المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قضية رقم 15 لسنة 8 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"



هيثم الفقى
04-10-2009, 01:17 AM
نص الحكم
------------------


باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة 7 ديسمبر سنة 1991 م .
برئاسة السيد المستشار الدكتور /عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبدالرحيم غنيم وعبدالرحمن نصير ومحمد على عبدالواحد والدكتور عبدالمجيد فياض أعضاء
وحضور السيد المستشار / السيد عبدالحميد عمارة المفوض
وحضور السيد / رأفت محمد عبدالواحد أمين السر


أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 15 لسنة 8 قضائية "دستورية " .


الإجراءات
بتاريخ 16 يونية سنة 1986 أودع الأستاذ .... المحامى قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى طلب فيها الحكم بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 الخاص بالإجراءات التى تتخذ وفقاً للمادة 293 من قانون العقوبات .
وقدمت هيئة قضايا الدولة ، مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى أو برفضها .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .


المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
من حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعية كانت قد حصلت على حكم قضائى فى الدعوى رقم 73 لسنة 1984 أحوال شخصية السيدة زينب باستحقاقها نفقة مؤقتة لها ولصغيرها من المدعى عليه الأول . وإذ امتنع عن الوفاء بما فى ذمته من النفقة ، فقد أقامت ضده بالطريق المباشر الجنحة رقم 1156 لسنة 1986 السيدة زينب ، غير أن المدعى عليه الأول دفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها قبل الآوان مستنداً فى ذلك إلى حكم المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 التى لا تجيز – فى الأحوال التى تطبق فيها المادة 347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية – السير فى الإجراءات المنصوص عليها فى المادة 293 من قانون العقوبات ما لم يكن المحكوم له بالنفقة أو بأجرة الحضانة أو الرضاعة قد استنفد الإجراءات المنصوص عليها فى المادة 347 من اللائحة المشار إليها . وإذ كان الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها قبل الآوان متصلاً بالشروط التى تطلبها المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 لجواز تحريكها من قبل المدعية ضد المدعى عليه الأول ، فقد جحدت المدعية دستورية هذا المرسوم بقانون مستندة فى ذلك إلى أنه أتى بقيد على تطبيق المادة 293 من قانون العقوبات كانت السلطة التشريعية قد رفضته من قبل مما يعد تحدياً لها واغتصاباً لسلطتها وخروجاً بالتالى على أحكام الدستور ، هذا بالإضافة إلى انتفاء حالة الضرورة التى تطلبتها المادة 41 من دستور مصر الصادر سنة 1923 لجواز إصدار المرسوم بقانون المطعون عليه ، وكذلك انعدام الدليل على أن البرلمان قد دعى لإقراره ، ومن ثم يزول ما كان له من قوة القانون . وإذ صرحت محكمة الموضوع للمدعية برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقامت الدعوى الماثلة .
وحيث إن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية سواء فى ذلك تلك المتعلقة بالشروط التى يفرضها الدستور لمباشرة الاختصاص بإصدارها فى غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها أو ما كان متصلاً منها باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية ، إنما تتحدد على ضوء ما قررته فى شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها .
وحيث إن البين من الاطلاع على أحكام المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 – الخاص بالإجراءات التى تتخذ وفقاً للمادة 293 من قانون العقوبات – أنه صدر استناداً إلى المادة 41 من دستور مصر الصادر سنة 1923 التى تنص على أنه " إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد البرلمان ما يوجب الإسراع إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فللملك أن يصدر فى شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون بشرط ألا تكون مخالفة للدستور , ويجب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادى وعرض هذه المراسيم عليه فى أول اجتماع له ، فإذا لم تعرض أو لم يقرها أحد المجلسين زال ما كان لها من قوة القانون " .
وحيث إن المدعية تنعى على المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 مخالفته لنص المادة 41 من الدستور المشار إليه مقولة أن حالة الضرورة التى تسوغ إصداره منتفية وأنه أضحى مخالفاً لذلك الدستور وباطلاً .
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءاً بدستور سنة 1923 وانتهاء بالدستور القائم ، تفصح جميعها عن اعتناقها لنظرية الضرورة وتضمينها لأحكامها فى صلبها تمكيناً للسلطة التنفيذية – فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيبتها – من مواجهة أوضاع قاهرة أو ملحة تطرأ خلال هذه الفترة الزمنية وتلجئها إلى الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فى شأنها ، ومن ثم يكون تدخلها بهذه التدابير ، وتطبيقها لها ، مبرراً بحالة الضرورة ومستنداً إليها ، وبالقدر الذى يكون متناسباً مع متطلباتها ، وبوصفها تدابير من طبيعة استثنائية ، ذلك أن الأصل فى نصوص الدستور – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنها تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة ، وهى باعتبارها كذلك تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين احترامها والعمل بموجبها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة وأحقها بالنزول على أحكامها . وإذ كان الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية وما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل فى نطاقها ، بل تعد استثناء يرد على أصل انحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظائفها ، وكان الدستور قد حصر هذه الأعمال الاستنثائية وبين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها ، تعين على كل سلطة فى مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة التى عينها الدستور ، وإلا وقع عملها مخالفاً لأحكامه .
وحيث إن سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقاً للدستور فى إطار وظيفتها الأصلية ، وكان الأصل هو أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التى أسندها الدستور لها وأقامها عليها ، إلا أن الدساتير المصرية جميعها ، ومن بينها دستور سنة 1923 ، كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منها لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلاً ، بضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام فى ربوعها إزاء ما قد تواجهه – فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها – من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التى تواكبها ، يستوى فى ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعى يكون لازماً لمواجهة التزاماتها الدولية التى حل ميعاد إيفائها قبل انعقاد السلطة التشريعية ، ولقد كان النهج الذى التزمته هذه الدساتير على اختلافها – وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة – هو تخويلها السلطة التنفيذية الاختصاص باتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع استثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها . وتلك هى حالة الضرورة التى اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التى تطلبها لمزاولة هذا الاختصاص الاستثنائى ، ذلك أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى هذا النطاق لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية فى المجال التشريعى ، إذ كان ذلك ، وكانت التدابير العاجلة التى تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها ، فإن انفكاكها عنها يوقعها فى حومة المخالفة الدستورية ، ذلك أن توافر حالة الضرورة – بضوابطها الموضوعية التى لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها – هى علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة بل هى مناط مباشرتها لهذا الاختصاص ، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التى تباشرها هذة المحكمة للتحقق من قيامها فى الحدود التى رسمها الدستور لها ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية – وهى من طبيعة استثنائية – إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها أو انحرافها .
وحيث إن ما تنعاه المدعية من انتفاء حالة الضرورة التى تسوغ إصدار المرسوم بقانون المطعون عليه ، مردود بأنه صدر فى شأن يتعلق بالتنظيم القضائى الذى أضحى إرساء قواعده أمراً محتوماً تنفيذاً لاتفاق إلغاء الامتيازات الأجنبية ، فقد حل هذا المرسوم بقانون – وعلى ما يبين من مذكرته التفسيرية وتقرير لجنة الحقانية بمجلس النواب – إشكالاً كان قد ثار فى العمل فى شأن تطبيق كل من المادتين 293 من قانون العقوبات و347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، فجعل أعمال المادة 293 المشار إليها ممتنعاً قبل استنفاد الإجراءات المنصوص عليها فى المادة 347 من اللائحة المذكورة ، كما قضى بأن التنفيذ بالإكراه البدنى الذى يقع طبقاً للمادة المذكورة تستنزل مدته من عقوبة الحبس التى يحكم بها طبقاً للمادة 293 من قانون العقوبات ، وبذلك حدد هذا المرسوم بقانون اختصاص كل جهة ، ومواضع التطبيق لكل من هاتين المادتين . هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى تدل مضبطة الجلسة الثالثة لدور الانعقاد العام المنعقد فى 8 نوفمبر سنة 1937 على أن المرسوم بقانون المطعون عليه صدر ضمن مراسيم بقوانين أخرى هى المرسوم بقانون رقم 88 لسنة 1937 بشأن توسيع اختصاص المحاكم المختلطة بالنسبة لرعايا بعض الدول ، والمرسوم بقانون رقم 89 لسنة 1937 الخاص بالتشريع الذى تطبقه المحاكم المختلطة ، والمرسوم بقانون رقم 90 لسنة 1937 بتعديل الأمر العالى الصادر فى 14 يونيه سنة 1938 بلائحة ترتيب المحاكم الأهلية ، والمرسوم بقانون رقم 91 لسنة 1937 بشأن اختصاص محاكم الأحوال الشخصية المصرية ، والمرسوم بقانون رقم 93 لسنة 1937 بتعديل الباب الرابع من الكتاب الأول من قانون المرافعات المدنية والتجارية المختلطة والمرسوم بقانون رقم 94 لسنة 1937 والخاص بالإجراءات فى مواد الأحوال الشخصية . وجميعها تتعلق بالتنظيم القضائى وتحديد اختصاصات المحاكم والقوانين التى تطبقها والقواعد الإجرائية التى تتبع أمامها بعد إبرام الاتفاق الخاص بإلغاء الامتيازات الأجنبية ولائحة التنظيم القضائى للمحاكم المختلطة وما يترتب عليها ، والموقع عليه بمونترو فى 8 مايو سنة 1937 بين مصر ومندوبى الدول صاحبة الامتيازات والصادر بالموافقة عليه فى 24 يولية سنة 1937 القانون رقم 48 لسنة 1937 ، إذ كان ذلك وكان البين من هذه المضبطة أن صدور هذه المراسيم اقتضته ضرورة لا تحتمل التأخير تتمثل فى وجوب العمل بها ابتداء من 15 أكتوبر سنة 1937 تنفيذاً للاتفاق المشار إليه ، فإن رئيس الدولة إذ أصدر التشريع المطعون عليه فى تلك الظروف ، لا يكون مجاوزاً حدود سلطته طبقاً للمادة 41 من دستور سنة 1923 .
وحيث إن النعى بزوال قوة القانون التى كانت للمرسوم بقانون المطعون عليه لعدم دعوة البرلمان لإقراره ، مردود بأن الثابت من مضابط البرلمان دعوته إلى اجتماع غير عادى وعرض هذا المرسوم بقانون عليه فى أول اجتماع له ، وأن مجلس الشيوخ قد أقره بالجلسة الثانية لدورة الانعقاد غير العادى المنعقدة بتاريخ أول نوفمبر سنة 1937 كذلك أقره مجلس النواب بالجلسة الثالثة لهذا الدور المنعقدة بتاريخ 8 نوفمبر سنة 1937 – إذ كان ذلك ، وكان البرلمان بمجلسيه قد أقر المرسوم بقانون المطعون عليه على ما سلف البيان ، فإن قوة القانون تستقر بصفة نهائية لأحكامه المطابقة فى نصها وفحواها للدستور ، ويكون هذا الوجه من النعى بالتالى على غير أساس حرياً بالرفض .
وحيث إن ما تنعاه المدعية من أن المرسوم بقانون المطعون عليه قد تضمن قيوداً على حكم المادة 293 من قانون العقوبات خلافاً للاتجاه الذى كان سائداً عند اقتراع البرلمان على نص المادة المذكورة ، مردود بأنه لما كان رئيس الدولة قد أصدر هذا المرسوم استناداً إلى المادة 41 من دستور سنة 1923 ، وكانت المراسيم بقوانين التى تصدر طبقاً لهذه المادة لها بصريح نصها قوة القانون ، ومن ثم فإنها تتناول بالتنظيم ما يتناوله القانون ، كذلك فإن هذا العيب لو صح ، لا يعدو أن يكون نعياً بمخالفة مرسوم بقانون لاتجاه ساد المجلس التشريعى ولا يصلح بالتالى سبباً للطعن على نص فى قانون أو لائحة بعدم الدستورية ، ذلك أن المناط فى تقرير دستورية النص التشريعى أو عدم دستوريته هو باتفاقه أو مخالفته لأحكام الدستور المنوط بهذه المحكمة صونها وحمايتها .


فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعية المصروفات ، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .