المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غيوم فهم التحرش بالنساء



ساره يوسف
05-21-2009, 06:12 AM
غيوم في فهم التحرش بالنساء
بقلم: سعيد المصري
مدير برنامج القضايا الاجتماعية بمركز المعلومات
ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء






كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن ظاهرة التحرش الجنسي ضد النساء في الحياة العامة والمقصود بالطبع تعرض النساء لأنماط من السلوك يفترض انها تؤذي المرأة وتهدد شعورها بالأمان‏.‏ وقد ارتبط الحديث المتكرر عن هذه الظاهرة بوقائع جرت في أماكن عامة اخذت جزءا كبيرا من الاهتمام الجماهيري غير المسبوق وشغلت الرأي العام عبر وسائل الإعلام والفضائيات والإنترنت‏,‏

وقد لقيت الظاهرة اهتماما من الباحثين والصحفيين والحقوقيين والمدافعين عن حقوق الانسان وبالأخص حقوق المرأة‏.‏ ولاشك ان شيوع تعبير التحرش الجنسي في المناقشات العامة في مصر لاينفصل بأي حال عن الجدل الدائر عالميا حول مخاطر التمييز النوعي ضد النساء‏.‏ ويكتسب هذا الجدل دلالات سياسية في تقارير حقوق الانسان وتقارير التنمية ونشاط الحركات النسائية‏.‏ وقد يوحي الأصل الانجليزي لتعبير التحرش الجنسي‏***ualHarassment‏

أننا بصدد ظاهرة جديدة علي المجتمع المصري‏,‏ وهذا يخالف الواقع‏,‏ فالتحرش الجنسي ضد النساء ظاهرة قديمة قدم المجتمعات الانسانية وقائمة في كل مجتمع مع اختلاف صوره وبطبيعة الحال فضحايا التحرش هم في الغالب من الضعفاء وبالأخص النساء والأطفال‏.‏ وتزداد فرص حدوث التحرش في ظل اوضاع عدم المساواة التي يترتب عليها استغلال ضعف الضحايا بأي صورة من الصور‏.‏

والصحيح انا بصدد تعبير جديد علي الثقافة العربية ـ حسب تعبير دكتور محمد مهدي ـ الذي قدم افضل تعريف ممكن للتحرش الجنسي وهو أي قول او فعل يحمل دلالات جنسية تجاه شخص يتأذي من ذلك ولايرغب فيه‏.‏

والتعريف يجمع بين الرغبة الجنسية والعدوان من جانب طرف نحو طرف اخر بغير رضاه‏(‏ انتهي الاقتباس‏)‏ وحول هذا المضمون لدينا تعابير اخري للحديث عن الظاهرة كالمعاكسات وخدش الحياء ومايسيميه القانون هتك العرض‏.‏

لقد شاع التحرش بالنساء في أماكن عامة بما في ذلك الشارع المصري بصورة وبائية باتت تدعو للقلق وتهدد شعور الناس بالثقة في الآخرين والشعور بالأمان‏.‏ وقد اكدت نتائج المسح العالمي للقيم ـ مصر‏2008‏ الذي اجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار تراجع الشعور العام بالثقة‏.‏ حيث اكد‏81.3%‏ من النساء في العينة اعتقادهم أنهم ينبغي ان يكونوا حذرين في التعامل مع الناس‏,‏ وترتفع هذه النسبة اكثر في المناطق الحضرية ولدي الفئات الاكثر تعليما‏,‏ وبحسب نتائج المسح ايضا فقد عبر‏73%‏ من النساء في العينة بأن لديهم شعورا بعدم الثقة فيمن يقابلنهم اول مرة‏,‏ كما عبر‏97.6%‏ من النساء في العينة عن الحاجة الشديدة للعيش في محيط آمن وتجنب أي شيء يمثل خطورة مثل هذه النتائج تعكس وجود قدر كبير من عدم الأمان علي انخراط المرأة في الحياة العامة‏.‏ ومع ذلك فإن كثرة الحديث عن الظاهرة وأسبابها قد تؤدي بطبيعة الحال الي تضخيم شديد‏,‏ والي قدر كبير من الخلط ولعلي اطرح في هذا الصدد اربعة تحفظات يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار عند معالجة قضية التحرش الجنسي‏.‏

اولا ـ دراسة الظاهرة‏:‏ هناك بلاشك اجتهادات بحثية مهمة سعت بجدية الي دراسة الظاهرة وتقديم معلومات علمية موثقة عنها‏,‏ اهمها دراسة احمدعبدالله‏2006,‏ وعلي اسماعيل‏2006,‏ ومديحة عبادة‏2007,‏ ورشا حسن‏2008,‏ ومحمدمهدي‏2008‏ ومع ذلك فما زالت هناك فجوة معرفية تحتاج الي بحوث متأنية لفهم هذه الظاهرة المعقدة والاجابة عن تساؤلات مهمة‏:‏ ما الذي يؤدي مثلا الي حدوث هذه الظاهرة وبهذا الزخم المتزايد سنة بعد أخري؟ وهل هي عامة ام تخص فئات محددة ومناطق بعينها ومواقف واحداثا مصاحبة لها؟‏....‏ الخ‏.‏ قد يقول قائل ان البحوث المتوافرة اجابت عن تلك الاسئلة‏,‏ غير ان بعض النتائج بحاجة الي تدقيق وينبغي ألا يدفعنا الحماس في الدعوة الي مكافحة التحرش الي حد اعتبار اي نتيجة بحثية تم التوصل اليها كافية للحكم علي الظاهرة‏.‏

ثانيا ـ الانسحاب من المجال العام او الفصل بين الجنسين‏:‏ من الواضح ان هناك علاقة بين تزايد حضور النساء في الحياة العامة واحتمال تفشي ظاهرة التحرش ضد النساء بصورة متزايدة‏.‏ ومن المتوقع في ظل تزايد الجدل حول التحرش تصاعد حدة المخاوف بشأن دخول المرأة واندماجها في الحياة العامة وبالتالي غلبة الدعوة الي حجبها مرة اخري عن ممارسة حقها في العمل والعمل العام او ربما تزايد موجة الفصل بين الجنسين التي شاعت في المواصلات والمدارس واماكن العمل وبدأت في الظهور أخيرا داخل اماكن قضاء وقت الفراغ‏.‏

ثالثا ـ المغالاة في الدور الأمني‏:‏ كثيرا مايثار ان الشارع المصري اصبح غير آمن‏,‏ ويترتب علي ذلك تحميل اجهزة الامن مسئولية حماية النساء في الاماكن العامة‏.‏ يحدث ذلك دائما في إطار موجة نقد الحكومة وتحميلها المسئولية من ناحية حتي في أدق الامور ذات الطابع الاخلاقي‏,‏ ومن ثم المطالبة بتوسيع دور اجهزة الشرطة لحماية النساء‏.‏ وهذه واحدة من المفارقات التي اصبحت شائعة في الجدل المثار حول كثير من قضايانا العامة‏.‏ والشيء الغريب ان اجهزة الأمن تتجاوب أحيانا مع هذه الاطروحات‏,‏ وحين تبالغ في أداء دورها ـ علي هذا النحو ـ يتم اتهامها بممارسة العنف وانتهاك حرية المواطنين‏,‏ وينبغي ألا ينسي الجميع ان تحميل اجهزة الامن مسئوليات اكبر في مثل هذه القضايا المجتمعية لابد ان يأتي علي حساب الحريات من ناحية وعلي حساب ثقة المواطن في اجهزة الامن من ناحية اخري‏.‏

رابعا ـ الإفراط في القوانين‏:‏ وعلي نفس المنوال يميل الجدل المثار حول التحرش الي المغالاة في المطالبة بمزيد من القوانين الرادعة لمن يتحرش بالنساء‏.‏ ورغم ما في هذا من انتقاد ضمني ايضا للحكومة وتغليط عصا التشريعات‏,‏ فإن كثرة القوانين تتحول الي غيوم في طريق تحقيق العدالة وتزيد من اليأس في الوصول اليها والقوانين بطبيعة الحال ليست هي الحل السحري للحد من التحرش‏,‏ فالقوانين ماهي الا ادوات مستحدثة لتحقيق الضبط الاجتماعي‏.‏ ومن المعروف ان للضبط الاجتماعي اربعة جوانب اولها واهمها العرف الذي يتمثل في قيم وقواعد شفهية متداولة بين الناس‏,‏ وهي التي ظلت عبر تاريخ المجتمع المصري وغيره من المجتمعات تحمي الفضيلة بين الرجل والمرأة‏.‏ والجانب الثاني للضبط يتمثل في القيم الدينية التي تدعو الي الفضيلة وتضع حدا فاصلا بين الحلال والحرام في الحياة اليومية‏,‏ وقد أسهمت المؤسسات الدينية في حماية الفضائل بمقتضي حضورها الكثيف في عمليات التنشئة الاجتماعية‏.‏ وللضبط الاجتماعي جانب ثالث يتمثل في القوانين التي ارتبطت بسلطة الدولة المدنية‏.‏ واخيرا هناك جانب رابع من الضبط الاجتماعي قائم في المجتمعات المتحضرة يتمثل في الذوق العام والبروتوكولات التي تفرض سطوتها علي الناس في الأماكن العامة دون الحاجة لاي اعراف او دعوات دينية او قوانين‏.‏ وبناء علي هذا الفهم لمعني الضبط الاجتماعي يتعين ان نسأل أنفسنا‏:‏ هل التحرش موجود بالصورة الصارخة التي نتصورها في المجتمع المصري كله؟ هل يشكل ظاهرة تؤرق المجتمع الريفي والمجتمع البدوي الذي تسوده الأعراف والقيم الدينية؟

أعتقد ان الاجابة المنصفة تقول ان المجتمع المصري ككل لايمكن ان يكون مليئا بصور التحرش الجنسي علي النحو الذي اكدته بعض البحوث والتقارير الصحفية وصور الفيديو علي صفحات المدونات بل يحدث التحرش فقط لدي فئات بعينها وفي مواضع ومواقف ومناطق تفتقر الي كل ادوات الضبط الاجتماعي‏,‏ أعني بذلك فقدان احترام سلطة العرف والقيم الدينية‏,‏ والقوانين‏,‏ وأيضا الذوق العام‏.‏ وهذا مانريد ان نفهمه بهدوء دون ضجيج او تبسيط‏.‏