحدث أو أجاب عن الهوى
يأتي بوحي للمهيمن في شديد للقوى
ذو مرة بين الملائك في ملامحه استوى
إذ قاب قوسين أو أدنى من محمدنا أوى



تضمين لمعنى قوله تعالى من سورة النجم (9:1) ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) .
وقد أراد الدكتور/عنتر حربي لديوانه أن يكون قصيدة واحدة طويلة تبلغ نحو (174) أربعة وسبعين ومائة بيت ، فيذكرنا بالقصائد الطوال في الشعر العربي الحديث كقصيدة " كشف الغمة في مدح سيد الأمة " للبارودي ، وقصيدة " دول العرب وعظماء الإسلام " لأحمد شوقي ، وقصيدة " العمرية " لحافظ إبراهيم ، وغيرها .
والديوان يتسم بوحدة الموضوع والوزن الشعري ، حيث جاء على مجزوء الكامل ، ولعل حركة الزمان داخل القصيدة من آدم إلى محمد مرورا بالأنبياء والرسل بينهما ، بالإضافة إلى ما فيه من وقائع وأحداث متعاقبة قد استدعى موسيقى بحر الكامل الذي سمي بهذا الاسم ـ كما يقول الخطيب التبريزي في كتابه " الوافي في العروض والقوافي ص 78 ـ لتكامل حركاته ، وهي ثلاثون حركة . ليس في الشعر شيء له ثلاثون حركة غيره ، والحركات وإن كانت في أصل الوافر مثل ما هي في الكامل ، فإن في الكامل زيادة ليست في الوافر وذلك لأنه توفرت حركاته ولم يجئ علي أصله ، والكامل توفرت حركاته وجاء علي أصله ، فهو أكمل من الوافر فسمي لذلك كاملاً .
والديوان ـ مع حفاظه على وحدة الوزن ـ تنوعت فيه حروف الروي ، حيث ألزم الدكتور/عنتر حربي نفسه بحروف الهجاء جميعها من الألف إلى الياء ، مما خنق قوافيه في بعض الأحيان ، وسِيقَتْ في بعضها الآخر سَوْقًا ، وقد حاول التخفيف من ثقل ما ألزم به نفسه من حروف الروي وليس يلزمها ، فجاء بالردف في معظم المقطوعات إلا نادرا ، وهو عبارة عن حرف لين " الألف ، الواو ، الياء " قبل الروي مباشرة ، فقيد نَفَسَهُ الشعري ، ولولا براعته وتصرفه في صياغة عباراته لقُيِّدَتْ أبياتُه بأغلال القوافي المخنوقة ، وفقد الديوان كثيرا من قيمه الفنية على ما فيه من شرف الموضوع ونبل المقصد .
وقد نظم الدكتور/عنتر حربي قصيدته المطولة وفق منهج صارم أخذ به نفسه ، حيث تدرج مع الأنبياء والرسل بادئا بآدم منتهيا بمحمد عليهما الصلاة والسلام .
وقد التزم بالتدرج هجائيا من الهمزة إلى الياء محددا لكل نبي حرفا أو أكثر من حروف الهجاء ليكون رويا .
والديوان ـ على صغر حجمه ـ لا يزال بحاجة إلى قراءات متأنية للوقوف على ما فيه من جماليات ، فتحية إلى الصديق الشاعر المبدع الدكتور/عنتر حربي على هذا الجهد الكبير ، وإلى مزيد من التألق والإبداع .


الشاعر الدكتور/عزت سراج

أستاذ الأدب والنقد المساعد

كلية التربية ـ جامعة الملك خالد

طنطا ـ محلة مرحوم

27/4/2010م

صفاء عطاالله
04-30-2010, 09:58 PM
كلمات رائعة وعبارات معبرة أصدق تعبيرعما بداخل الديوان
سلمت أناملك أيها المبدع المتألق دائما
لك مني وافر الشكر والتقدير
تقبل مروري

د.شيماء عطاالله
05-01-2010, 06:52 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الشكر الجزيل للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج
لمشاركاته التي أثرت المنتدى

ونتطلع إلى المزيد من الموضوعات التي نستمتع بمتابعتها

خالص تحياتي

كان اسمه حبيبي
05-02-2010, 10:46 PM
كلماتك الرقيقة الحنونة هي ليست مقدمة لديوان بل هي ديوان بأكمله ، كلماتك حملتني على قارب الحلم وادخلتني ممالك المستحيل حيث تجلس مريم العذراء لتصلي في خشوع ، ويجلس يوسف تحت ظلال أشجارها ،وصوت ترنيمة داود يملأا المكان ، لك جزيل الشكر وفي انتظار المزيد