المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الازمة المالية العالمية: تعقيدات أزمة النظام الرأسمالي‏..‏



د.عدنان
04-24-2009, 09:37 AM
44693
‏السنة 133-العدد
2009
ابريل
18
‏22 من ربيع الاخر 1430 هـ
السبت















الأسبوع الاقتصادي
كارثية الأزمة العالمية
تعقيدات أزمة النظام الرأسمالي‏..‏
وتغلغل نفوذ الفساد للقمة الحاكمة
بقلم ‏:‏ أسـامــة غـــيــث






يرتبط الحديث عن كارثية الأزمة العالمية الاقتصادية بالحديث عن منظومة عالمية للفساد متكاملة الاركان والحلقات تمكنت من خلال تركيبها الاخطبوطي علي امتداد العقود الماضية من التحكم في السياسة والاقتصاد والعقائد والأيديولوجيا الرأسمالية‏,‏ وسيطرت علي نظم الحكم والاحزاب وجماعات الضغط في امريكا وأوروبا حتي أحكمت سطوتها علي العالم كله وقادت توجهاته وتفضيلاته وممارساته إلي قيعان الانحراف والفساد بكل صوره وأشكاله مما سمح بغياب الرقابة العامة علي الحياة والنشاط الاقتصادي‏,‏ وأتاح الفرصة الكاملة للمؤسسات المالية والبنوك والبورصات ومؤسسات التمويل العقاري ومؤسسات التأمين‏,‏ أن تفلت من إشراف أجهزة الدولة لترتكب ما تشاء من التجاوزات والألاعيب التي أوصلت العالم إلي حافة الهاوية الراهنة‏.‏

وحول انتشار مظاهر الفساد والانحراف في النظام السياسي والاقتصادي المالي العالمي يوضح الدكتور عصام الدين جلال ـ رئيس الجمعية القومية للتنمية التكنولوجية والاقتصادية‏,‏ وواحد من الخبراء العالميين القلائل في التنمية الدولية ـ أن في مقدمة الأسباب المؤدية للكارثة ما يرتبط بفساد وانحراف مؤسسات التأمين العقاري وشركات البناء والتسويق العقاري والانفلاتات السياسية التي تعاقبت في عهود الرؤساء ريجان ونيكسون وجورج بوش والتي أطلقت عنان هذه الشركات من أشكال التحكم والرقابة والنتيجة الحتمية لهذا الانفلات انهيار سوق الضمان العقاري وافلاس شركاته وضياع وتبديد ما يقرب من عشرة ملايين من أصحاب المنازل‏,‏ مما دفع بالأزمة الي القطاع التمويلي والبنوك وشركات التأمين باعتبارها الممول الحقيقي الذي تختفي وراءه شركات التسويق العقاري غير التمويلية‏.‏
صناديق التحوط‏..‏ وتفاقم الانحرافات المالية
وكان من أبرز الآليات التي اعتمدت عليها مؤسسات التمويل هي ما يدعي بصناديق التحوط‏,‏ والتي يتركز نشاطها علي التعامل في أوراق مالية تفوق عشرة أضعاف رأس مالها‏,‏ وتتاجر في هذه الأوراق المالية علي مستويين القصير والطويل‏,‏ وفي المجال القصير هي تضمن لأصحاب الأوراق المالية تسديد قيمتها في نهاية مرحلة قصيرة بسعر ثابت‏,‏ تتوقع ادارة الصندوق أن ينخفض سعر الأوراق المالية بما يتيح لها اعادة شرائها عند الاستحقاق بثمن أكثر انخفاضا عن الثمن الذي أودعت به هذه الأوراق المالية في أول العملية‏,‏ ومن ثم يفوز الصندوق بأرباح مضاعفة عن الفرق بين السعرين‏,‏ وفي المجال الطويل فهي تحوز علي أوراق مالية قابلة للارتفاع وتستخدمها في المضاربة لتغطية تكلفة التعاملات القصيرة وتحقيق الأرباح علي المدي الطويل من تقلبات السوق ومضارباتها‏,‏ وكثيرا ما تسجل هذه الصناديق وغيرها من الآليات الجانبية في جزر التهرب الضريبي العالمية‏,‏ حتي تتهرب من الرقابة والتحكم المركزي للدول إضافة الي تقاسم الأعباء والمخاطر بين العديد من البنوك وشركات التأمين المحلية والأجنبية وتعدد فروع المؤسسات والبنوك المتوازية وبنوك الظل وصناديقها الجانبية الاستثمارية في كل أنحاء

المعمورة‏,‏ مع تفاوت قدرات أجهزة الرقابة والتحكم والتي لا تخضع لها البنوك الاستثمارية‏,‏ وقد تكون هذه الصناديق مملوكة لفرد واحد أو عدد قليل من الأفراد‏,‏ ومن ثم فهي لا تخضع الي رقابة داخلية أو خارجية‏,‏ ولعل من أبرز أمثلة المضاربة في هذا المجال ما حققه الممول العالمي سوروس في مبدأ انشاء العملة الأوروبية الموحدة والتي اقتضت معاهداتها المبدئية أن يتحدد سعر الصرف للعملات الأوروبية ومن بينها الجنيه الاسترليني‏,‏ وطبيعة الأزمة التي مر بها الاقتصاد البريطاني في هذه المرحلة ازدادت الضغوط علي الجنيه الاسترليني ولم تسمح المعاهدة بتخفيض قيمته وهنا اقترض الصندوق الذي يمتلكه سوروز‏50‏ مليار جنيه استرليني‏,‏ علي وعد بأن يرد المبلغ علي المدي القصير متوقعا أن تنسحب بريطانيا من المعاهدة وتخفيض قيمة الجنيه الاسترليني وهو ما حدث بالفعل بعد استفحال الضغوط التي مارسها سوروز وانسحبت بريطانيا من الاتفاقية وخفضت قيمة الجنيه الاسترليني تخفيضا بالغا واشتري صندوق سوروز‏50‏ مليار جنيه استرليني بالسعر المخفض الجديد لردها للجهات المقرضة وحقق ربحا قدره مليار دولار في مدة قصيرة لا تتعدي أسابيع معدودة‏,‏ ورغم ما تطلقه هذه الصناديق علي نفسها

من أنها صناديق تحوط أي تفادي المخاطر فهي في الحقيقة صناديق مضاربة تنشئها المؤسسات التمويلية بقصد تحقيق الأرباح سواء خسرت أو كسبت وهي مغامرة لايمكن أن تقف في وجه انهيار شامل مهما تعددت الجهات المشتركة في التمويل أو التأمين عليها وهي في سبيل جذب أعداد أكبر من المودعين تتعهد بدفع أرباح أكثر ارتفاعا من تلك التي تدفعها البنوك التجارية التي تخضع للرقابة والتحكم المركزي‏,‏ وتلتزم بايداع نسبة من أصولها في البنوك المركزية والتأمين علي الأصول المودعة لديها‏,‏ وكثيرا ما يصل حجم هذه الصناديق الي ما يزيد علي مائة ضعف رأسمالها وهو مايسمح لها بتحصيل أرباح طائلة في حالة رواج السوق ولكنه أيضا يعرضها الي انهيار تام أو كامل في حالة ركوده فأرتفاع معاملات السوق الإجمالية بواقع‏1%‏ يمكن لهذه الصناديق أن تحقق مضاعفة في رأسمالها‏,‏ كما أن انخفاض معامل التعامل في الإجمالي في السوق يمكن أن يدفع بها الي مجاهل الافلاس ويحمل البنوك

وشركات التأمين المشتركة في تغطية نشاطها الي مسارات جسيمة لايمكن احتمالها وقد تمت محاولات مماثلة للاستفادة من انهيار أسعار عملات دول جنوب شرق آسيا في التسعينيات واستغلالها في مجال المضاربات قصيرة المدي وأفلحت حكومة هونج كونج في تفادي الوقوع في فخ صناديق التحوط التي استولت علي كمية كبيرة من الأصول بعملة هونج كونج في انتظار انهيار أسعارها وسارعت الحكومة بضخ مليارات الدولارات علي دفعات حتي اضطرت صناديق التحوط للتخلص من أصولها قبل تزايد انهيار سعر العملة وقام صندوق التحوط الأمريكي وهو من أكبرها في أواخر التسعينيات بالاستيلاء علي كميات ضخمة من الأوراق المالية للمضاربة بها علي المستوي القصير توقعا لانهيار أسعارها مما زاد من تعرضه للخسائر ولاح خطر اقبال العملاء علي سحب أصولهم مما عرض الصندوق ليس فقط للإفلاس‏,‏ ولكن تعريض عدد كبير من مؤسسات التمويل الي خسارة فادحة وأضطر البنك الفيدرالي المركزي الي تخفيض سعر الفائدة وحشد عدد كبير من البنوك ومؤسسات التمويل بشراء قروض المؤسسة وانقاذها والسوق المالية من الانهيار‏,

‏ ثم جاءت فقاعة التنافس المنفلت علي أسعار أسهم شركات التكنولوجيا والمعاملات مما رفع أسعارها الي ما يفوق احتمال المردود واستمرار الطلب‏, ‏ وهدد رئيس البنك الفيدرالي بأنه لن يتدخل لانقاذ المنغمسين في هذه المضاربات غير المسئولة حتي لايضطر البنك الفيدرالي الي وضع رقابة وقيود مشددة عليها ومن ثم انفجرت الفقاعة وتهاوت الأسعار

وتقلص الطلب وفقد المضاربون وعملاؤهم‏40%‏ من القيمة السوقية‏.‏

وفي الفترة التالية اندفع المضاربون لتغذية الرواج المصطنع من خلال تعظيم معاملات السوق في مجال التأمين العقاري تخطت المضاربات قيمة المعامل الأساسي المتعارف عليه‏,‏ وهو القيمة السوقية لثمن العقار كمضاعف لقيمة الايجار وفي حمي التكالب علي تحصيل أكبر عائد من الأرباح فاقت قيمة القروض المعتمدة القيمة السوقية للإيجار بمعدلات مضاعفة مما ضاعف من مخاطر الاقتراض ووصل هذا التخطي الي ما يفوق الضعف خاصة أكثر الأسواق رواجا في كاليفورنيا وفلوريدا‏,‏ وأغفل عامل ضمان قدرة المقترض علي تحمل أعباء التسديد بعقد قروض ثنائية لتغطية عجز المقترض عن تسديد القرض الأولي ومد مدة القروض ورفع فوائدها والتغاضي عن تسديد المقدم الأولي قبل اتمام عقد التأمين العقاري وقاد التلاعب شركات الضمان العقاري ولم تكن هي الممول المباشر للقروض‏,‏ ولكنها كانت مجرد وسيط غير خاضع للرقابة والتحكم بين المقترض والبنوك ومؤسساتها الجانبية وشركائها الأجانب وعبر البلاد وفي ظل الاباحة السياسية والقانونية تقلصت فاعلية الضمانات والقدرة علي التعامل مع تقلبات السوق‏,‏ واندفعت هذه المنظومة في طلب المزيد من البلهاء والتنافس علي توفير الحوافز لهم

وقد كان من الطبيعي أن يجري القادرون وغير القادرين وراء حلم امتلاك منزل للأسرة‏,‏ وكان انغماس البنوك التجارية التي تخضع نظريا لقواعد التحكم والرقابة الداخلية عن طريق تمويلها لمؤسسات جانبية وصناديق تحوط وصناديق استثمارية للهروب من الرقابة والتحكم الفيدرالي فهذه المقامرة المنفلتة لايحفزهافقط سعيها الي الأرباح المضاعفة‏,‏ ولكنه يعززها أيضا اطمئنانها الي توزيع أعباء المخاطرة علي الشركاء والمؤسسات التمويلية الجانبية والعملاء عبر البحار‏,‏ وشركات التأمين العملاقة‏,‏ وانفلات كامل المنظومة من قيود الرقابة المركزية‏.‏

البنوك الاستثمارية‏..‏ وفوضي المعاملات وغياب الرقابة
ويشير الدكتور عصام الدين جلال إلي أن الضمانات الفيدرالية قد تقلص دورها بعد ازاحة القيود والضمانات عن شركات الائتمان العقاري المضاربة بقرارات ادارة الرئيس ريجان والمعتمدة أصلا علي تمويل آليات سوق المال الأمريكي‏,‏ وقد مكنها ذلك من التوسع المنفلت في عقد قروض الائتمان العقاري للقادرين وغير القادرين‏,‏ اضافة للخلل القانوني والسياسي الذي وسع دائرة الانفلات والفوضي وحول أجهزة التحكم والرقابة الي وسيط مشترك بين الحكومة والمؤسسات المفترض رقابتها في ظل هذه الأوضاع لم تتحرر فقط المؤسسات التمويلية المحلية من ضوابط التحكم والرقابة‏,‏ وانما تحررت أيضا كل مؤسساتها الفرعية والجانبية والمتوازية والضامنة والمشاركة في السوق المحلية وعبر الحدود‏,‏ وكان توسع الفقاعة لايرجع الي تصاعد عدد المخدوعين والبلهاء ولكنه كان في الحقيقة يرجع الي تكالب وتوحد شاركك في صناعته المستغلين لهم والحاشدين لصفوفهم في ظل تدهور وغياب الرقابة والتحكم الاقتصادي والسياسي المركزي‏,‏ وفي ظل هذه الفوضي لم يكن من المنطقي

توقع أن تسلم البنوك الأستثمارية من مخاطر المشاركة في وليمة الفساد هذه وبرغم أنها علي عكس البنوك التجارية لاتقبل الودائع قصيرة المدي التي يستوجب ردها المباشر عند طلب المودعين مثل البنوك التجارية‏,‏ ولكنها تقبل مشاركة المستثمرين علي المدي الطويل في مشاريعها غير الخاضعة للقيود والرقابة البنكية ولتحقيق هذا الهدف تعددت أنواع المؤسسات التمويلية غير الاستثمارية فيما أطلق عليه بنوك الظل أو البنوك الموازية والتي تمارس نشاطها معتمدة علي مؤسسات تمويلية بنكية وغير بنكية علي مدي طويل يسمح لها في التوسع بتغطية قروض الائتمان العقاري وغيرها من المضاربات المالية في ظل تحررها من قواعد التحكم والرقابة‏,‏ باعتبارها مؤسسات غير ايداعية وتضخمت الأموال التي تتعامل بها مؤسسات التمويل غير الإيداعية بما يتعدي‏400‏ مليار دولار‏,‏ وذلك بحكم الفوائد الأكثر ارتفاعا التي تعرضها والضمانات الأقل كفاءة التي تطلبها ووسائل التسويق غير النمطية التي تتبعها مثل سماسرة التعاقد والافتقار الي آليات التقييم وقدرتها علي المعالجة الفوضوية للعاجزين عن تسديد القروض الأولية بعقد قروض ثنائية أكثر تكلفة وتعجيزا للمقترض‏,

‏ اعتمادا علي اندفاع القطيع الذي حركتهجماعات الضغط المشتركة بين بناة العقارات ومسوقيها وضامنيها ومموليها وتواطؤ الجهات السياسية والإعلامية في الاستجابة لجماعات الضغط هذه وفي ظل هذا الاندفاع في السوق المالية المركزية الأمريكية لم يكن هناك مهرب في اطار الاقتصاد العابر للحدود والمسمي بالعولمة أن تمتد نتائج وتداعيات هذا الانفلات الي كل الأسواق العالمية‏,‏ وبالتالي لايمكن ادعاء ما نحصل نتائجه الآن كان نتيجة لسوء في الأداء لأنه في الواقع والحقيقة كان نتيجة حتمية لخلل في النظام الاقتصادي الأمريكي والعالمي تواطأت القيادات السياسية والاقتصادية علي ارساء قواعدها وأسسها فالشركات والمؤسسات التمويلية والتأمينية لم تفعل أكثر مما يحتمه النظام الرأسمالي من التنافس علي الاستحواذ علي أكبر حصة من السوق وتحقيق أكبر قدر من الربحية باستغلال كل الفتحات والقنوات التي يتيحها النظام القائم وإذا تأتي عن هذا التكالب في المنافسة افلاس بعضها وعملائها فهذا هو أحد مسلمات النظام الرأسمالي وامتداد رقعة هذا الانهيار علي أبعاد السوق الاقتصادية العالمية هو نتيجة لفرض النظام الاقتصادي العابر للحدود الذي يسمي بالعولمة

ومن هنا جاء اعلان البنك الفيرالي الأمريكي في نيويورك ان الحصيلة الشاملة لهذه التعاملات المسمومة لقطاع التأمين والضمان العقاري بلغت‏2,5‏ تريليون دولار والقطاع غير البنكي‏1,8‏ تريليون دولار بالاضافة الي‏4,5‏ تريليون دولار للبنوك الاستثمارية غير خاضعة لقواعد التحكم والرقابة مما يستحيل معه علي السوق المالية مجابهة هذه الأعباء ويحتم التدخل الحكومي بأموال دافعي الضرائب لانقاذ المؤسسات المالية وما يمكن من عملائها‏.‏

ومن هنا ارتفع العجز في قطاع السوق المالية الامريكية الي حوالي‏10‏ تريليونات دولار مما يقتضي مشاركة التدخل الحكومي واسهام الاقتصاد الحر في تحمل أعباء الاصلاح واستحالة ضمان كافة استحقاقات العملاء والمودعين والمقترضين والغريب أن إدارة بوش قبل هذا الإعلان بشهرين أكدت سلامة الاقتصاد وزاد التدهور نتيجة لهبوط أسعار الأسهم بمعدل فاق‏30%‏ خلال عام‏2008.‏

ويؤكد الخبراء أن خطة أوباما لن تستطيع مجابهة أصول الأزمة لأن الذين فقدوا وظائفهم بتصاعد معدلات البطالة لن ينقذهم من أزمة الائتمان العقاري الطاحنة تخفيض أعبائهم بـ‏300‏ أو‏400‏ دولار سنويا وقدر الخبراء بأنه بتزايد عمق ازمة الاقتصاد الأمريكي وتصاعد حدتها فان هذه الخطة لن تكون ذات فاعلية وأنها لا يمكن اعتبارها إلا خطوة بداية أولية‏..‏

خلل النظام الرأسمالي العالمي
ويؤكد خبير التنمية الدولية البارز أن تكرار أزمات النظام العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وكان أشدها أزمة السبعينيات والثمانينيات وشمولها الدول المتقدمة النامية وتهديدها بانهيار اقتصاديات عدد من الدول النامية فيما أطلق عليه عقد الثمانينيات الضائع وانهيار اقتصاد أمريكا اللاتينية رئاسي يمدها بازمة المديونية التي توقفت خلالها العديد من دول امريكا اللاتينية عن سداد مديونياتها الخارجية بشكل كامل ثم أزمة انهيار سوق جنوب شرق آسيا في عقب التسعينيات وهروب الاستثمارات الأجنبية مما زعزع سعر النقد في هذه الدول وإنهار الأنتاج والعمالة وفي الحقيقة فإن دواعي عدم الاستقرار في النظام العالمي ترسخت أسسه في أعقاب الحرب العالمية الثانية عندما إعتمد الرئيس ترومان سياسة إحتواء الاتحاد السوفيتي وفرض سباق التسلح الهادف إلي التدمير المتبادل مما حمل إقتصاد الحرب أعباء باهظة علي كل من حلف وارسو وحلف الأطلنطي

حتي وصل هذا السباق الي نقطة إنعدام الجدوي واستحالة استخدام ترسانة الدمار الشامل الرهيبة الحروب الطرفية الفاشلة في الصين وكوريا وفيتنام والانقلابات العسكرية والمخابراتية بالوكالة في الاكوادور وتشيلي وإيران والدول الأفريقية وأمريكا اللاتينية والمجر وتشيكوسلوفاكيا والمانيا الشرقية حتي اضطر الطرفان في عهد رئاسة نيكسون وكيسنجر إلي وضع أسس للتعايش العسكري في خلال السبعينيات وتم تجميد المجابهات والإعتراف بالحكومة الصينية الشيوعية ووقف المجابهة في الشرق الأوسط وفي بداية الثمانينيات قرر الرئيس ريجان العودة الي سياسة واقتصاد المجابهة ليس بقصد إحتواء الاتحاد السوفيتي وإنما بقصد زلزلة كيانه وانهيار سطوته ومن ثم حول إقتصاد الحرب الباردة إلي اقتصاد الحرب الاقتصادية الساخنة وبالتواطؤ مع الفاتيكان وقوي المعارضة المحلية في دول شرق أوروبا خاصة بولندا إعتمادا علي برامج سرية ضخمة أنفقت فيها مئات البلايين من الدولارات وآلاف من عملاء المخابرات السرية تم تمويل وتجهيز وتنظيم كل حركات المقاومة في الدول الطرفية في الاتحاد السوفيتي

التي كانت تعتمد علي تصدير البترول والغاز إلي أوروبا الغربية باعتبارها المورد الرئيسي للعملات الصعبة التييعتمد عليها ضرورات التنمية والأمن والاستقرار‏.‏

وقد مضي الرئيس ريجان في مغامرته حتي نجح في تقويض اقتصاد الاتحاد السوفيتي ووضع اللبنة الاخيرة في انهيار كيانه السياسي والعسكري ولم يقتصر التحول الإقتصادي والهجومي الأمريكي علي الاتحاد السوفيتي والدول النامية ذات التوجهات الإستقلالية ولكنه إمتد إلي مجال العمل السياسي الداخلي الأمريكي ليس فقط في مجال قرارات وقوانين السلطة التنفيذية والتشريعية ولكنه إمتد إلي إعادة تشكيل المحكمة الفيدرالية العليا المسئولة عن صياغة التطبيقات الدستورية بما تضمن معه ترسيخ التوجهات اليمينية المتطرفة حتي بعد نهاية ولايته

وفي المجال الاقتصادي أطاح بقوانين التحكم والرقابة مطلقا بذلك إنفلات القطاع الاقتصادي القائم علي الاصولية الرأسمالية ماسماه الاقتصاد الحر غير المقيد ومع بداية التسعينيات وطغيان نظام القطبية الواحدة استكملت معالم الاقتصاد الاجتياح بإنشاء منظمة التجارة العالمية وفرض الاقتصاد العابر للحدود واطلاق العنان لأسس جديدة للأمبريالية العالمية في إطار إستخدام كل وسائل الإرهاب والسيطرة السياسية والإقتصادية والمخابراتية والرشوة والفساد لإرساء قواعد فرض سيطرة النخبة المستغلة ليس فقط في مجال الكيان السياسي والاقتصادي في الولايات المتحة

ولكن من خلال فرض تحالفات شبكية مع عملائها من النخب المسيطرة الديكتاتورية والمعادية للتوجهات الوطنية والمنخرطة في الكيان الامبريالي الجديد متخطية في سبيل ذلك كل المصالح المحلية والوطنية وداعمة لكل آليات القهر والاستبداد والفساد حتي قدر أحد مرشحي الحزب الجمهوري في الانتخابات الامريكية الأخيرة بأن للولايات المتحدة تواجاد عسكريا في‏130‏ دولة إضافة لتواجدها السياسي والمخابراتي والاقتصادي والتأمري في كل أنحاء المعمورة‏.‏

***‏
ولم يكن من مقتضيات ترسيخ هذا النظام هو مجرد فرض النمط العابر للحدود علي الدول الطرفية المؤثرة عالميا علي امتداد قاراته ولكنه كان يقتضي أيضا تحرير المؤسسات الاقتصادية الامريكية من أغلال الرقابة والتحكم الداخلي لتنطلق في تنفيذ مخطط السطو والسيطرة علي العالم وهو ما حققته قرارات الادارات الأمريكية في عهد ريجان ونيكسون وجورج بوش‏,‏ ومن ثم انهارت كل قواعد وآليات الحصانة والتحكم علي السوق المركزية الامريكية وكل العالم ومن خلال سطوة الإقتصاد العابر للحدود علي دول العالم الأخري المتقدمة والصاعدة والنامية‏.‏

وكان حتما أن تتداعي أسباب الخلل وتتصاعد الأزمات في سلسلة من الأزمات المتعاقبة والمتصاعدة والتي مررت علي أنها خلل في الأداء للنظام الرأسمالي حتي وصلت إلي الأزمة الكارثية الحالية التي لم يعد هناك مهرب إلا الإعتراف بأنها أزمة خلل في النظام وليس في الأداء كما صرح أخيرا رئيس الوزارة البريطاني الذي تعتمد بلاده علي ثاني أكبر سوق مالية في العالم بأن ما سبق التعارف عليه علي أنه نظام الاقتصاد الحر لم يعد قابلا للإستمرارية كما أكدت دول الاتحاد الأوروبي وجوب الفصل بين احتياجات إحتواء الحرائق عن طريق خطط الإنقاذ للمؤسسات المنهارة وبين حتمية البداية بالاتفاق علي آليات دولية للرقابة والتحكم للوقاية من نشوب الحرائق قبل بدايتها؟‏!‏