المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قضية رقم 44 لسنة 7 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"



هيثم الفقى
04-09-2009, 12:43 AM
نص الحكم
------------------


باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة 7 مايو سنة 1988.
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مصطفى حسن رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين/ منير أمين عبد المجيد وفوزى أسعد مرقس ومحمد كمال محفوظ وشريف برهام نور والدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وواصل علاء الدين.
وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة المفوض
وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد أمين السر


أصدرت الحكم الآتي
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا 44 برقم لسنة 7 قضائية "دستورية" .


"الإجراءات"
بتاريخ 21 يوليه سنة 1985، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الطعن رقم 777 لسنة 30 قضائية عليا، بعد أن قضت المحكمة الإدارية العليا " الدائرة الأولى" فى 4 مايو سنة 1985 بوقف الطعن وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية البندين (ثانياً) و(سابعاً) من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


"المحكمة"
بعد الإطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد تقدم – عن نفسه وبصفته وكيلاً عن ستين عضواً مؤسساً – إلى لجنة شئون الأحزاب السياسية فى 11 أغسطس سنة 1983 بإخطار كتابى عن تأسيس حزب .................. مرفقاً به المستندات التى يتطلبها القانون. وبتاريخ 18 ديسمبر سنة 1983 أصدرت اللجنة قراراً مسبباً بالاعتراض على تأسيس الحزب، فطعن المدعى على هذا القرار أمام المحكمة الإدارية العليا " الدائرة الأولى" بالطعن رقم 777 لسنة 30 قضائية طالباً الحكم بإلغائه. وأثناء نظر الطعن أضافت الحكومة سببين جديدين للاعتراض على تأسيس الحزب. مبناهما أن حزب .... ليس متميزاً فى برنامجه وسياسته تميزاً ظاهراً عن حزب .... وإن الطاعن قام بالتوقيع على أحد البيانات التى تضمنت دعوة إلى تحبيذ وترويج اتجاهات تتعارض مع معاهدة السلام مع إسرائيل، الأمر الذى ينتفى معه الشرطان الواردان فى البندين (ثانياً) و(سابعاً) من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية، وإذ تراءى للمحكمة الإدارية العليا عدم دستورية هذين البندين، فقد قضت فى 4 مايو سنة 1985 بوقف الطعن وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريتهما.
وحيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 40لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية تنص على أنه " يتشرط لتأسيس أو استمرار أى حزب سياسى ما يلي:
(أولاً) ...................................
(ثانياً) تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه فى تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى.
(ثالثا) ...................................
(رابعاً) ...................................
(خامساً) ...................................
(سادساً) عدم انتماء أى من مؤسسى أو قيادات الحزب أو ارتباطه أو تعاونه مع أحزاب أو تنظيمات أو جماعات معادية أو مناهضة للمبادئ المنصوص عليها فى البند ( أولاً) من هذه المادة أو فى المادة 3 من هذا القانون أو فى المادة الأولى من القانون رقم 33 لسنة 1978 ( بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي) المشار إليه أو للمبادئ التى وافق عليها الشعب فى الاستفتاء على معاهدة السلام أو إعادة تنظيم الدولة بتاريخ 20 أبريل سنة 1979.
(سابعاً) ألا يكون بين مؤسسى الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوة أو المشاركة فى الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأية طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع المبادئ المنصوص عليها فى البند السابق ".
وحيث إن مبنى النعى على البند (ثانيا) من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 المشار إليه، أن البند المذكور إذ اشترط لتأسيس الحزب السياسى أو استمراره التميز الظاهر فى برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه عن الأحزاب الأخرى مع أن الشروط التى حددتها المادة الرابعة من القانون المشار إليه لتأسيس الأحزاب السياسية هى من الإفاضة والشمول على نحو يجعل "التشابه بين مبادئها وبرامجها وأساليبها أمراً وارداً" فإن هذا البند المطعون عليه يكون قد انطوى على إخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات والعامة وتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص فى تأسيس الأحزاب السياسية لما يؤدى إليه من إباحته للبعض وحظره على البعض الآخر بالمخالفة للمادتين 8، 40 من الدستور.
وحيث إن المادة الخامسة من الدستور – المعدلة بتاريخ 22 مايو سنة 1980 – تنص على أن "يقوم النظام السياسى فى جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك فى إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدستور وينظم القانون الأحزاب السياسية " وقد تحقق بهذا التعديل تغيير جذرى فى إحدى ركائز النظام السياسى فى الدولة، ذلك أن هذه المادة كانت تنص قبل تعديلها على أن " الاتحاد الاشتراكى العربى هو التنظيم السياسى الذى يمثل بتنظيماته القائمة على أساس مبدأ الديمقراطى تحالف قوى الشعب العاملة من الفلاحين والعمال والجنود المثقفين والرأسمالية الوطنية.....................".
وبموجب هذا التعديل يكون الدستور قد استعاض عن التنظيم الشعبى الوحيد ممثلاً فى الاتحاد الاشتراكى العربى بنظام تعدد الأحزاب وذلك تعميقاً للنظام الديمقراطى الذى أقام عليه الدستور البنيان السياسى للدولة بما نص عليه فى مادته الأولى من أن " جمهورية مصر العربية دولة نظامها اشتراكى ديمقراطى يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة......." وبما ردده فى كثير من مواده من أحكام ومبادئ تحدد مفهوم الديمقراطية التى أرساها وتشكل معالم المجتمع الذى ينشده سواء ما اتصل منها بتوكيد السيادة الشعبية – وهى جوهر الديمقراطية – أو بكفالة الحقوق والحريات العامة – وهى هدفها – أو بالاشتراك فى ممارسة السلطة – وهى وسيلتها – كما جاء ذلك التعديل انطلاقاً من حقيقة أن الديمقراطية تقوم أصلاً على الحرية وأنها تتطلب – لضمان إنفاذ محتواها – تعدداً حزبياً ، بل هى تحتم هذا التعدد كضرورة لازمة لتكوين الإرادة الشعبية وتحديد السياسة القومية تحديداً حراً واعياً.
وحيث إن الدستور إذ نص فى مادته الخامسة على تعدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسى فى الدولة، فإنه يكون قد كفل بالضرورة حرية تكوينها وضمان حق الانضمام إليها، إلا أنه لم يشأ أن يطلق الحرية الحزبية إطلاقاً لا سبيل معه إلى تنظيمها، وإنما أراد – حسبما نصت على ذلك المادة الخامسة منه – أن يكون التعدد الحزبى دائراً فى إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدستور، كما جعل جانب التنظيم التشريعى فيه أمراً مباحاً، إذ عهد إلى القانون تنظيم الأحزاب السياسية، على أن يقف التدخل التشريعى – بناء على هذا التفويض – عند حد التنظيم الذى ينبغى ألا يتضمن نقضاً للحرية الحزبية أو إنتقاصاً منها وأن يلتزم بالحدود والضوابط التى نص عليها الدستور، فإن جاوزه إلى حد إهدار الحرية ذاتها أو النيل منها أو خرج على القواعد والضوابط التى نص عليها الدستور، وقع القانون – فيما تجاوز فيه دائرة التنظيم – مخالفاً للدستور.
وحيث إن الأحزاب السياسية وهى جماعات منظمة تعنى أساساً بالعمل بالوسائل الديمقراطية للحصول على ثقة الناخبين بقصد المشاركة فى مسئوليات الحكم لتحقيق برامجها التى تستهدف الإسهام فى تحقيق التقدم السياسى والاجتماعى والاقتصادى للبلاد، وهى أهداف وغايات كبرى تتعلق بصالح الوطن والمواطنين، تتلاقى عندها الأحزاب السياسية الوطنية جميعها أو تتحاذى فى بعض مناحيها الأمر الذى يجعل التشابه أو التقارب بين الأحزاب السياسية فى هذه الأهداف أمراً وارداً، ومن ثم لم يشترط البند ثانياً من المادة الرابعة من قانون الأحزاب المشار إليه أن يقع التميز الظاهر فى مبادئ وأهداف الحزب كشرط لتأسيسه أو استمراره وذلك بقصد إفساح المجال لحرية تكوينها، بل جاء الشرط مقصوراً على برنامج الحزب وسياساته وأساليبه التى يسعى بها لتحقيق مبادئه وأهدافه ضماناً للجدية حتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية تسانده وأن يكون فى وجود الحزب إضافة جديدة للعمل السياسى ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى إثراء للعمل الوطنى ودعماً للممارسة الديمقراطية تبعاً لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوسعة لنطاق المفاضلة بينها واختيار أصلح الحلول وأنسبها. لما كان ذلك وكان اشتراط تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه فى تحقيق مبادئه وأهدافه تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى مما يدخل فى نطاق التنظيم التشريعى الذى عهد به الدستور إلى القانون ، وقد ورد النص عليه فى البند (ثانياً) من المادة الرابعة من قانون الأحزاب عاماً مجرداً لينطبق حكمه على جميع الأحزاب السياسية التى صدر القانون منظماً لها، دون أن يميز فى مجال تطبيقه بين حزب وآخر، سواء عند نشوء الحزب أو كشرط لاستمراره الأمر الذى يتحقق به مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ المساواة لدى القانون اللذان قررهما الدستور فى المادتين 8، 40 منه، ومن ثم يكون النعى على نص البند المذكور مخالفته هاتين المادتين على غير أساس سليم متعيناً رفضه.
وحيث إن النعى على نص البند (سابعاً) من المادة الرابعة من قانون الأحزاب المشار إليه. يقوم على أن البند المذكور إذ اشترط ألا يكون بين مؤسسى الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوة أو المشاركة فى الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأية طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو الاتجاهات أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التى وافق عليها الشعب فى الاستفتاء بتاريخ 20 أبريل سنة 1979، يكون هذا البند قد انطوى على مصادرة لحرية الرأى بالمخالفة للمادة 47 من الدستور.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923على تقرير الحريات والحقوق العامة فى صلبها قصداً من الشارع الدستورى أن يكون لهذه الحريات والحقوق قوة الدستور وسموه على القوانين العادى وحتى يكون النص عليها فى الدستور قيداً على المشرع العادى فيما يسنه من قواعد وأحكام فتارة يقرر الدستور الحرية العامة ويبيح للمشرع العادى تنظيمها لبيان حدود الحرية وكيفية ممارستها من غير نقص أو انتقاص منها، وطوراً يطلق الحرية العامة إطلاقاً يستعصى على التقييد والتنظيم فإذا خرج المشرع فيما يضعه من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، بأن قيد حرية وردت فى الدستور مطلقة، أو أهدر أو انتقص من حرية تحت ستار التنظيم الجائز دستورياً، وقع عمله التشريعى مشوباً بعيب مخالفة الدستور.
وحيث إن حرية الرأى هى من الحريات الأساسية التى تحتمها طبيعة النظام الديمقراطى وتعد ركيزة لكل حكم ديمقراطى سليم ، إذ يقوم هذا النظام فى جوهره على مبدأ أن " السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات" ، وهو ما أكده الدستور القائم بالنص عليه فى المادة الثالثة منه، وقررت مضمونه الدساتير المصرية السابقة عليه بدءاً بدستور سنة 1923، ولا شك أن مبدأ السيادة الشعبية يقتضى أن تكون للشعب – ممثلاً فى نوابه أعضاء السلطة التشريعية – الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شئون عامة، وأن تكون للشعب أيضاً بأحزابه ونقاباته وأفراده رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأى الحر والنقد البناء لما تجريه السلطة الحاكمة من أعمال وتصرفات وفضلاً عن ذلك فإن حرية الرأى تعتبر بمثابة الحرية الأصل التى يتفرع عنها الكثير من الحريات والحقوق العامة الفكرية والثقافية وغيرها وتعد المدخل الحقيقى لممارستها ممارسة جدية، كحق النقد، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، وحرية البحث العلمى والإبداع الأدبى والفنى والثقافي، وحق الاجتماع للتشاور وتبادل الآراء، وحق مخاطبة السلطات العامة، كما تعد حرية الرأى ضرورة لازمة لمباشرة الحقوق السياسية وإمكان المساهمة بهذه الحقوق العامة فى الحياة السياسية مساهمة فعالة كحق تكوين الأحزاب السياسية وحق الانضمام إليها وحق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأى فى الاستفتاء، بل إن قانون الأحزاب السياسية – وقد صدر فى سنة 1977 قبل تعديل المادة الخامسة من الدستور سنة 1980 بالنص فيها على نظام تعدد الأحزاب – حين أراد واضعوا القانون المشار إليه أن يقيموا هذا القانون على أساس من الدستور، قد ارتكنوا على ما يبين من مذكرته الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية عنه – إلى بعض الحريات والحقوق العامة المقررة فى الدستور، ومنها حرية الرأى والعقيدة السياسية باعتبار أن حق تكوين الأحزاب يعد حقاً دستورياً متفرعاً عنها ومترتباً عليها، وإستناداً إلى أن النظم الديمقراطية تقوم على أساس التسليم بقيام الأحزاب السياسية باعتبارها ضرورة واقعية للتعبير عن اختلاف الرأى الذى تحتمه طبيعتها الديمقراطية ولو لم ينص الدستور صراحة على حرية تكوين الأحزاب السياسية وتنظيمها، وإذ كانت حرية الرأى تعد من الدعامات الأساسية التى تقوم عليها النظم الديمقراطية الحرة على ما سلف بيانه، فقد غدت من الأصول الدستورية الثابتة فى كل بلد ديمقراطى متحضر وحرصت على توكيدها الدساتير المصرية المتعاقبة، وقررها الدستور القائم بالنص فى المادة 47 منه على أن " حرية الرأى مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو بالكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون. والنقد الذاتى والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني" . ولئن كان الدستور قد كفل بهذا النص "حرية التعبير عن الرأي" بمدلوله الذى جاء عاماً مطلقاً ليشمل الرأى فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فإنه مع ذلك قد خص حرية الآراء السياسية برعاية أو فى لما لها من ارتباط وثيق بالحياة السياسية وبسير النظام الديمقراطى فى طريقة الصحيح، ذلك أن الضمانات التى قررها الدستور بشأن حرية الصحافة واستقلالها فى أداء رسالتها وحظر الرقابة عليها أو إنذارها أو وقفها أو إلغائها بالطريق الإدارى – حسبما نصت على ذلك المواد 48 ، 206، 207 ، 208 من الدستور – إنما تستهدف أساساً كفالة حرية الآراء السياسية باعتبار أن حرية الصحافة هى السياج لحرية الرأى والفكر.
وحيث إنه لما كانت حرية التعبير عن الرأى لا يقتصر أثرها على صاحب الرأى وحده، بل يتعداه إلى غيره وإلى المجتمع، ومن ثم لم يطلق الدستور هذه الحرية، وإنما أباح للمشرع تنظيمها بوضع القواعد والضوابط التى تبين كيفية ممارسة الحرية بما يكفل صونها فى إطارها المشروع دون أن تجاوزه إلى الإضرار بالغير أو بالمجتمع.
وحيث إنه وإن كان من المقرر طبقاً لقواعد القانون الدولى العام. إن المعاهدات الدولية التى يتم إبرامها والتصديق عليها وإستيفاء الإجراءات المقررة لنفاذها لها قوتها الملزمة لأطرافها، وأن على الدول المتعاقدة احترام تعهداتها المقررة بمقتضاها طالما ظلت المعاهدة قائمة ونافذة، إلا أن ذلك لا يضفى على المعاهدة حصانة تمنع المواطنين من مناقشتها ونقدها وإبداء رأيهم فيها، ذلك أن حرية التعبير عن الرأي- بما تشمله من إباحة النقد –هى حرية عامة دستورية مقررة بنص المادة 47 من الدستور، لكل مواطن أن يمارسها فى حدودها المشروعة، يؤكد ذلك أن الدستور كفل فى المادة 62 منه للمواطن حقوقاً عامة سياسية واعتبر مساهمته فى الحياة العامة عن طريق ممارسة تلك الحقوق واجباً وطنياً، ومن هذه الحقوق، حق إبداء الرأى فى الاستفتاء، وإذ كان الرأى يحتمل القبول والرفض، فإن هذا النص الدستورى يكون قد أقر للمواطن بحريته التامة فى الموافقة أو عدم الموافقة على ما يجرى عليه الاستفتاء من أمور، وجاء مؤكداً لحريته فى التعبير عن رأيه فيما يعرض عليه من مسائل أو يدور حوله من أحداث على النحو الذى ترتاح إليه نفسه ويطمئن إليه وجدانه، ومن ثم لا يجوز أن يكون استعمال المواطن لحرية عامة كفلها الدستور، هى حريته فى التعبير عن رأيه سبباً فى حرمانه من حق أو حرية عامة أخرى قررها الدستور.
لما كان ذلك وكان البند (سابعاً) من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية فيما تضمنه من اشتراط "ألا يكون بين مؤسسى الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوة أو المشاركة فى الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأية طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التى وافق عليها – الشعب فى الاستفتاء بتاريخ20 أبريل سنة 1979" . مؤداه حرمان فئة من المواطنين من حقهم فى تكوين الأحزاب السياسية حرماناً أبدياً وهو حق كفله الدستور حسبما يدل عليه لزوماً نص المادة الخامسة منه، وقد رتب النص المطعون عليه – فى شق منه – هذا الحرمان على أخذ هؤلاء الأشخاص بآرائهم التى تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل سالفة الذكر، فإن هذا النص يكون قد انطوى على إخلال بحريتهم فى التعبير عن الرأى وحرمانهم مطلقاً ومؤبداً من حق تكوين الأحزاب السياسية بما يؤدى إلى مصادرة هذا الحق وإهداره ويشكل بالتالى مخالفة للمادتين 5، 47 من الدستور.
وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم برفض الطعن بعدم دستورية نص البند (ثانيا) من المادة الرابعة من القانون رقم 40لسنة 1977الخاص بنظام الأحزاب السياسية، وبعدم دستورية البند (سابعاً) من المادة الرابعة من القانون المشار إليه فيما تضمنه من اشتراط ألا يكون بين مؤسسى الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوة أو المشاركة فى الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأية طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل التى توافق عليها الشعب فى الاستفتاء بتاريخ 20 أبريل سنة 1979.


"لهذه الأسباب"

حكمت المحكمة:
(أولا) برفض الطعن بعدم دستورية البند (ثانياً) من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية.
(ثانيا) بعدم دستورية البند (سابعاً) من المادة الرابعة من القانون المشار إليه فيما تضمنه من اشتراط ألا يكون بين مؤسسى الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوة أو المشاركة فى الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأى طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل التى وافق عليها الشعب فى الاستفتاء بتاريخ 20 أبريل لسنة 1979.