المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حالة الطوارئ فى القانون الدولى



أم خطاب
11-17-2009, 09:49 PM
حالة الطوارئ فى القانون الدولى


gmt 19:30:00 2004 الجمعة 12 نوفمبر



كمال سيد قادر




حالة الطوارئ هى حالة تظطر السلطات الشرعية داخل الدولة على فرضها حسب القانون لمواجهة اوضاع استثنائية تعرض الشعب لخطر جسيم بسبب حروب داخلية او خارجية او حتى كوارث طبيعية بحيث تعجز الادارة المدنية معالجتها لوحدها لذا يتم منح الاجهزة الامنية و العسكرية للدولة صلاحيات اضافية لفترة مؤقتة يحددها القانون و لمناطق معينة حسب الظرورة لمعالجة الوضع الاستثنائى. هذه الصلاحيات الاضافية تؤدى فى اكثر الاحوال الى تقيد الحقوق و الحريات المضمونة للمواطنين فى الدستور و مواثيق حقوق الانسان فيما يتعلق مثلا باصول المحاكمات الجزائية و حرية التعبير و الراى وحرية التنقل و الخ.
دول عديدة اظطرت فى تاريخها و تظطر لفرض حالة الطوارئ منها ديمقراطيات عريقة ككندا حيث اعلنت فيها حالة الطوارئ لحد الان ثلاث مرات، مرتين خلال الحربين العالميتين و مرة ثالثة سنة 1970 فى اقليم كويبيك بسبب اعمال عنف عرقية. و بريطانيا فرضت حالة الطوارئ بصورة مستمرة فى ايرلندا الشمالية من 1921 الى بداية تسعينات القرن الماضى حيث انشات محاكم خاصة لمحاكمة المتورطين فى اعمال العنف. و حتى الولايات المتحدة الامريكية اعلنتها عدة مرات منها بين سنوات 1861-1865 خلال الحرب الاهلية و اخر مرة بعد العمليات الارهابية فى ايلول 2001.

اذ كانت الدول الديمقراطية تلجا الى فرض حالة الطوارئ لحماية مواطنيها فان دول اخرى دكتاتورية و شبه ديمقراطية تستعملها كادات قمع ضد شعوبها او شعوب اراض تحتلها لتبرير ارهاب الدولة كما كان الحال فى الفلبين من 1972-1981 و تايوان من 1948-1991 و تستعملها الهند منذ سنة 1990 لقمع الشعب الكشميرى الخاضع للاحتلال الهندى و سلطات الاحتلال الاسرائيلية تستعملها كذريعة لتبرير ارهاب الدولة ضد الشعب الفلسطينى فى الاراضى الفلسطينية المحتلة حيث يتم احتجاز الاف الفلسطينين بدون محاكم و كحجز ادارى.
الاسس القانونية لحالة الطوارئ فى القانون الدولى:
القانون الدولى ينظم عادة و بصورة رئيسية العلاقات بين الدول و لكنه يحمى ايضا حقوق الانسان فى زمن السلم و الحرب خلال مواثيق دولية و لجان خاصة لهذا الغرض.
بما ان حالات الطوارئ تمس ايضا حقوق الانسان لذا قام القانون الدولى بوضع قواعد معينة لتنظيم هذا الحقل. القانون الدولى لحقوق الانسان يسمح بفرض حالة الطوارئ فى دولة ما او منطقة ما داخل هذه الدولة و من طرف واحد و يمكن ان تشمل تعليق بعض بنود الحقوق الانسان ولكن بصورة مؤقتة و تحت مراقبة دولية و داخلية. فيشترط القانون الدولى حصرا بان فرض حالة الطوارئ يقتصر على الحالات التى تهدد حياة الشعب و حقوقه لكن بعد اعلان رسمى و حسب قوانين الدولة بهذا الصدد.
اكثر اتفاقيات حقوق الانسان الدولية و الاقليمية تحتوى على فقرات تسمح لاعضائها بفرض حالة الطوارئ فى ظروف معينة و منها المادة الرابعة للعهد الدولى للحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966، و المادة الخامسة عشرة للاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان، و المادة السابعة و العشرون من الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان. هذه الاتفاقيات لا تضمن فقط حق الدول فى تعليق بعض بنودها فى حالات الطوارئ بل تضع ايضا شروطا لممارسة هذا الحق من قبل دول الاعضاء.
المادة الرابعة للعهد الدولى للحقوق المدنية و السياسية لها اهمية قصوى بالنسبة للحالة العراقية لان العراق هو عضو فى هذه الاتفاقية. جاء فى المادة الرابعة (1):. في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الامة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الاطراف في هذا العهد ان تتخذ، في اضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الاخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق او اللون او الجنس او اللغة او الدين او الاصل الاجتماعي.
و لكنها تضع قيود صارمة على ممارسة هذا الحق من قبل دول الاعضاء كما جاء فى نفس المادة اعلاها فى فقرة (2): لا يجيز هذا النص اي مخالفة لاحكام المواد 6 و 7 و 8 (الفقرتين 1 و 2) و 11 و 15 و 16 و 18.
هذه المواد تتعلق بحق الحياة، منع التعذيب، منع الرق و العبودية، منع السجن لعدم الوفاء بالتزام تعاقدى، حظر الاثر الرجعى للتشريعات الجنائية، حق كل انسان فى كل مكان فى ان يعترف له بالشخصية القانونية، و حرية الفكر و الوجدان و الدين. و لكن هذه الشروط هى ليست شروط عامة و تتعلق فقط بهذه الاتفاقية و لذلك اعلان حالة الطوارئ تخضع للشروط الاضافية التالية حسب القانون الدولى كما جاء ايضا فى تفسير لجنة حقوق الانسان للمادة الرابعة اعلاها:
1. اعلان حالة الطوارئ يجب ان يتم حسب القانون و تبيان فترة و نطاق سريانها. اعلان حالة الطوارئ من قبل الحكومة العراقية فى 7.11.2004 تلبى كل هذه الشروط اذ تم الاعلان حسب قانون الدفاع عن السلامة الوطنية العراقى الصادر فى 6.7.2004 و حدد الفترة الزمنية ب 60 يوما و كذلك حدد نطاق سريانه بعموم العراق باستثناء اقليم كوردوستان.
2. حالة الطوارئ يجب ان تكون حالة مؤقتة ولا تدوم لفترة اكثر من اللازم للسيطرة على الوضع الاستثنائى. المادة الثانية من قانون السلامة العراقية تجاوبت مع هذا الشرط اذ جاء: تعلن حالة الطوارئ بامر يتضمن بيان الحالة التي اعلنت حالة الطوارئ بسببها، وتحديد المنطقة التي تشملها، وتحديد بدء سريان حالة الطوارئ ومدتها، على ان لا تمتد حالة الطوارئ اكثر من 60 ستين يوما او تنتهي بعد زوال الخطر او الظرف الذي استدعى قيامها او ايهما اقل. ويجوز تمديد حالة الطوارئ بصورة دورية كل ثلاثين يوما ببيان تحريري من رئيس الوزراء وهيئة الرئاسة اذا استدعت الضرورة ذلك، وينتهي العمل به تلقائيا اذا لم تمدد تحريريا في نهاية اية فترة تمديد
3. . ان يتضمن الاعلان الاسباب الموجبة لاعلان حالة الطوارئ. لقد قامت الحكومة العراقية بالوفاء بهذا الشرط حيث اعلنت فور اعلانها لحالة الطوارئ بالاعلان عن الاسباب الموجبة فى وسائل الاعلام و جاء من بين هذه الاسباب: "انطلاقا من التزام الحكومة المؤقتة بحماية حق المواطنين فى الحياة الحرة الكريمة و ضمان حقوقه السياسية و المدنية و التزامها بتهيئة الاجواء الامنية المناسبة لاجرء الانتخابات الحرة و الديمقراطية و كما يمليها قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية و تدعيما لسيادة دولة القانون و لاستقلالية القضاء و فاعليته بالاضافة الى الحد من التعسف فى استخدام القوة فى الظروف الاستثنائية".
4. يجب ان تتناسب الوسائل المستخدمة و الصلاحيات المخولة فى حالة اعلان حالة الطوارئ مع الوضع السائد و عدم الافراط فى استخدام القوة و الصلاحيات. هنا قام قانون السلامة العراقى بالتجاوب مع هذا الشرط فى المادة الثالثة فقرة (8) اذ جاء: اتخاذ قرارات واجراءات عسكرية وامنية سريعة تكون محدودة ومناسبة في المناطق التي اعلنت فيها حالة الطوارىء بالتنسيق مع وزيري الدفاع والداخلية او اي وزير اخر ومستشار الامن الوطني او اي جهة ذات اختصاص.
5. التقيد بمبدا المحكمة العادلة. هنا لا يجوز تمثيل المتهم و الحكم عليه الا امام محاكم محايدة و مستقلة و مختصة انشات حسب القانون. و لايجوز حجز الافراد تحت غطاء الحجز الادارى. المادة السابعة و المادة الرابعة من من قانون السلامة الوطنية العراقى تتجاوب مع هذا الشرط: المادة-4- تعرض القرارات والاوامر الصادرة بتوقيف او حجز الاشخاص والاموال التي تتخذ بموجب احكام هذا القانون على قاضي التحقيق على ان يمثل المتهم امام قاضي التحقيق خلال 24 ساعة من اتخاذها.
المادة -7- اولا -تتولى المحكمة الجنائية المركزية في العراق النظر في الجرائم الكبرى المرتكبة خلال مدة سريان حالةالطوارىء التي يحيل قضاياها القاضي المختص كجرائم القتل والتسليب والاغتصاب والخطف والتخريب او التفجير او احراق او اتلاف الاموال العامة والخاصة وحيازة الاسلحة الحربية وعتادها او صنعها او نقلها او تهريبها او المتاجرة بها. ثانيا- تختص المحاكم الجزائية بالنظر في الجرائم الاخرى غير الواردة في الفقرة اعلاه او مايحيله عليها القاضي المختص ضمن اختصاصه المكاني. ثالثا- يتولى قضاة التحقيق كلا حسب منطقته واختصاصه المكاني والنوعي، التحقيق فورا في الجرائم المذكورة في اعلاه، ولرئيس مجلس القضاة او رئيس المحكمة الاتحادية، بعد تشكيلها، ان ينتدب بعض القضاة والمحققين للتحقيق بدلا عن قضاة التحقيق في المنطقة المختصة او للتحقيق بمعيتهم في جريمة او نوع معين من الجرائم، اذا كان ذلك ضروريا. رابعا -ترسي احكام قانون العقوبات وقانون اصول المحاكمات الجزائية على الجرائم المشار اليها في الفقرتين اولا وثانيا في هذه المادة.
6. حالة الطوارئ و ممارسات الدولة التى تعلنها يجب ان تخضع للمراقبة الدولية و الداخلية. المراقبة الدولية حسب العهد الدولى للحقوق المدنية و السياسية فى مادتى 40 و 41 تنقسم الى نوعين: 1- المراقبة خلال لجنة حقوق الانسان( مادة 40 ) حيث على دول الاعضاء ارسال تقارير دورية الى لجنة حقوق الانسان حول مدى وفاء الدولة العضوة بالعهد و حتى فى حالات فرض حالة الطوارئ و 2- و المراقبة من خلال الدول الاعضاء للعهد (مادة41) حيث يحق لكل دولة عضوة فى العهد تقديم شكوى الى لجنة حقوق الانسان ضد دولة اخرى عضوة بسبب انتهاكها لبنود العهد. هذا ما عدا المراقبة الدولية فى اطار القانون الدولى العام و معاهدات اخرى لحقوق الانسان و القانون الدولى الانسانى.بما ان العراق هو عضو فى العهد الدولى للحقوق المدنية و السياسية فان المراقبة الدولية تشمله ايضا. والمراقبة الداخلية تنقسم ايضا الى نوعين و هما المراقبة السياسية و القانونية. المراقبة السياسية تتم فى الحالة العراقية من خلال مجلس الرئاسة و المجلس الوطنى المؤقت و حسب المادة التاسعة فقرة (1) من قانون السلامة العراقى اذ جاء: اولا-تصادق هيئة الرئاسة بالاجماع على القرارات والاجراءات الاستثنائية وللجمعية الوطنية الاستشارية الموقتة الحق في مراقبة تنفيذ هذه الاجراءات. و المراقبة القضائية على الاجراءات المتعلقة بحالة الطوارئ فى العراق تتم حسب الفقرة الثانية من المادة اعلاها من خلال محكمة التميز و المحكمة الاتحادية العليا: ثانيا- تخضع قرارات واجراءات رئيس الوزراء لرقابة محكمة التمييز، ومحكمتي التمييز في كردستان فيما يتعلق باجراءات الطوارىء في نطاق مناطقها وانتهاء بالمحكمة الاتحادية العليا وللمحاكم المذكورة تقرير الغاء تلك القرارات والاجراءات وتقرير بطلانها وعدم مشروعيتها او اقرارها مع مراعاة الظروف الاستثنائية التي صدرت في ظلها تلك القرارات والاجراءات.
7. يجب اعلام الدول الاعضاء الاخرى للعهد باعلان حالة الطوارئ من خلال السكرتير العام للامم المتحدة لكى يتسنى لها القيام بمهام مراقبة الوضع فى الدولة المعنية و حسب المادة 41 من العهد الدولى.
8. حسب المادة الخامسة (2) من العهد الدولى للحقوق المدنية و السياسية فان اعلان حالة الطوارئ حسب المادة الرابعة للعهد لا يجوز ان يستعمل كذريعة لخرق الالتزامات الدولية الاخرى للدولة المعنية اذ يجب على هذه الدولة التقيد الكامل بالتزاماتها الناشئة من اتفاقيات دولية و اقليمية اخرى كاتفاقيات جنيف و معاهدة منع التعذيب و حماية حقوق الطفل و الاقليات هذه الاتفاقيات هى سارية المفعول حتى فى حالات الحرب.
9. حالة الطوارئ المعلنة لا تبرر باى حال من الاحوال اعمال الخطف و اخذ الرهائن و الاختفاء القسرى او التحريض على الكراهية و العنصرية و الطائفية.
10. لكافة المعتقلين حسب قانون حالة الطوارئ التمتع بكامل حقوقهم فى معاملة انسانية و بكرامة و لا يسمح بتهجير السكان من مناطق سكناهم الا فى حالات التى يسمح بها القانون الدولى للحفاظ على حياتهم و سلامتهم.
11. حالة الطوارئ لا تلغى المسؤولية الجنائية من اى شخص يرتكب جرائم ضد الانسانية كالتعذيب والعقاب الجماعى و القصف العشوائى و حسب المواد 6-7 من النظام الداخلى للمحكمة الجنائية الدولية.
12. لا يسمح باستغلال ظروف حالة الطوارئ للترويج للحرب او الكراهية الدينية و الطائفية و ذلك حسب المادة 20 من العهد الدولة اذ جاء:. تحظر بالقانون اية دعاية للحرب.
2. تحظر بالقانون اية دعوة الى الكراهية القومية او العنصرية او الدينية تشكل تحريضا على التمييز او العداوة او العنف. و بما ان العراق يعتبر من الدول المتعددة القوميات و الاديان والطوائف فان لهذه المادة اهمية خاصة و لذا قام قانون السلامة العراقى بمراعات هذه النقطة اذ اشترطت المادة الاولى لهذا القانون بان: لرئيس الوزراء، بعد موافقة هيئة الرئاسة بالاجماع، اعلان حالة الطوارئ في اية منطقة من العراق، عند تعرض الشعب العراقي لخطر حال جسيم يهدد الافراد في حياتهم، وناشئ من حملة مستمرة للعنف، من اي عدد من الاشخاص لمنع تشكيل حكومة واسعة التمثيل في العراق او تعطيل المشاركة السياسية السلمية لكل العراقيين او اي غرض اخر. مجلس الرئاسة كما نعلم يضم الجماعات الرئيسية الثلاثة فى العراق و لهذا لا يمكن اعلان حالة الطوارئ على اساس عرقى او طائفى و الا فانه يخضع لحق النقض من قبل احد الاعضاء او اكثر لان المجلس يقرر بالاجماع. و حتى اذا نظرنا الى النطاق الجغرافى لحالة الطوارئ المعلنة فى العراق فنرى بانها تشمل المناطق الوسطى و الجنوبية و على الاقل ثلث كوردوستان العراق فى مناطق كركوك و ديالى و الموصل و لهذا ليس لاعلان حالة الطوارئ فى العراق طابعا طائفيا او اقليميا و ليس موجها ضد طائفة معينة ممثلة فى المجلس الرئاسى من خلال رئيس الدولة العراقية الاتحادية.
بنود قانون الدفاع عن السلامة الوطنية العراقى و بيان اعلان حالة الطوارئ تتطابق مع بنود القانون الدولى فى هذا الحقل من الناحية النظرية و لكن النظرية شئ و التطبيق العملى شئ اخر لذا يجب مراقبة الوضع فى العراق عن قرب من قبل الجهات الدولية المعنية و الداخلية التى تشمل ايضا المواطنين انفسهم و منظمات المجتمع المدنى و وسائل الاعلام. حماية و صيانة حقوق الانسان هى من واجب الكل.
د.كمال سيد قادر
منقول