المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قضية رقم 70 لسنة 6 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"



هيثم الفقى
04-09-2009, 12:24 AM
نص الحكم
------------------
باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت 4 من أبريل 1987م الموافق 6 شعبان 1407ه.
برئاسة السيد المستشار/ محمد على بليغ رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين/ محمود حمدى عبد العزيز وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ورابح لطفي جمعة والدكتور محمد إبراهيم ابو العينين وواصل علاء الدين أعضاء
وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عماره المفوض
وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد أمين السر
أصدرت الحكم الآتي

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 70 لسنة 6 قضائية "دستورية".
المرفوعة من:

- رئيس مجلس إدارة بنك التنمية والائتمان الزراعي محافظة المنوفية.


ضد
1- السيد/ رئيس مجلس الوزراء.
2- السيدة سنية محمود محمد الجمس، خيري، أمين، وحيد، آمال، وهالة، ووفية أولاد المرحوم محمد المصيلحي محمد الجمس.
"الإجراءات"

بتاريخ 28 مايو سنة 1984 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية المادة 222 فقرة أولى من القانون المدني.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
"المحكمة"

بعد الإطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث أن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية.
وحيث أن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليهم عدا الأول كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 1156 لسنة 1982 مدني كلي شبين الكوم بطلب إلزام المدعى , وآخرين متضامنين بدفع مبلغ مائة ألف جنيه على سبيل التعويض عما لحقهم من أضرار مادية وأدبية من جراء قتل مورثهم خطأ بواسطة أحد تابعي المدعى. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعى بعدم دستورية المادة 222 من القانون المدني. قضت محكمة شبين الكوم الابتدائية بجلسة 28 فبراير سنة 1984 بوقف الدعوى وصرحت للمدعى بإقامة دعواه الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث أن المدعى ينعى على المادة 222 فقرة أولى من القانون المدني أنها إذ تقضي بشمول التعويض للضرر الأدبي أيضاً تكون قد انطوت على مخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية التي أصبحت طبقاً للمادة الثانية من الدستور "المصدر الرئيسي للتشريع" وذلك باعتبار أن الضمان فى الشريعة الإسلامية مبني على المعاوضة وجبر الفاقد ولا تجيز التعويض عن الضرر الأدبي.
وحيث أن القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 فى 16 يوليه سنة 1948 والمعمول به ابتداء من 15 أكتوبر سنة 1949 بنص فى الفقرة الأولى من المادة 222 – محل الطعن – على أن "يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضاً، ولكن لا يجوز فى هذه الحالة أن ينتقل إلى الغير إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق، أو طالب الدائن به أمام القضاء".
وحيث أنه يبين من تعديل الدستور الذي تم بتاريخ 22 مايو سنة 1980 أن المادة الثانية أصبحت تنص على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع " بعد أن كان تنص عند صدور الدستور فى 11 سبتمبر سنة 1971 على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، والعبارة الأخيرة من هذا النص لم يكن لها سابقة فى أي من الدساتير المصرية المتعاقبة ابتداء من دستور سنة 1923 حتى دستور 1964.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح – المنوط بالمحكمة الدستورية العليا – تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وتأكيد احترامه وحمايته من الخروج على أحكامه، وسبيل هذه الوقاية التحقق من التزام سلطة التشريع بما يورده الدستور فى مختلف نصوصه من ضوابط وقيود، ومن ثم، فإنه يتعين – عند الفصل فيما يثار فى شأن هذه التشريعات من مطاعن تستهدف نقض قرينة الدستورية – استظهار هذه الضوابط والقيود وتحديدها وذلك للتعرف على مدى مخالفة التشريعات لها.
وحيث أنه يبين من صيغة العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها على نحو ما سلف بيانه – أن المشرع الدستوري أتى بقيد على السلطة المختصة بالتشريع قوامه إلزام هذه السلطة – وهي بصدد وضع التشريعات – بالالتجاء إلى مبادئ الشريعة الإسلامية لاستمداد الأحكام المنظمة للمجتمع، وهو ما أشارت إليه اللجنة الخاصة بالإعداد لتعديل الدستور فى تقريرها إلى مجلس الشعب والذي أقره المجلس بجلسة 19 يولية سنة 1979. وأكدته للجنة التي أعدت مشروع التعديل وقدمته إلى المجلس فناقشه ووافق عليه بجلسة 30 أبريل سنة 1980، إذ جاء فى تقريرها عن مقاصد تعدل الدستور بالنسبة للعبارة الأخيرة من المادة الثانية بأنها "تلزم المشرع بالالتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية للبحث عن بغيته فيها مع إلزامه بعدم الالتجاء إلى غيرها، فإذا لمي جد فى الشريعة الإسلامية حكماً صريحاً، فإن وسائل استنباط الأحكام من المصادر الاجتهادية فى الشريعة الإسلامية تمكن المشرع من الوصول إلى الأحكام اللازمة والتي لا تخالف الأصول والمبادئ العامة للشريعة.....".
ولما كان مفاد ما تقدم، أن سلطة التشريع اعتباراً من تاريخ العمل بتعديل العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور فى 22 مايو سنة 1980 – أصبحت مقيدة فيما تسنه من تشريعات مستحدثة أو معدلة لتشريعات سابقة على هذا التاريخ، بمراعاة أن تكون هذه التشريعات متفقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية وبحيث لا تخرج – فى الوقت ذاته – عن الضوابط والقيود التي تفرضها النصوص الدستورية الأخرى على سلطة التشريع فى صدد الممارسة التشريعية،فهي التي يتحدد بها – مع ذلك القيد المستحدث – النطاق الذي تباشر من خلاله المحكمة الدستورية العليا رقابتها القضائية على دستورية التشريعات.
لما كان ذلك، وكان إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي لتشريع على ما سلف بيانه لا ينصرف سوى إلى التشريعات التي تصدر بعد التاريخ الذي فرض فيه الإلزام بحيث إذا انطوى أي منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها فعلاً من قبله، أي فى وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائماً واجب الإعمال، ومن ثم، فإن هذه التشريعات تكون بمنأى عن إعمال هذا القيد. وهو مناط الرقابة الدستورية - ويؤيد هذا النظر، ما أوردته اللجنة العامة فى مجلس الشعب بتقريرها المقدم بجلسة 15 سبتمبر سنة 1981 والذي وافق عليه المجلس من أنه "كان دستور سنة 1971 أول دستور فى تاريخنا الحديث ينص صراحة على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع ثم عدل الدستور سنة 1980 لتكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وهذا يعني عدم جواز إصدار أي تشريع فى المستقبل يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، كما يعني ضرورة إعادة النظر فى القوانين القائمة قبل العمل بدستور سنة 1971 وتعديلها بما يجعلها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. واستطرد تقرير اللجنة إلى أن "الانتقال من النظام القانوني القائم حالياً فى مصر والذي يرجع إلى أكثر من مائة سنة إلى النظام القانوني الإسلامي المتكامل يقتضي الأناة والتدقيق العملي، ومن هنا، فإن تقنين المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي لم تكن مألوفة أو معروفة، وكذلك ما جد فى عالمنا المعاصر وما يقتضيه الوجود فى المجتمع الدولي من حالات وعلاقات ومعاملات، كل ذلك يستأهل الروية ويتطلب جهوداً، ومن ثم، فإن تغيير النظام القانوني جميعه ينبغي أن يتاح لواضعيه والقائمين عليه الفترة الزمنية المناسبة حتى تجمع هذه القوانين متكاملة فى إطار القرآن والسنة وأحكام المجتهدين من الأئمة والعلماء......
وحيث أن إعمال المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها – على ما تقدم بيانه، وإن كان مؤداه إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي لما يضعه من تشريعات بعد التاريخ الذي فرض فيه هذا الإلزام بما يترتب عليه من اعتباره مخالفاً للدستور إذا لم يلتزم بذلك القيد، إلا أن قصر هذا الإلزام على تلك التشريعات لا يعني إعفاء المشرع من تبعة ال إبقاء على التشريعات السابقة – رغم ما قد يشوبها من تعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية – وإنما يلقى على عاتقه من الناحية السياسية مسئولية المبادرة إلى تنقية نصوص هذه التشريعات من أية مخالفة للمبادئ سالفة الذكر، تحقيقاً للاتساق بينها وبين التشريعات اللاحقة فى وجوب اتفاقها جميعاً مع هذه المبادئ وعدم الخروج عليها.
وحيث أنه ترتيباً على ما تقدم، ولما كان مبنى الطعن مخالفة المادة (76) من القانون رقم 71 لسنة 1946 بإصدار قانون الوصية للمادة الثانية من الدستور تأسيساً على أن المادة المطعون عليها تخالف قواعد الميراث طبقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية التي جعلتها المادة الثانية من الدستور المصدر الرئيسي للتشريع، وإذا كان القيد المقرر بمقتضى هذه المادة – بعد تعديلها بتاريخ 22 مايو سنة 1980 المتضمن إلزام المشرع بعدم مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية – لا يتأتى إعماله بالنسبة للتشريعات السابقة عليه حسبما سلف بيانه، وكانت المادة 76 من القانون رقم 71 لسنة 1946 بإصدار قانون الوصية لم يلحقها أي تعديل بعد التاريخ المشار إليهن ومن ثم، فإن النعي عليها، وحالتها هذه – بمخالفة حكم المادة الثانية من الدستور – وأياً كان وجه الرأي فى تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية – يكون فى غير محله، الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض الدعوى.
"لهذه الأسباب"

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصاريف ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.