المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عند ما تكون الحياة عبئاً ثقيلا



عادل البكار
08-26-2009, 08:46 PM
خلف بشرتها السوداء الداكنة تقاطيع وجه بريء رسم علية الدهر خرائط مسيرته السبعينية وأبان علية الفقر تضاريسه القاسية .
بحرية ذات السبعين خريفا عرفتها منذ سنوات تسكن في حينا وهو حي فقير على كل حال لكنها الأكثر فقرا والأكثر عوزا حتى انها تنظر إلى بقية أهل الحي وكأنهم من طبقة برجوازية وأهل ثراء ، لا احد يعينها لا احد يحاول مد يد العون إليها أو يتفهم حالتها الكل مشغول بنفسه ، كانت منذ سنوات عشر خلت لا تزال بعافية تسمح لها بالسعي وراء لقمة عيشها وبنيها كانت تشتري ( الحنا ) كيلو أو اثنين ثم تعيد توزيعه في أكياس صغيره وتلف بة الأحياء والدور والبيوت لتبيعه للجميلات ذوات البشرة البيضاء الناعمة يخضبن بة كفوفهن ربما كانت بحرية تشعر بقليل من الغبطة وكثير من الحزن والأسى وهي ترى نقشت الحناء وحمرته القانية على تلك الكفوف ، بالكاد كانت أرباح تجارتها تسد الرمق ، عندما وهن عضمها وذهب ضوء عينيها وغشاهما البياض جلست بحرية حبيسة منزلها الذي تعيش فيه ولا تخرج منة إلا لتتشمس عند بابه على قارعة الطريق وتتلمس لعل محسنا او موسرا يرفق بحالها ويجود عليها ولو بالقليل لتفي بإيجار مسكن لم يكن سوى دكان صغير لا تزيد مساحته عن مترين في ثلاثة غائر في الأرض مظلم وموحش كالقبو كان هو كل سكنها هو غرفة المعيشة وغرفة النوم وغرفة الاستقبال وفي احد اركانة أيضا يوجد المطبخ ، يعيش مع بحرية في هذا القبو ابنها وابنتها وحفيدتها شبح الجوع والفقر والموت ماثل بين عيونهم ، أربع جثث تتزاحم في هذا القبو تنتظر الموت النهائي تنتظر البشير عزرائيل ليخلصهم من عذابات هذه الدنيا التي ارتسمت ابعادها وآفاقها في عيونهن بالجدران الأربعة لقبوهم .
وعلى النقيض من حالة العجوز بحرية ، تجد في الحي المجاور لحينا امرأة تلبس افخر الثياب وتتحلى بأنفس الجواهر تحافظ على عينيها من أشعة الشمس ورذاذ الغبار تحيطهما بنظارات سوداء تزيدها حسنا وجمالا تعتني عناية فائقة بإطالة أظافرها وطلائها بأصباغ ثمينة تقود سيارة فارهه تتجول في افخر المحلات وربما تجد أخرى تبحث عن المتعة .
يا الله ما هول تلك المفارقات... كم هي المسافات و الأبعاد الشاسعة بين امرأة كالعجوز بحرية تسكن قبواً موحشاً ربما لن تخرج منه إلا إلى القبر وأخرى تسكن في قصر مشيد تطوف الدنيا كأن خاتم سليمان الحكيم في إصبعها يلبي كل رغباتها وملذاتها مفارقات لا يكاد يستوعبها عقل ولا يقبل بها شرع أو دين أو أخلاق ، يحاول البعض يرد هذة الجريمة الانسانية إلى حكمة الهية ، والسؤال هو متى كانت حكمة الله حاضرة يوم استرق الإنسان اخية الإنسان وصيره عبدا مملوكا يسومه سوء العذاب هل كانت تلك العبودية والإسترقاق حكمة من الله أم كانت غواية وجريمة إنسانية تمالئت عليها البشرية ضداً على حكمة الله و إرادته إن حال تلك العجوز البائسة وقبوها ليهزأ من كل الشرائع والقوانين ومواثيق حقوق الإنسان ومن كل منظمة جوفاء تتحدث عن حقوق النساء ، عفواً إيليا أبو ماضي عفوا فيلسوف الشعر والشعراء فحياة خيرية عبئا ثقيلا يؤرق الضمير الإنساني .