المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الْعَصَافِيرُ تُحَلِّقُ دَائِمًا فَوْقَ حُقُولِ الْقَمْحِ، للشاعر الكبير د/عزت سراج



وهبت عمري لك
11-10-2009, 12:04 PM
الْعَصَافِيرُ تُحَلِّقُ دَائِمًا فَوْقَ حُقُولِ الْقَمْحِ

ـــــــ

قصة قصيرة من مجموعة (أَمِيرَةٌ مِنْ كَفْرِ خَضْرٍ)

للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج

ـــــــــــــــــــــــ
لَمْ يَكُنْ يَظُنُّ أَنَّ الْعَصَافِيرَ الْمُحَلِّقَةَ بَعِيدًا
وَرَاءَ السَّرَابِ يُمْكِنُ أَنْ تَبْتَلِعَ حَبَّاتِ الْقَمْحِ
عَلَى هَذَا النَّحْوِ السَّرِيعِ ، وَتَعْلَقَ أَجْنِحَتُهَا
الرَّقِيقَةُ ، وَتَسْقُطُ فِي الْفِخَاخِ الْمَنْصُوبَةِ وَرَاءَ
أَشْجَارِ الْفَرَاوِلَةِ 0

عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ رَآهَا تَمُرُّ مُسْرِعَةً بِاتِّجَاهِ
الْمِينَاءِ الْقَدِيمِ بَحْثًا عَنْ رَصِيفٍ آمِنٍ
تَهْرَبُ إِلِيهِ مِنْ زِحَامِ السَّيَّارَاتِ الْمُتَسَارِعَةِ ،
وَأَكْتَافِ الْمَارَّةِ الْمُصَابِينَ بِنَوْبَاتِ سُعَارٍ
حَادَّةٍ 0

الْمَسَافَاتُ تَزْدَادُ بَيْنَهُمَا ، وَيَكَادُ يَفْقِدُ خُطُوَاتِهَا
كُلَّمَا عَبَرَتْ مِنْ رَصِيفٍ إِلَى رَصِيفٍ ،
وَازْدَادَ الزِّحَامُ 0

الْمَلامِحُ تَتَشَابَهُ عِنْدَمَا تَتَقَارَبُ الْوُجُوهُ ،
وَتَتَلاصَقُ الأَقْدَامُ ، لَكِنَّ مَلامِحَهَا تَأْبَى أَنْ تَفِرَّ مِنْ ذَاكِرَتِهِ الْمُتْعَبَةِ ، وَتَسْتَعْصِي عَلَى أَنْ تَذُوبَ بَيْنَ الْوُجُوهِ 000

فِي إِصْرَارٍ ـ يُسْرِعُ مُتَنَقِّلاً وَرَاءَهَا
مِنْ شَارِعٍ إِلَى شَارِعٍ ، وَمِنْ حَارَةٍ إِلَى
زُقَاقٍ 000

يُتَابِعُ عَيْنَيْهَا الْعَسَلَيَّتَيْنِ فِي حَذَرٍ أَنْ تَضِيعَ رَائِحَةُ الْوَرْدِ الْبَلَدِيِّ الَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى آثَارِ خُطُوَاتِهَا الْمُتَلاحِقَةِ 0

أَشَارَتْ بِيَدَيْهَا الرَّقِيقَتَيْنِ ـ فِي حَرَكَةٍ مُفَاجِئَةٍ ـ نَحْوَ السَّيَّارَةِ الَّتِي انْطَلَقَتْ مُسْرِعَةً تَشُقُّ الزِّحَامَ 0

هَرْوَلَ ـ فِي جُنُونٍ ـ مُحَاوِلاً اللِّحَاقَ بِهَا دُونَ جَدْوَى 0

000000

000000

000000

أَلْقَى بِجَسَدِهِ الثَّقِيلِ فَوْقَ الْمِقْعَدِ ،
مُتَابِعًا وُجُوهَ الْقَادِمِينَ ، لَعَلَّ وَجْهَهَا الْجَمِيلَ
يَطُلُّ مِنْ وَرَاءِ أَشْجَارِ الْبُرْتُقَالِ الْمُتَرَامِيَةِ أَمَامَ
عَيْنَيْهِ 0

تَمَاسَكَ بِحُلْمِ أَنْ يَرَاهَا ثَانِيَةً ، مُغَادِرًا إِلَى حَيِّ الْحُسَيْنِ 000

مُسْتَسْلِمًا لِمَشَاعِرِهِ النَّابِضَةِ بَيْنَ جَنْبَيْهِ ـ
يَبْتَسِمُ لِطَيْفِهَا الشَّقِيِّ فَوْقَ رَأْسِهِ ، كَشَجَرَةِ تُوتٍ
تَتَمَدَّدُ وَارِفَةً تَمْنَحُ ثِمَارَهَا الشَّهِيَّةَ لأَطْفَالِ
الْحَارَةِ 0

000000

000000

000000

عِشْرُونَ عَامًا مَضَتْ ، وَهُوَ يُعَاوِدُ الْجُلُوسَ
عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمِينَاءِ
الْقَدِيمِ ، مُتَرَقِّبًا وَجْهَهَا الْبَرِيءَ كِي يَبُوحَ بِسِرِّهِ الْحَزِينِ 0

عِشْرُونَ عَامًا مَضَتْ ، وَهُوَ مُمْسِكٌ بِبَقَايَا رُوحِهِ كَصَغِيرٍ يُطْلِقُ الْخَيْطَ عَلَى شَاطِئِ بَحْرٍ لِطَائِرَتِهِ الْمُرَفْرِفَةِ ، ثُمَّ يُمْسِكُ بِهِ كِي تَظَلَّ مُعَانِقَةً خُيُوطَ الشَّفَقِ الْحَمْرَاءَ عِنْدَ الْغُرُوبِ 0

000000

000000

000000

الطَّقْسُ حَارٌّ هَذَا الصَّبَاحَ ، وَهُوَ جَالِسٌ يُرَاقِبُ سِرْبَ يَمَامٍ مَرَّ فَوْقَ أَشْجَارِ الْبُرْتُقَالِ 000

فِي لَحْظَةٍ مُفَاجِئَةٍ ـ طَلَّتْ بِوَجْهِهَا مُتَخَطِّيَةً زِحَامَ الرَّصِيفِ إِلَى جَادَّةِ الطَّرِيقِ 000

لَمْ يُصَدِّقْ عَيْنَيْهِ 000

كَانَتْ مَلامِحُهَا أَكْثَرَ إِشْرَاقًا ، وَزَادَتْهَا السُّنُونَ الطَّوِيلَةُ بَهَاءً وَأُنُوثَةً كَحَبَّةِ تُفَّاحٍ طَابَتْ فَوْقَ فَرْعِهِا ، فَتَدَلَّتْ شَهِيَّةً لِلْقَاطِفِينَ 0

هَبَّ وَاقِفًا ـ فِي ارْتِبَاكٍ ـ كَشُعَاعِ نَجْمٍ فِي غَسَقِ الدُّجَى 0

أَوْقَفَهَا ـ فِي اسْتِمَاتَةٍ ـ مُصِرًّا عَلَى أَنْ يَبُوحَ لِلرِّيَاحِ بِأَسْرَارِهِ 0

ـ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمَجْنُونُ ؟

تَجَاهَلَ نَظَرَاتِهَا الْحَائِرَةَ ، وَأَدْهَشَهُ هَذَا الْبَرِيقُ
الَّذِي نَضَجَ بَيْنَ عَيْنَيْهَا كَسُبَاطَةِ بَلَحٍ زَاهِيَةٍ فَوْقَ
صَدْرِ نَخْلَةٍ 0

ـ مَاذَا تُرِيدُ يَا مَجْنُونُ ؟

ـ اهْدَئِي مِنْ فَضْلِكِ !

بَعْدَ مُحَاوَلاتٍ يَائِسَةٍ لِفَهْمِ جُنُونِهِ ـ الْتَقَيَا ـ
فِي رِفْقٍ ـ لا يَعْرِفَانِ مَا جَمَّعَ بَيْنَهُمَا ، وَوَحَّدَ الأَوْجَاعَ 000

تَهَادَتْ أُغْنِيَةٌ حَزِينَةٌ تَأْتِي كَالْبُرْكَانِ مِنْ أَعْمَاقِ الأَمْوَاجِ 000

كَأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا كَانَ عُمْرًا طَوِيلاً ـ انْطَلَقَا بَعِيدًا عَنْ زِحَامِ الْمَدِينَةِ 0

لَيْلاً إِلَى أَنْ تُشْرِقَ الشَّمْسُ ـ يَشُقَّانِ ـ فِي ارْتِيَاحٍ ـ الطَّرِيقَ إِلَى الْمِينَاءِ الْقَدِيمِ حَيْثُ تَعْبُرُ السَّفَائِنُ فِي حَنِينٍ دَائِمٍ لِلشُّطْآنِ 0

عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ ـ مَلأَتْ ضُلُوعَهُ رَائِحَةُ الْوَرْدِ الْبَلَدِيِّ 000

تَرَنَّحَتْ السَّفِينَةُ مُتْعَبَةً تَتَخَفَّى وَرَاءَ
أَوْجَاعِهِا 000

امْتَزَجَا فِي لَحَظَاتٍ مَجْنُونَةٍ 000

يُرَاقِبَانِ ـ فِي أَلَقٍ ـ الْقَارِبَ الْمَطَّاطِيَّ عَلَى مَهَلٍ يَرْسُو فِي الْمِينَاءِ بَعْدَ أَنْ أَزْبَدَ الْبَحْرُ ، وَهَدَأَتْ أَمْوَاجُ الشَّاطِئِ 0





ـــــــــــــــــــــــ

قصة قصيرة من مجموعة (أَمِيرَةٌ مِنْ كَفْرِ خَضْرٍ)

للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج

ياسمين
11-14-2009, 02:15 PM
قصة جميلة فيها تعبيرات جذابة ورائعة
جزاك الله خيرا
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

وهبت عمري لك
11-15-2009, 11:15 AM
شكرا للصديقة الكريمة / ياسمين ، على مروركم الرقيق ، مع خالص تحياتي .

جاسر
11-18-2009, 10:05 PM
قصة جميلة بما فيها كلمات وألفاظ وتعبيرات
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

وهبت عمري لك
11-19-2009, 11:46 AM
شكرا للصديق الكريم جاسر على لطفه الذي ليس له حدود ، ومروره الكريم ، آملين أن نحوذ دائما إعجابه ، مع خالص تحياتي وتقديري .

ايمان السيد
12-02-2009, 12:39 AM
كلمات جيدة
جزاك الله كل الخير