المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحرية الدينية وقبول الاخر



أم خطاب
12-13-2009, 10:03 PM
الحرية الدينية وقبول الاخر

د. تيسير الفتياني

2/14/2008

لم يعرف المجتمع الإنساني وعلى مر العصور السلام بسبب الاختلاف في الدين، وهذا يرجع إلى ما يبقه زعماء الأديان في نفوس أتباعهم من تعاليم تزرع الحقد وعدم قبول الآخر أدت إلى استعمال أشد أنواع العنف والإكراه لحمل الآخر على الدخول في دينهم أو مذهبهم مما تسبب في قتل عشرات الآلاف وتكوين محاكم التفتيش وغيرها.
والمتبع لتاريخ البشرية بتحر وإنصاف يجد أن أول من أقر الحرية الدينية وقبول الآخر هو الإسلام والذي استطاع أن ينزع الأحقاد الدينية من عقول وقلوب متبعيه فأعطى بذلك مثلا أعلى للتعايش وذلك بوضع القواعد الصحيحة والأسس المنطقية والتي منها إعلان أن الإنسانية هي الجامع المشترك الذي يستحق التكريم من غير اختصاص بلون أو جنس أو أمة قال تعالى: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" (الإسراء : 70) فلا شعب مختار بل الإنسانية كلها جديرة بالتكريم ومنها أن من سنة الله في خلقه اختلاف الناس في المعتقد.
قال تعالى: "ولَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (هود: 119?118).
وبناء عليه فلا ينبغي لأي مسلم أن يحقد أو يضطهد أحدا بسبب مخالفته له في الدين لأن هذا الاختلاف من سنة الله ولا يجوز أن يرغم أحدا على ترك دينه واعتناق الإسلام، ووضع شعارا لذلك قابلا للتطبيق وهو قوله تعالى: "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ" (يونس : 99)
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد كان عليه الصلاة والسلام يحضر ولائم الآخر ويشيع جنائزهم ويعود مرضاهم ويزورهم ويكرمهم، ولما زاره وفد نصارى نجران، فرش لهم عباءته ودعاهم إلى الجلوس عليها، وكان عليه الصلاة والسلام يقترض من أهل الكتاب ويرهن درعه في دين عليه تعليما وإرشادا لامته، وقد سار الصحابة الكرام على هدى نبيهم فعاشروا الآخر بصفاء ووئام وجاوروهم وزاروهم وأهدوا إليهم واستمروا على ذلك في مختلف عصورهم مع أهل الأديان الأخرى السماوية والأرضية وكانوا يسمحون لأهل البلد الذي يفتحونه بالبقاء على دينهم مع احترام عقائدهم وشعائرهم ومعابدهم.
وخير مثال على ذلك سيدنا عمر رضي الله عنه عندما عقد صلحا مع أهل بيت المقدس أعطاهم فيه الأمان لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبريئها وأن لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار واحد منهم ولا يسكن معهم أحد من اليهود. وقد وصلت الحرية الدينية في الإسلام مبلغا في غاية الرقي? ففي بعض الأمور أباح لغير المسلمين ما لم يبحه للمسلمين مثل الخمر والخنزير وأمر بمجادلة الآخر بالعقل والمنطق والإقناع وإتباع الطريقة التي هي أحسن قال تعالى: " وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ" (العنكبوت 46) وأمر بالبر بهم والبر فوق العدل قال تعالى: " لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (الممتحنة : 8)
كل ما ذكر أعان على خلق جو من التسامح لم تعرفه أية امة من الأمم فللآخر حرية تامة في أن يدين بدينه ولكنه إن اسلم دون إكراه ثم ارتد عوقب بالقتل لأن الردة تؤدي إلى اضطراب المجتمع بإغراء البسطاء بالاقتداء بالمرتد خاصة حين يظفر بحماية من جهة معينة? مما يجعل أهل الأهواء يعبثون بالأديان فيدخل في الإسلام لغاية ثم يخرج منه لغاية وبذلك يكون لعبا بالدين وتضليلا للمتدينين.

منقول

أم خطـــasـاب