المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجوانب الاقتصادية لتقنيات الهندسة الوراثية وجهود المملكة العربية السعودية



dr.mohamedlutfi
03-04-2010, 04:57 AM
الجوانب الاقتصادية لتقنيات الهندسة الوراثية
وجهود المملكة العربية السعودية





لقد شهدت حضارة الإنسان وتطوره التقني في العصر الحديث قفزات وطفرات وثورات علمية أحدثت تغييراً جوهرياً في الحياة البشرية. فالأحداث العلمية في مجال الهندسة الوراثية تتوالى بسرعة مذهلة.وهي أحد التخصصات الحديثة لعلم الوراثة والتي تعنى بنقل جزء من الـ dnaالحامل لمورثة أو أكثر من كائن إلى آخر، وذلك من أجل البحث العلمي البحت ، أو علاج بعض الأمراض ، أو تحسين خصائص الكائن من أجل زيادة إنتاجه أو رفع نوعيته وفق طبيعة استخدامه خاصة فى المجال الاقتصادي.أما عن مبررات استخدام الهندسة الوراثية فمنها ضرورة فهم الشفرات الوراثية ، وتفشي الأمراض المستعصية ، وكذلك الكثافة السكانية المتزايدة و عدم كفاية الموارد الحالية لسد حاجيات الإنسان سواء فى المنتجات الزراعية أو الحيوانية أو لإنتاج المواد المختلفة للاستخدام الصناعي أو الغذائي أو الصيدلاني.
وقد تتابعت التجارب و الأبحاث و في سنة 1994 تم إنتاج أول نبات محور وراثياً وعـــرضه في السوق ( أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية ) ، وقد تمثل في ثمار طماطم (بندورة) يمكنها أن تبقى قاسية عدة أسابيع بعد قطفها وذلك لأهداف تسويقية ، بعد ذلك توجهت الأبحاث بشكل مواز في أوربا و في نفس السنة لمقاومة الأعشاب الضارة.
و فى مجال الرعاية الصحية وخلال المدة القصيرة المنصرمة على بداية الإنتاج للأدوية بالتقنيات الحيوية تم إنتاج أكثر من 117 دواء ولقاح استفاد منه أكثر من 250 مليون إنسان من مختلف شعوب العالم ؛ ما يعادل 75% من هذه الأدوية تم إقراره من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية fda في السبعة أعوام الماضية. كما أن هناك ما يقارب 350 دواء ولقاح جديد في مرحلة الاختبار السريري تمهيداً لإقراره. ويتوقع أن تساهم هذه الأدوية الجديدة في علاج 200 مرض. كما تساهم التقنيات الحيوية في إجراء مئات الفحوص الطبية وتشخيص الأمراض بطريقة سريعة ودقيقة تحمي المجتمعات من تبعاتها المعدية والخطيرة كالإيدز.

وعند الحديث عن الآثار الإقتصادية لابد من الإشارة إلى أن أي اكتشاف بذاته قد لا يكون له أثره الاقتصادي الكبير بشكل مباشر وسريع ؛ ولكن عندما تتحقق تطبيقاته العملية بشكل تجاري يكون له أثره. فاكتشاف آلة البخار وتقنية المعلومات والكهرباء جميعها أخذت انعكاساتها الإقتصادية سنوات عديدة حتى كان لها الأثر الاقتصادي على بريطانيا وغيرها من الدول المستفيدة بشكل مباشر.
والتقنيات الحيوية مرت بعدة مراحل اقتصادياً ؛ الأسبق والأسرع كانت في مجال إنتاج الدواء، والذي لاقى قبولاً واسعاً لدى العامة للحاجة الشديدة له وكان له الأثر الاقتصادي الواضح. في المجال الزراعي طرح في الأسواق عدد من المنتجات الزراعية المحورة وراثياً بالتقنية الحيوية وهي بين القبول والرفض على المستوى العالمي مما قلل من أثرها الاقتصادي وإن كان لها رواجها في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أنها أكبر منتج للأغذية المحورة وراثيا،ً ولعدم تفريق وكالة الغذاء والدواء الأمريكية fda بين المحور وغير المحور وراثياً.
كما تعتبر الهندسة الوراثية من أكثر الصناعات المربحة فى القرن الحالي ولقرون قادمة ؛ حيث يقدر ما يباع من البذور المهندسة وراثياً ما يوازى 6 مليارات دولار ، ويتوقع أن تصل المنتجات المعدلة وراثياً إلى 100 مليار دولار.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مصدر للأغذية المعالجة وراثياً فى العالم ، والتي يطـلق علــــيها " الفرانكشتين " فى مختلف أجهزة الإعلام العالمية نسبة إلى رواية مارى شيللى " فرانكشتين " الوحش الكاسر الذى تخيله الكاتب بطل الرواية والذى تسبب فى تدمير حياة صاحبه.حيث تقترب مساحة الأراضي المزروعة بالأغذية المعالجة وراثياً فى العالم من نحو 30 مليون هكتار ، 75 % من هذه المساحة – التى توازى مساحة بريطانيا – توجد بالولايات المتحدة الأمريكية ، ونحو 1% فى أوربا ، وبتفاصيل أكثر فإن 13% منها توجد فى الأرجتين ، و 12% فى كندا ، و1% فى استراليا ، وأقل من 1% فى المكسيك ، ويزرع الفلاح الأمريكي 560 ألف فدان ذرة مهندسة وراثياً ، ويمثل فول الصويا المهندس وراثياً 15% من محصول فول الصويا الأمريكي ، وربع محصول القطن الأمريكي تم إنتاجه بالهندسة الوراثية.
وتعتبر شركة " مونسانتو " الأمريكية – التى يقرب رأسمالها من (8) بلايين دولار – من أكبر شركات الأغذية الجينية فى العالم ، كما أنه حتى عام 1995 كانت هناك 32 دولة تقوم بإجراء تجارب على محاصيل مهندسة وراثياً مثل القطن والذرة والبطاطس والصويا والشلجم والأرز.
-ومن الناحية العملية فإن هناك ما لا يقل عن 20 ألف سلعة غذائية فى الأسواق الأوربية يدخل فى إنتاجها مواد معالجة وراثياً.
-ولا تزال أوربا متخلفة تجارياً عن أمريكا فى مجال الهندسة الوراثية ، حيث أن المبيعات الأوربية منها لا تتجاوز 2.2 مليار ، بينما المبيعات الأمريكية تبلغ 7.7 مليار عن ذات الفترة.
وحتى لا يستهان بالموضوع يجدر الإشارة إلى أن مبيعات شركة من منتج واحد بالتقنية الحيوية (الإنترفيرون) يبلغ 700 مليون دولار بالسنة.
كما أن الصناعات القائمة على تقنيات الهندسة الوراثية تنمو بشكل سريع منذ عقدين من الزمن وبخاصة في العقد الأخير؛ وقد تضاعفت قيمة منتجاتها بين عامي 1993 و1999 (من 8 إلى 20.2 بليون دولار أمريكي) وهناك اهتمام كبير يوجه نحو هذه الصناعات سواء في مجال الدواء والزراعة أو المنتجات البيئية خاصة التي في خطوط الإنتاج حالياً. هذه المنتجات يتوقع أن يكون لها الأثر القوي على المجتمعات من خلال تحسين نوعية الرعاية الصحية، والغذائية ، والبيئية وبالتالي لها التأثير الكبير على الاقتصاد العالمي. نأخذ هنا مثالاً أثرها على اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1999م.
وقد تم توظيف 437400 موظف منها 150800 استحدثت من قبل شركات التقنيات الحيوية مباشرة بينما الباقي 286600 لشركات مساندة وداعمة بالمواد والخدمات.
وبلغ صافي العائدات الإضافية 47 بليون دولار ، أخذاً بالاعتبار أن ليس جميع الشركات بدأت في جني الأرباح. حصة شركات التقنية الحيوية عشرين بليون بينما الباقي للشركات المساندة.
كما تم إنفاق 11 بليون في البحث والتطوير بشكل مباشر من قبل شركات القائمة على التقنيات الحيوية؛ ولم يشمل ما تنفقه المراكز البحثية والجامعات ، وبلغ عائد الضرائب الحكومية 10بليون دولار.
وجدير بالذكر أن مبيعات تقنية الهندسة الوراثية عام 1993 كان 5.9 بليون قفز إلى 16.1 بليون دولار عام 2000 بإجمالي عائد 22.3 مقارنة ب8.1 بليون دولار عام 1993. كما أن العائد الاقتصادي يمكن أن يقاس بعدد براءات الاختراع الممنوحة للشركات فمن 2500 براءة اختراع عام 1990 إلى عشرة آلاف براءة عام 1998 علماً أن الشركات الكبرى تسعى إلى عدم التقدم إلى الحصول على براءات اختراع سعياً إلى السرية القصوى في منتجاتهم وحتى تفوت الفرصة على الآخرين لتطوير التقنية وامتلاكها. هذا التسابق المحموم بين الشركات رفع عدد الأدوية المنتجة بالتقنية الحيوية من ما معدله 4.5 دواء خلال الأعوام 1984-1994 إلى 32 دواء في عام 2000 فقط في الولايات المتحدة الأمريكية.
كذلك كان للهندسة الوراثية دور مهم فى مجال فى الأسماك ، حيث يتم حفظ الموارد الوراثية السمكية ، وعمليات التحوير الجينى للأسماك ، وكذلك تشخيص الأمراض التى تصيب الأسماك / كما دفعت الآثار الاقتصادية التي تجنيها الشركات الكبرى من التقنيات الحيوية إلى نوع من التنافس على المستوى المحلي والدولي حول تسويق المنتجات.
أما عن دور تقنية الهندسة الوراثية فى الوطن العربى فقد تم تسجيل أكثر من 1000 مستحضر جديد ومنتجات طبيعية واكتشافات أخرى ترتبط بعلم الجينات الجزيئية لتربية الأسماك والحيوانات الصدفية والقشريات والطحالب البحرية.
وعلى الرغم من أن العالم العربي عامة ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خاصة محاطة بالبحار مثل البحر الأحمر والبحر المتوسط العربي وبالتالي فالآمة العربية تملك أكبر حياة بحرية في العالم تقريبا ، إلا أن بحوث التقنية الحيوية البحرية لم تحظى بالاهتمام الكافي، على الرغم من أنها من التكنولوجيات الواعدة في مجال زراعة الطحالب والأسماك ، كما يمكن بتطبيق هذه التقنيات تحويل الخليج العربي والبحر الأحمر إلى مصدر هام للغذاء و الكيماويات عالية القيمة والأدوية.
وقد شهدت الفترة الأخيرة العديد من الإنجازات العربية من أجل إقامة دعائم صناعة التقنية الحيوية ، منها على سبيل المثال المركز العربي للدراسات الجينية بالإمارات ،معهد بحوث الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية بمدينة مبارك للأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية بمصر ، والبنك القومي للجينات بمصر ، كما تم إنشاء المركز إقليمي للهندسة الوراثية والتقانة الحيوية للنبات بقطر.
أما فى المملكة العربية السعودية فتعتبر مدينةالتقنية الحيوية بالسعودية أول مدينة للتقنية الحيوية في منطقةالشرقالأوسط وسوف يكون مقرها في جامعة الملك عبد العزيز بجده وتبلغ مساحتها مليون متر مربع يتم تطويرالبنيةالتحتية فيها لتكون مدينة تقنية ذات بنية تحتيةفائقةذات مواصفات تقنية عالية وخدمات مساندة متكاملة لخدمة قطاع التقنية لحيوية فيوعاءعلمي اقتصادي متناغم يكون أكبر صرح علمي تقني في منطقة الشرق الأوسط.
كما أن التوجهات الحالية للمملكة تؤكد على الانفتاح والتنوع التجاري وكذلك البحث عن موارد جديدة تعزز الاقتصاد الوطني. كثير من كبار المستثمرين السعوديين لهم استثماراتهم الخارجية في مجالات التقنية الحيوية كما أن شركة الراجحي المصرفية للاستثمار قد بادرت بطرح صندوق استثمار في التقنية الحيوية. فقد ثبت بالتجربة أن المستثمر السعودي لديه الرغبة في الاستثمار في هذا المجال محلياً.
أضف إلى ذلك أن المملكة العربية السعودية بما حباها الله من إمكانات تسعى كغيرها من الدول إلى تبني التقانات التي من شأنها تطوير تلك الإمكانات. وهذا الاهتمام يأتي من أعلى مستوى ، حيث بدأ الاهتمام بمجال التقانات الحيوية قبل عقدين وذلك على مستوى الأبحاث، كما شكلت لجنة لدراسة وتفعيل الاستفادة من هذه التقانات ، وهناك اهتمام واضح للاستفادة من التقانات الحيوية في مجالات الصحة ، والزراعة ، والصناعة على المستويين البحثي والتطبيقي.
فعلى المستوى البحثي توجه الجهات المعنية بدعم وتمويل البحث العلمي، مثل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وبعض الوزارات والجامعات وبعض مؤسسات القطاع الخاص نسبة من الدعم المخصص للبحوث العلمية في مجال التقانات الحيوية.
وفي مجال التشريعات المتعلقة بالتقنيات الحيوية يوجد في المملكة العربية السعودية عدد من اللجان ذات العلاقة مثل اللجنة الوطنية للأخلاقيات الحيوية والطبية ، اللجنة الوطنية للتقنية الحيوية والهندسة الوراثية ، اللجنة الوطنية للتنوع الإحيائي ، واللجنة الوطنية للسلامة الإحيائية.
كما أنه على الجانب الاقتصادي سعت بعض الشركات الوطنية إلى دخول مجال التقنيات الحيوية من خلال الاستثمار في تطبيقاتها الممكنة ومن ذلك دلة للتقنية الحيوية ، مشروع صقر ، وشركة جدة للتقنية الحيوية.
بنظرة سريعة إلى مجالات تطبيق التقانات الحيوية وتفعيل الاستفادة منها نجد أن الحاجة ملحة إلى تبني برنامج واضح وواعد لاستخدام تقنية المستقبل ، ولإجراء ذلك يجب علينا في الدول العربية معرفة وضعنا من تلك التقنيات وتحديد إمكاناتنا المادية والبشرية والتنسيق في ما بيننا للتعاون في التغلب على الصعوبات التي تقف حجر عثرة دون استفادتنا من تلك التقنيات.
أخيراً يمكن القول أن الاستفادة من التقانات الحيوية قد يقف أمامها بعض العوائق من أبرزها التكلفة العالية نسبياً لتأسيس للمختبرات والتجهيزات مع الحاجة إلى قضاء وقت ليس بالقصير للوصول إلى مرحلة جني الأرباح. كما أن القيود التي تفرض من الدول مالكة التقنية أمام الدول النامية (لأسباب اقتصادية وسياسية) يؤخر انتقال التقنية إلى الدول النامية. عدم تدريس المواد الأساسية للتقنية الحيوية في المدارس الثانوية والجامعات أحد أهم العوائق وهذا بدوره يؤدي إلى عدم كفاية الكوادر العلمية والفنية المؤهلة. عدم توافر الدراسات الكافية عن الموارد المتاحة وضعف عنصر المخاطرة لدى المستثمر يعيق استثمار التقنيات الحيوية. وأخيراً عدم الإدراك الشعبي والرسمي (الوعي الاقتصادي) يقف أحياناً حائلاً أمام التقنية.
مما سبق نجد أن الفرصة للاستثمار في التقنيات الحيوية كرافد للاقتصاد السعودي كبيرة جداً وتحتاج إلى دراسات متعمقة تأخذ بالاعتبار خصوصية المنطقة، والجدوى الاقتصادية، والموارد المتاحة البشرية والطبيعية وغيرها.