المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عميد الأدب العربي ( طه حسين )



صفاء عطاالله
05-06-2009, 10:27 PM
طه حسين
( 1889 – 1973 ) م

أديب نابغة ، ومجدد موهوب ، ومفكر جرئ . فقد نعمة البصر طفلا ، ولكن الله عوضه عنها نبوغا لامعا ، وتفوقا مجليا ، مهد له الطريق الي المجد الأدبي من جهة ، وتولي أرفع المناصب من جهة أخري وآخرها رياسة مجمع اللغة العربية في القاهرة .


كانت ولادته في احدي قري الصعيد . أما دراسته فكانت في كتاب القرية أولا ، لينتقل بعده الي الأزهر فالجامعة المصرية في القاهرة ومنها الي فرنسا حيث درس الفرنسية واللأتينية واليونانية . ثم عاد الي وطنه سنة 1917 أستاذا في كلية الآداب ، فعميدا لها .. حتي أصبح وزيرا للمعارف . وكان في حياته كلها مثالا للمسؤول المخلص ، والمفكر الحر ، والمثقف الجرئ ، وهذا ما جر عليه بعض المتاعب . وأثار في وجهه عدة عواصف ، ولكنه ثبت لها جميعا .


ترك عددا كبيرا من المؤلفات يبلغ الستين ، ترجم بعضها الي لغات أجنبية ، وهي متنوعة ، ما بين نقد وقصة ومقالات وأبحاث أدبية منها : الأيام ، تجديد ذكري أبي العلاء ، في الأدب الجاهلي ، جنة الشوك . والأخير كتاب في النقد الاجتماعي اللاذع ، ومنه أخذنا النصوص التالية :

1- فيض

قال الطالب الفتي لأستاذه الشيخ : فسر لي قول القائل : " فاض الاناء " .
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتي : هذا مجاز يابني في كل أمر تجاوز حده حتي أصبح لا يطاق . ألم تسمع قول الشاعر :

شكوت ، وما الشكوي لمثلي عادة ولكن تفيض النفس عند امتلائها

قال الطالب الفتي لأستاذه الشيخ : فاني أعرف أوعية لا تمتلئ ، وآنية لا تفيض .
قال الأستاذ الشيخ مبتسما : وما ذاك ؟

قال الطالب الفتي : خزائن الأغنياء التي مهما يصب فيها من المال فهي ناقصة ، وجهنم التي يقال لها : هل امتلأت ؟ فتقول : هل من مزيد ؟ وعقول العلماء التي لا تبلغ حظا من المعرفة الا طمعت في أكثر منه .

قال الأستاذ الشيخ ضاحكا : لقد أصبحت حكيما منذ اليوم ، ولكن تعلم أن اناء واحدا قد يفيض ، فيصبح مضربا للأمثال ، ومصدرا للعبر ، وبعيد الأثر في حياة الأجيال ، ألا تذكر سيل العرم ؟


2- انتصار

قال الطالب الفتي لأستاذه الشيخ : ما الذي يعجب الناس من قول المتنبي :

واذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا

قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتي : يعجبهم منه يا بني أنه يعرض صورة رائعة في دقتها وصدقها وايجازها لحقيقة انسانية خالدة ، وهي أن شجاعة كثير من الشجعان ، وانتصار كثير من المنتصرين ، وتفوق كثير من المتفوقين ليست الا تكثرا وغرورا . فاذا جاء الخوف قل الشجاع وندر الانتصار ، وأصبح التفوق أمنية لا تنال الا في عسر شديد . وليتك تقرأ قصة " دون كيشوت " للكاتب الاسباني " سرفنتس " أو قصة " ترتاران دي ترسكون " للكاتب الفرنسي " الفونس دوديه " لتعلم أن هذين الكاتبين العظيمين لم يزيدا علي أن شرحا قول المتنبي :

واذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا


3- نقد

قال الطالب الفتي لأستاذه الشيخ : أي قرائك أحب اليك ؟

قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتي : هذا الذي يقرأ مخلصا ، وينقد ناصحا ، ويعلن الرأي صريحا ، لا يصانع فيه ، ولا يلتوي به .

قال الطالب الفتي لأستاذه الشيخ : ومن لك بالقارئ الذي تجمع له هذه الخصال ؟

قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتي : هبه احدي المني التي يقول فيها الشاعر القديم :


مني ان تكن حقا تكن أحسن المني والا فقد عشنا بها زمنا رغدا