المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا يَزَالُ النَّخِيلُ يَحْكِي أَسْرَارَهُ لِلرِّيَاحِ ، للشاعر الكبير د/ عزت سراج



وهبت عمري لك
11-10-2009, 11:58 AM
لا يَزَالُ النَّخِيلُ يَحْكِي أَسْرَارَهُ لِلرِّيَاحِ

ـــــــ

قصة قصيرة من مجموعة (أَمِيرَةٌ مِنْ كَفْرِ خَضْرٍ)

للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج

ــــــــــــــــــــــ
رَغْمَ جَفَاءِ الْبِنْتِ الْمُفَاجِئِ ـ ظَلَّ الصَّبِيُّ
الَّذِي يَسْكُنُنِي حَامِلاً سَيْفَهُ الْخَشَبِيَّ ، مُحَارِبًا
طَوَاحِينَ الْهَوَاءِ ، مُهَرْوِلاً وَرَاءَ السَّرَابِ ،
يَخْتَبِئُ وَرَاءَ أَشْجَارِ الْكَافُورِ فِي انْتِظَارِ مُرُورِ
سِرْبِ الْيَمَامِ 0
يَرْسُمُ ـ فِي الْعَاشِرَةِ ـ يَمَامَةً تُغَادِرُ عُشَّهَا
وَلا تَعُودُ ، مُسْتَلْقِيَةً فَوْقَ ظِلِّ سَحَابَةٍ تُمَارِسُ
عِشْقَهَا لِلرِّيَاحِ ، تَنْقُرُ سَطْحَ بُحَيْرَةٍ ،
نَاظِرَةً إِلَى وَجْهِهَا فِي خُشُوعٍ ، مُتَّكِئَةً عَلَى
غُصْنٍ يَتَدَلَّى فَوْقَ الْمَاءِ ، تُهَذِّبُ رِيشَ
جَنَاحَيْهَا ، كَطَاوُوسٍ ، تُحَلِّقُ فَوْقَ حُقُولِ
الْجَوَافَةِ 0
تَطُلُّ شَمْسُ الْبَارُودِي بِعَيْنَيْنِ عَسَلِيَّتَيْنِ تَغْمِزَانِ خَلْفَ اللَّوْحَةِ ، بَاسِمَةً كَزَهْرَةِ لَوْزٍ ، تُخْفِي حُزْنًا كَسَحَابِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ 0
فِي أَقْصَى يَمِينِ اللَّوْحَةِ يَتَحَفَّزُ رَجُلٌ فِي الْخَمْسِينَ يَحْمِلُ هِرَاوَةً فِي انْتِظَارِ مُرُورِ طِفْلٍ خَطَفَ السَّمَكَةَ مِنْ سَلَّتِهِ 0
فِي أَقْصَى الْيَسَارِ تَتَخَايَلُ بِنْتٌ فِي الْعِشْرِينَ تَعْقِصُ شَعْرَهَا ، نَاصِبَةً فِخَاخَهَا فِي عُرْضِ الطَّرِيقِ مُقْسِمَةً أَنْ تَصْطَادَ الطِّفْلَ حِينَ يَمُرُّ 0
فِي وَسَطِ اللَّوْحَةِ يُقَرْفِصُ طِفْلٌ تَحْتَ ظِلالِ شَجَرَةِ كَافُورٍ ، مُخْتَبِئًا مِنْ لَسْعِ الشَّمْسِ فِي انْتِظَارِ مُرُورِ سِرْبِ الْيَمَامِ 0
اكْتَمَلَتْ أَجْزَاءُ اللَّوْحَةِ 000
يُخْفِيهَا فِي ذَاكِرَةٍ تَمْتَلِئُ كَمَيْدَانٍ فِي وَسَطِ
مَدِينَةٍ 000
يُفَتِّشُ حَارَاتِ الْقَرْيَةِ 000
يَبْحَثُ عَنْ وَجْهٍ تُشْبِهُهُ شَمْسُ الْبَارُودِي 000
مِنْ أُسْوَانَ إِلَى رَفَحَ ـ يَتَحَامَلُ مَشْدُوهًا وَرَاءَ عَيْنَيْهَا اللامِعَتَيْنِ 0
دَقَّ الأَبْوَابَ ، وَلَمْ يَيْأَسْ ، مِنْ أَقْصَى الشَّرْقِ إِلَى أَقْصَى الْغَرْبِ تَسْلُبُهُ رُوحَهُ 000
يَمْشِي مَأْخُوذًا تَحْتَ الأَمْطَارِ يَتَتَبَّعُ صَوْتَ
النَّدَّاهَةِ 0
عَلَى الأَرْصِفَةِ يُفَتِّشُ عَنْهَا ، وَفِي مَحَطَاتِ الْقِطَارِ ، وَوَرَاءَ مَوْجَةٍ تُغَادِرُ بَحْرَهَا ، وَفَوْقَ سَعَفِ النَّخِيلِ ، وَبَيْنَ عُيُونِ الصَّبَايَا ، لَعَلَّ وَجْهَهَا الْبَرِيءَ يَطُلُّ كَأَوَّلِ بَيْتٍ فِي قَصِيدَةٍ
هَارِبَةٍ 000
000000
000000
000000
يَسْتَسْلِمُ ـ فِي الْعِشْرِينَ ـ لِحُضْنِ امْرَأَةٍ
تُشْبِهُهَا 000
يَجْرِي مَذْعُورًا حِينَ يُخْرِجُ لَوْحَتَهُ مُقَارِنًا
بَيْنَهُمَا000
تَبْصُقُ عَلَى وَجْهِهِ 000
000000
000000
000000
فِي الثَّلاثِينَ يُدْرِكُ أَنَّ السَّرَابَ لا يَجِيءُ ،
وَأَنَّ الصَّحَارِيَ شَاسِعَةٌ لا يُدْرِكُهَا ، وَالرُّوحَ
تَغْرَقُ فِي الرِّمَالِ النَّاعِمَةِ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُقَاوِمَ
زَحْفَهَا ، وَالْمِيَاهَ شَحِيحَةٌ هَذَا الشِّتَاءَ ،
وَالأَمْوَاجَ لا تَبْلُغُ صُخُورَ الشَّاطِئِ
عِنْدَ الأَصِيلِ ، وَالنَّخِيلَ لَمْ يَعُدْ يَحْكِي أَسْرَارَهُ
لِلرِّيَاحِ 000
000000
000000
000000
الْبِنْتُ الَّتِي رَأَتْهُ مَغْمِيًّا عَلَيْهِ تَحْتَ
مِشْمِشَةٍ حَزِينَةٍ ـ كَسَرَتْ سَيْفَهُ الْخَشَبِيَّ ،
وَابْتَلَعَتْهُ فِي أَحْضَانِهَا كَحَقْلِ لَيْمُونٍ ـ فِي
مَوْسِمِ الْخَرِيفِ ـ يُسْقِطُ أَوْرَاقَهُ فِي الشُّقُوقِ
الظَّمْأَى ، ثُمَّ يَنْسَابُ جَدْوَلٌ بِالْحَيَاةِ ثَانِيَةً فِي عُرُوقِهِ النَّحِيفَةِ 0
كَشَجَرَةِ سَنْطٍ يَتَشَبَّثُ بَاللَّحْظَةِ ، يَشْهَقُ مُرْتَابًا ، كَغَرِيقٍ فِي عُرْضِ الْبَحْرِ يَلْتَقِطُ أَطْوَاقَ نَجَاةٍ ، لَكِنَّ اللَّوْحَةَ لَمْ تَغْرَقْ 0
000000
000000
000000
بَعْدَ انْتِظَارِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ظَلَّ قَابِضًا عَلَى بَقَايَا
حُلْمِهِ كَجَمْرَةٍ تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ـ
يُعَاوِدُ الْجُلُوسَ تَحْتَ ظِلالِ كَافُورَةٍ يَتِيمَةٍ فِي
انْتِظَارِ مُرُورِ سِرْبِ الْيَمَامِ لَعَلَّ وَجْهَهَا الْجَمِيلَ يَطُلُّ مِنْ وَرَاءِ السَّرَابِ 0








ـــــــــــــــــــــــ

قصة قصيرة من مجموعة (أَمِيرَةٌ مِنْ كَفْرِ خَضْرٍ)

للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج

ياسمين
11-14-2009, 02:18 PM
قصة متميزة واختيار موفق
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

وهبت عمري لك
11-15-2009, 11:13 AM
شكرا للصديقة الكريمة / ياسمين ، على مروركم الرقيق ، مع خالص تحياتي .

جاسر
11-18-2009, 09:52 PM
قصة موفقة واختيار متميز
مع خالص تحياتي

وهبت عمري لك
11-18-2009, 09:57 PM
شكرا للصديق الرقيق الأستاذ / جاسر على لطفه الذي ليس له حدود ، ومروره الكريم ، مع خالص تحياتي وتقديري .

ايمان السيد
12-02-2009, 12:42 PM
شكرا للصديق الكريم على اختيار تلك القصة الراقية ، ونرجو من حضرتك نشر مزيد من قصصه الجميلة ، مع خالص تحياتي وتقديري .

كان اسمه حبيبي
05-02-2010, 10:55 PM
هي كلمات ليست كالكلمات ، أوتار تعزف بها على نبض القلوب لحن الخلود ، شكرا لك وتقبل مروري