المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قضية رقم 30 لسنة 9 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"



هيثم الفقى
04-10-2009, 01:15 AM
نص الحكم
------------------


باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة 7 ديسمبر سنة 1991 م .
برئاسة السيد المستشار الدكتور /عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبدالرحيم غنيم وسامى فرج يوسف والدكتور عبدالمجيد فياض وماهر على أحمد البحيرى
وحضور السيد المستشار / السيد عبدالحميد عمارة المفوض
وحضور السيد / رأفت محمد عبدالواحد أمين السر


أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 30 لسنة 9 قضائية " دستورية " .


الإجراءات
بتاريخ 21 يونيو سنة 1987 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية القانون رقم 9 لسنة 1986 بتصحيح أوضاع العاملين بهيئة قناة السويس ، مع ما يترتب على ذلك من آثار .
وطلبت هيئة قضايا الدولة رفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .


المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى أقام الدعوى رقم 387 لسنة 1 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة طعناً فى القرار الصادر عن عضو مجلس إدارة هيئة قناة السويس المنتدب رقم 322 لسنة 1976 بتصحيح أوضاع العاملين بالهيئة لما تضمنه ذلك القرار من مساس بالحق المكتسب للمدعى فى الوظيفة والدرجة المالية بأثر رجعى ، وبتاريخ 23 يونية سنة 1983 قضت المحكمة بأحقية المدعى فى طلباته ، فطعنت هيئة قناة السويس فى هذا الحكم طالبة إلغاؤه ، وقيد الطعن برقم 3384 لسنة 29 ق إدارية عليا ، وإذ صدر القانون رقم 9 لسنة 1986 بتصحيح أوضاع العاملين بهيئة قناة السويس ، فقد دفع المدعى أمام المحكمة الإدارية العليا بعدم دستورية هذا القانون ، وصرحت له المحكمة بإقامة الدعوى الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن القانون رقم 9 لسنة 1986 بتصحيح أوضاع العاملين بهيئة قناة السويس ينص فى مادته الأولى على أنه " مع عدم الإخلال بالأحكام النهائية ، تعتبر صحيحة التسويات التى أجرتها هيئة قناة السويس للعاملين بالهيئة الموجودين فى خدمتها فى 31 ديسمبر سنة 1974 متى كانت مطابقة لأحكام قرار مجلس إدارة الهيئة الصادر فى هذا الشأن بتاريخ 12 مايو سنة 1976 " ، كما تنص مادته الثانية على أن " ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية ويعمل به من اليوم التالى لتاريخ نشره " .
وحيث إن من بين ما ينعاه المدعى على أحكام هذا القانون انطواءه على أثر رجعى ، أفصحت عنه مادته الأولى وذلك بتحصينها التسويات التى انقضى عليها زهاء عشر سنين ، دون أن يقره مجلس الشعب بالأغلبية الخاصة التى تطلبتها المادة 187 من الدستور بالنسبة للقوانين المتضمنة أثراً رجعياً .
وحيث إن هذا النعى فى محله ، ذلك أن الأصل فى القانون هو أن يسرى بأثر مباشر على ما يقع بعد نفاذه ، فإذا سرى القانون على وقائع تم تكوينها أو على مراكز قانونية اكتملت عناصرها قبل العمل بأحكامه ، فإن هذا القانون يكون متضمناً أثراً رجعياً لا يجوز تقريره إلا فى المواد غير الجنائية – وبعد استيفاء الأغلبية الخاصة التى اشترطتها المادة 187 من الدستور كضمانة أساسية للحد من الرجعية وتوكيداً لخطورتها فى الأعم الأغلب من الأحوال إزاء ما تهدره من حقوق وتخل به من استقرار ، ويتعين بالتالى أن تصدر القوانين رجعية الأثر عن السلطة التشريعية بأغلبية أعضائها فى مجموعهم ، وليس بالأغلبية المعتادة المنصوص عليها فى المادة 107 من الدستور وهى الأغلبية المطلقة للحاضرين منهم . إذ كان ذلك ، وكانت التسويات التى اعتمدتها المادة الأولى من القانون رقم 9 لسنة 1986 المشار إليها ، هى فى حقيقتها وقائع قانونية أكتمل تكوينها قبل العمل بالقانون المطعون فيه الذى أقرها ، إذ أجرتها هيئة قناة السويس إعمالاً لقرار صدر عن مجلس إدارتها فى 12 مايو سنة 1976 ، وهو تاريخ سابق على العمل بأحكام القانون رقم 9 لسنة 1986 المطعون فيه ، وكان من المقرر فى مجال تحديد رجعية القانون من عدمها ، أن الأمر المعتبر فى هذا التحديد إنما يتعلق بتاريخ تحقق الواقعة القانونية التى رتب عليها المشرع أثراً ، وكان إسباغ القانون المشار إليه الصحة على التسويات التى تمت فى تاريخ سابق على العمل بأحكامه مؤداه انفاذها جبراً على أطرافها بحكم القانون بأثر ينعطف على الماضى ويرتد إلى تاريخ إجرائها ، فإن قالة انتفاء الأثر الرجعى لحكم المادة الأولى من القانون المطعون فيه ، لا يكون لها محل . كما أنه لا وجه كذلك للاستناد إلى المادة الثانية من القانون المطعون فيه للقول بأن مادته الأولى لا تسرى إلا بأثر مباشر ، ذلك أن المشرع لم يتدخل بالمادة الأولى من القانون المطعون فيه لتعديل أسس التسوية التى أجرتها هيئة قناة السويس قبل نفاذه ، وإنما اعتد فى مجال تقريره لصحتها ، بحالتها التى نشأت عليها ابتداء بشرط أن تكون مطابقة فى مضمونها لأحكام قرار سابق صدر عن مجلس إدارة الهيئة فى 12 مايو سنة 1976 ، وبذلك لا يتعلق هذا القانون بغير التسويات التى تمت فى الماضى والتى اكتمل تكوينها قبل العمل بأحكامه . ولا يعدو إضفاء الصحة عليها إلا توكيداً لمشروعيتها منذ إجرائها ، فجاء بذلك متضمناً أثراً رجعياً ، وهى رجعية تكمن مقوماتها فى مادته الأولى ومستفادة بالضرورة من دلالة عبارتها . يؤيد هذا النظر أن مشروع القانون المطعون فيه كان ينص صراحة على الأثر الرجعى لأحكامه حيث تضمنت مادته الثانية آنذاك أن يعمل به اعتباراً من تاريخ العمل بقرار مجلس إدارة هيئة قناة السويس الصادر بتاريخ 12 مايو سنة 1976 غير أن السيد / وزير شئون مجلسى الشعب والشورى – وعلى ما يبين من مضبطة الجلسة الخمسين لمجلس الشعب المعقودة فى 21 ابريل سنة 1986 – أفصح عن رغبة الحكومة " فى محو شبهة الأثر الرجعى " واقترح – تحقيقاً لهذه الغاية – العمل بالقانون اعتباراً من اليوم التالى لتاريخ نشره فى الجريدة الرسمية ، وهو اقتراح لم يغير من مضمون المادة الأولى من القانون المطعون فيه ولا يبدل من حقيقتها ولا ينال من الأغراض التى استهدفتها ممثلة فى إقرار أوضاع وظيفية تمت تسويتها فعلاً فى مرحلة سابقة على العمل بهذا القانون .
لما كان ذلك ، وكانت المادة 107 من الدستور تنص على أن انعقاد مجلس الشعب لا يكون صحيحاً إلا بحضور أغلبية أعضائه ، ويتخذ المجلس قراراته بالأغلبية المطلقة للحاضرين ، وذلك فى غير الحالات التى تشترط فيها أغلبية خاصة ، وكانت المادة 187 من الدستور تنص على أن أحكام القوانين لا تسرى إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها ، ومع ذلك يجوز – فى غير المواد الجنائية – النص فى القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب . إذ كان ذلك ، وكان الإجراء الذى تطلبه الدستور لإقرار الأثر الرجعى للقانون هو إجراء خاص فرضه استثناء من الأصل المقرر فى هذا الشأن ، انطلاقاً من خطورة الآثار التى تحدثها الرجعية فى محيط العلاقات القانونية ، فإن الدليل على استيفاء هذا الإجراء يتعين أن يكون جلياً لا يحتمل التأويل ثابتاً على وجه قطعى . وإذ كان القانون المطعون فيه – بعد تعديل مشروعه على الوجه السالف بيانه – قد ووفق عليه " بالأغلبية " حسبما تدل على ذلك مضبطة الجلسة الخمسين لمجلس الشعب المعقودة صباح الاثنين الموافق 21 من ابريل سنة 1986 ، وكانت هذه المضبطة ذاتها قد خلت مما يؤكد أن هذه الأغلبية هى الأغلبية الخاصة التى اشترطتها المادة 187 من الدستور ممثلة فى أغلبية أعضاء المجلس فى مجموعهم لا الأغلبية المطلقة للحاضرين منهم ، فإن استيفاء الإجراء الخاص لا يكون قد تم على الوجه الذى يتطلبه الدستور ، يؤكد ذلك أن الاقتراع على هذا المشروع قد تم بافتراض انتفاء الأثر الرجعى لمادته الأولى وهو افتراض يصادم مفهومها وينقض الأساس الذى تقوم عليه ، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم دستوريتها .
لما كان ذلك ، وكانت المادة الثانية من القانون المطعون فيه لا يمكن تصور وجودها مستقلة ومنفصلة عن مادته الأولى بالنظر إلى ارتباطهما ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، فإنها تسقط تبعاً لإبطال المادة الأولى مما يستوجب القضاء بعدم دستورية القانون رقم 9 لسنة 1986 المشار إليه برمته .


فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية القانون رقم 9 لسنة 1986 بتصحيح أوضاع العاملين بهيئة قناة السويس ، وألزمت الحكومة المصروفات ، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .