المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قضية رقم 4 لسنة 2 قضائية المحكمة العليا "دستورية"



هيثم الفقى
04-22-2009, 05:57 AM
نص الحكم
------------------


باسم الشعب

المحكمة العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة أول يوليو سنة 1972 م .
برئاسة السيد المستشار بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : محمد عبد الوهاب خليل وعمر حافظ شريف نائبى رئيس المحكمة وحسين حسين قاسم وحسين زاكى وأحمد طوسون حسين ومحمد بهجت عتيبة أعضاء
وحضور السيد المستشار عادل عزيز زخارى نائب رئيس المحكمة رئيس هيئة مفوضى الدولة
وحضور السيد /سيد عبد البارى إبراهيم أمين السر


أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة العليا برقم 4 لسنة 2 قضائية عليا " دستورية " .

الوقائع
أقام إبراهيم محمد الشابورى الدعوى رقم 305 لسنة 1970 تجارى أمام محكمة طنطا الابتدائية ضد وديع واصف أسعد يطلب الحكم بإشهار إفلاسه وتحديد يوم 8 من مارس سنة 1969 تاريخاً مؤقتاً لتوقفه عن الدفع وتعيين أحد قضاة المحكمة مأموراً للتفليسة وتعيين وكيل للدائنين واتخاذ الإجراءات القانونية للمحافظة على أموال المدين وشخصه ووضع الأختام على محاله وجعل المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة على عاتق التفليسة بحكم مشمول بالنفاذ المعجل بغير كفالة وبنسخة الحكم الأصلية . واستند فى دعواه إلى أن له فى ذمة وديع واصف أسعد ديناً مقداره 2275 جنيهاً ثابتاً بسندات إذنية استحق أداؤها وامتنع المدين المذكور عن الوفاء بها وحرر عن ذلك بروتستات عدم الدفع ضده ، وبذلك يكون المدين وهو تاجر ، قد توقف عن دفع الدين التجارى المستحق فى ذمته ومن ثم يتعين إشهار إفلاسه . وقد قررت المحكمة تأجيل الحكم فى الدعوى لجلسة 22 من مارس سنة 1971 . وقدم وديع واصف أسعد فى أثناء ذلك مذكرة بدفاعه دفع فيها بعدم دستورية المواد من 195 إلى 419 من القانون التجارى ، وهى المواد المنظمة للإفلاس ، وقضت المحكمة فى 22 من مارس سنة 1971 بتحديد أربعة أسابيع للمدعى عليه لرفع الدعوى بعدم دستورية هذه المواد أمام المحكمة العليا وحددت لنظر الدعوى جلسة 26 من إبريل سنة 1971 ليقدم ما يدل على رفع الدعوى المذكورة .
وفى 18 من إبريل سنة 1971 أقام وديع واصف أسعد هذه الدعوى ضد رئيس مجلس الوزراء وإبراهيم محمد الشابورى بصحيفة أودعت قلم الكتاب وطلب الحكم بعدم دستورية الباب الثالث من القانون التجارى المصرى بما تضمنه من المواد 195 إلى 419 مع إلزام المدعى عليهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة مستنداً فى ذلك إلى الأسباب المبينة فى صحيفة الدعوى .
وفى 31 من مايو سنة 1971 قضت محكمة طنطا الابتدائية " الدائرة الثانية التجارية " فى الدعوى رقم 305 لسنة 1970 بوقف الفصل فى الدعوى حتى تفصل المحكمة العليا فى دستورية المواد من 195 إلى 419 من القانون التجارى وأبقت الفصل فى المصروفات .
وأودعت الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة .
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة مع إلزام المدعى المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة .
وقد نظرت المحكمة الدعوى بجلسة 3 من يونيو سنة 1972 على النحو المبين بمحضر الجلسة ثم أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم .


المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق ، وسماع الإيضاحات ، وبعد المداولة .
من حيث أن الدعوى قد استوفت الأوضاع المقررة قانوناً .
ومن حيث أن المدعى يطلب الحكم بعدم دستورية المواد من 195 إلى 419 من القانون التجارى المنظمة للإفلاس ويقول بياناً لأوجه مخالفة هذه النصوص لأحكام الدستور :
أولاً :أن القانون التجارى المصرى صدر فى 13 من نوفمبر سنة 1883 وقد ظلت نصوصه المشار إليها المنظمة لموضوع الإفلاس دون تعديل رغم أنها وضعت فى ظل نظام اقتصادى رأسمالى يتعارض مع النظام الاشتراكى الذى اتخذه الدستور الصادر فى سنة 1964 أساساً للنظام الاقتصادى للدولة . ذلك أن هذا النظام الاشتراكى يعنى بطبيعة المشروع التجارى ذاته فيضمن بقاءه واستمراره مادام يحقق مصلحة المجموع ويأخذ مكانه المرسوم فى نطاق الخطة الاقتصادية العامة حتى لو تعرض المشروع لخسارة أو تعثر ائتمانه وذلك فى حين أن نظام الإفلاس لا يأبه بطبيعة المشروع ولا يحميه إذا تعثر ، وقد تضاءلت أهمية هذا النظام وضاق نطاق تطبيقه فى مصر بعد الثورة وعلى وجه الخصوص بعد صدور القوانين الاشتراكية رقم 117 لسنة 1961 ورقم 118 لسنة 1961 ورقم 119 لسنة 1961 التى استحدثت نظماً وأشكالاً جديدة لجوهر النشاط التجارى كله بقطاعيه العام والخاص على السواء فأصبح النشاط التجارى فى مجموعه مرتبطاً بالمصلحة العامة التى تسهر على تحقيقها الدولة الاشتراكية ولا تتركها تحت رحمة الأفراد ومن ثم فقد أصبح متعذراً تطبيق نظام الإفلاس على هذا النشاط طبقاً للأحكام التى كانت سائدة عندما كانت التجارة قائمة على المنافسة الحرة بين المصالح الخاصة للتجارة .
ثانياً :أن نظام الإفلاس يطبق فى شأن الأفراد وشركات القطاع الخاص فى حين أنه ينحسر عن شركات القطاع العام وفى ذلك إخلال بالمساواة وإهدار لمبدأ تكافؤ الفرص الذى نص عليه الدستور
ومن حيث أن الحكومة دفعت الدعوى قائلة أن تقادم العهد على التشريع المنظم للإفلاس لا يصلح سبباً للطعن بعدم دستوريته ، وأن نظام الإفلاس لا يتعارض مع النظام الاشتراكى ولا يخل بالمساواة ولا بمبدأ تكافؤ الفرص ، فقد أفسحت الاشتراكية العربية مجالاً للرأسمالية الوطنية التى يندرج فيها التجار ، مما يقتضى سن القواعد القانونية المنظمة للتجارة ومن بينها قواعد الإفلاس ، التى لا يخضع لها إلا المدين التاجر وقد جعل الشارع شهر الإفلاس جزاء على توقف التاجر عن أداء ديونه التجارية لما يترتب على ذلك من آثار فى ضمان الائتمان الذى تقوم عليه التجارة .
ومن حيث إن المدعى وإن كان قد ساق طعنه بعدم دستورية المواد من 195 إلى 419 من القانون التجارى على نحو مرسل دون تحديد لنصوص الدستور ، التى تخالفها المواد المطعون بعدم دستوريتها إلا أنه يمكن وفقاً لتصوير المدعى لدعواه رد الوجه الأول من وجهى الطعن إلى مخالفة هذه المواد لأحكام المادتين الأولى والرابعة من الدستور الدائم ؛ وهو مرجع المحكمة عند الفصل فى الدعاوى الدستورية وتقابل هاتان المادتان المادتين الأولى والتاسعة من دستور سنة 1964 وترددان أحكامهما ورد الوجه الثانى إلى مخالفة تلك المواد لأحكام المادة الثامنة من هذا الدستور
ومن حيث أنه بالنسبة إلى الوجه الأول من وجهى الطعن المتقدم ذكرهما فإن المادة الأولى من الدستور تنص على أن " جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى وإشتراكى يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة .. " كما تنص المادة الرابعة منه على أن " الأساس الاقتصادى لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكى القائم على الكفاية والعدل بما يحول دون الاستغلال ويهدف إلى تذويب الفوارق بين الطبقات . " وفى خصوص تحديد دور الملكية الخاصة ووضعها فى النظام الاشتراكي الذى جعل منه الدستور الأساس الاقتصادى للدولة تقضى المادة 29 من الدستور بأن " تخضع الملكية لرقابة الشعب وتحميها الدولة ، وهى ثلاثة أنواع : الملكية العامة ، والملكية التعاونية والملكية الخاصة . " كما تقضى المادة 32 بأن " الملكية الخاصة تتمثل فى رأس المال غير المستغل ، وينظم القانون أداء وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية ، دون انحراف أو استغلال ، ولا يجوز أن تتعارض فى طرق استخدامها مع الخير العام للشعب . " ويبين من هذه النصوص أن الدستور قد أفسح للملكية الخاصة ، ومنها رأس المال الخاص المستثمر فى التجارة ، مجالاً لممارسة نشاطها فى خدمة الاقتصاد القومى دون انحراف أو استغلال وفوض المشرع العادى فى تنظيم تأدية وظيفتها الاجتماعية على نحو لا يتعارض مع النظام الاشتراكى ولا ريب فى أن سلطة التشريع فى الأصل سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بقيود محددة .
ومن حيث إن المشرع فى تنظيمه للنشاط التجارى وللروابط التى تنشأ بين التجار قد شرع نظماً لدعم الائتمان منها نظام الإفلاس كوسيلة للتنفيذ الجماعى على أموال المدين التاجر الذى يتوقف عن الوفاء بديونه فى مواعيد استحقاقها وذلك لتصفية هذه الأموال وبيعها وتوزيع ثمنها على الدائنين توزيعاً عادلاً وفقاً لأحكام القانون وقد رأى المشرع بسلطته التقديرية التى لم يقيدها الدستور فى هذا الخصوص بأى قيد أن نظام الإفلاس الذى شرع لتنظيم النشاط التجارى الخاص ودعم الائتمان بين التجار يتنافر فى طبيعته وقواعده مع نظام شركات القطاع العام التى تملك الدولة رأس مالها كله أو بعضه وتخضع لنظام قانونى خاص يلائم طبيعة نشاطها فى خدمة الصالح العام ومن شأن نظام الإفلاس أن يغل هذه الشركات عن ممارسة نشاطها العام ويصفى أموالها التى تعتبر مثقلة بنوع من الارتفاق لصالح الجمهور ويحول من ثم دون تحقيق أهداف الخطة الاقتصادية والاجتماعية للدولة ومن أجل هذا استثناها المشرع بنص صريح من الخضوع لنظام الإفلاس تحقيقاً للأهداف المشار إليها وفيما عدا هذه الحالة لا يزال نظام الإفلاس قائماً نافذاً على التجار متى توافرت شروط تطبيقه وهو نظام لا يخالف أى نص من نصوص الدستور .
ومن حيث إنه عن الوجه الثانى من وجهى الطعن المبنى على مخالفة نظام الإفلاس لمبدأ المساواة وإخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليهما فى الدستور ، فإنه فى الحقيقة موجه إلى نص المادة 76 من قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام المتقدم ذكرها التى استثنت بحق شركات القطاع العام من الخضوع لنظام الإفلاس مع بقائه نافذاً على التجار وشركات القطاع الخاص والطعن فى هذا النص يخرج عن نطاق الدعوى التى تقتصر على الطعن بعدم دستورية المواد من 195 إلى 419 من القانون التجارى التى تنظم موضوع الإفلاس ولا تتضمن استثناء من أحكامها على أن نص المادة 76 من قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع الصادر بالقانون رقم 60 لسنة 1971 لا ينطوى على مخالفة لمبدأ المساواة ولا لمبدأ تكافؤ الفرص فكلا المبدأين يتحققان فى التشريع بتوافر شرطى العموم والتجريد فهما لا يعنيان المساواة الحسابية ذلك لأن المشرع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط تحدد المراكز القانونية التى يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه الشروط فى طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية فإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط المذكورة فى البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بين الفريقين والتجاء المشرع إلى هذا الأسلوب لا يخل بشرطى العموم والتجريد الواجب توافرهما فى القاعدة القانونية لأنه إنما يخاطب الكافة من خلال هذه الشروط . وعلى مقتضى ذلك فإذا كان المشرع قد رأى للاعتبارات التى تقدم ذكرها حظر شهر إفلاس شركات القطاع العام فإنه لم يخالف بذلك مبدأ المساواة ولا مبدأ تكافؤ الفرص اللذين قررهما الدستور فى المادة الثامنة والمادة الأربعين .
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الدعوى لا تقوم على أساس سليم من القانون ومن ثم يتعين الحكم برفضها وبمصادرة الكفالة وإلزام المدعى المصروفات ،


فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ (30 جنيهاً) ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة .