المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قضية رقم 28 لسنة 2 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"



هيثم الفقى
04-08-2009, 03:26 PM
نص الحكم
------------------
باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة 4 مايو سنة 1985م.
برئاسة السيد المستشار / محمد على بليغ رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين: مصطفى جميل مرسى وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ورابح لطفى جمعة ومحمد كمال محفوظ وشريف برهام نور. أعضاء
وحضور السيد المستشار الدكتور/ أحمد محمد الحفنى المفوض
وحضور السيد / أحمد على فضل الله أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 28 لسنة 2 قضائية "دستورية ".
"الإجراءات"

بتاريخ 15 سبتمبر سنة 1980 وردت الى قلم كتاب المحكمة دعوى رقم 29 لسنة 1980 ولاية على النفس البدارى، بعد أن قضت محكمة البدارى الجزئية للاحوال الشخصية فى 2 سبتمبر سنة 1980 بوقف الدعوى واحالة الاوراق الى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979. تعديل بعض أحكام قوانين الاحوال الشخصية.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، حيث التزمت هيئة المفوضين رأيها، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة مارس سنة 1985 وفى هذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم الى جلسة اليوم .
"المحكمة"

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات والمداولة.
حيث إن الوقائع- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعية كانت قد اقامت الدعوى رقم 29 سنة 1980 ولاية على النفس البدارى ضد زوجها المدعى عليه طالبة الحكم لها عليه بنفقة شرعية اعتبارا من أول نوفمبر 1979. وبجلسة 2 سبتمبر سنة 1980 قضت محكمة البدارى الجزئية للاحوال الشخصية بوقف الدعوى واحالة الاوراق الى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الاحوال الشخصية.
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى استنادا الى أن قرار الاحالة جاء خلوا من بيان النص الدستورى المدعى بمخالفته خروجا على ما توجبه المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إنه يبين من قرار الاحالة أن المحكمة استظهرت النصين الواجب تطبيقهما على واقعة الدعوى وهما المادة الاولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 والمادة 16 من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدلتين بمقتضى المادتين الثانية والثالثة من القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الاحوال الشخصية، وقد تراءى للمحكمة عدم دستورية هذا التشريع فى جملته لمخالفة المادتين 108 و147 من الدستور اذ لم يستند رئيس الجمهورية فى إصداره الى تفويض من مجلس الشعب يخوله هذه السلطة، كما أنه لم تتوافر عند إصداره فى غيبة مجلس الشعب ظروف توجب الاسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير. لما كان ذلك، وكان ما أورده قرار الاحالة واضح الدلالة فى بيان النص التشريعى المطعون بعدم دستوريته والنص الدستورى المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة- على النحو الذى يتحقق به ما تغياه المشرع- فى المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فان الدفع بعدم قبول الدعوى يكون فى غير محله متعينا رفضه.
وحيث إن الدعوى استوفت اوضاعها القانونية.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 المطعون عليه، أنه استهدف معالجة الاوضاع المتعلقة بالاسرة وتنظيم استعمال الحقوق المقررة شرعا لافرادها، فكان قوامه والباعث عليه ما يتصل بمسائل الاحوال الشخصية التى تدور جميعها فى فلك واحد هو تنظيم شئون الاسرة فيما يتعلق بالزواج والطلاق والنفقة والحضانة، فقد نصت مادته الاولى على أن "تضاف الى القانون رقم 25 لسنة 1929 مواد جديدة أرقام (5 مكررا)، ( 6 مكررا)، ( 6 مكررا ثانيا)، ( 18 مكررا)، ( 23 مكرر) " وتتضمن هذه المواد الاحكام الخاصة بكيفية توثيق الطلاق والاعلام بوقوعه وما يترتب على ذلك من آثار ( 5 مكررا) وأنه يعتبر اضرارا بالزوجة اقتران زوجها باخرى بغير رضاها واخفاء الزوج على الزوجة الجديدة أنه متزوج بسواها ( 6 مكرر) وبيان الآثار المترتبة على نشوز الزوجة ( 6 مكررا ثانيا) وتقرير نفقة متعة للزوجة عند طلاقها بدون رضاها ( 18 مكررا) واستحقاق نفقة الصغير على ابيه (18 مكررا ثانيا) وفرض عقوبات جنائية لمخالفة بعض احكام هذا القانون ( 23 مكررا) ونصت المادة الثانية من القرار بقانون المطعون عليه على أن يستبدل بنص المادة (1) من القانون رقم 25 لسنة 1920 نص جديد يتضمن الاحكام الخاصة بشروط استحقاق نفقة الزوجة وأحوال سقوطها. وتقضى المادة الثالثة منه بأن يستبدل بنصوص المواد 7، 8، 9، 10، 11، 16، 20، من القانون رقم 25 لسنة 1929 النصوص المحددة فى هذه المادة والتى تشتمل على الاحكام المتعلقة باجراءات التحكيم عند وقوع الشقاق بين الزوجين (7، 8، 9، 10، 11) وبما يفرض على الزوج من نفقة مؤقته لزوجته (16) وأحوال حضانة الصغار وأصحاب الحق فيها وشروطها (20) . ثم نص القرار بقانون المشار اليه فى مادته الرابعة على حق المطلقة الحاضنة فى الاستقلال مع صغيرها بمسكن الزوجية المؤجر وشروط استعمال هذا الحق وتحديد الجهة المختصة بالفصل فى الطلبات المتعلقة به والمنازعات التى تثور فى شأنه, وأوجب فى المادة الخامسة على المحاكم الجزئية أن تحيل الى المحاكم الابتدائية الدعاوى التى أصبحت من اختصاصها بمقتضى أحكامه. وقضى فى المادة السادسة بالغاء كل من يخالف هذه الاحكام وانتهى فى المادة السابعة والاخيرة الى النص على نشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية وأن تكون له قوة القانون وأن يعمل به من تاريخ نشره.
وحيث إن نصوص الدستور تمثل القواعد والاصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة، ولها مقام الصداره بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة واهدار ما يخالفها من تشريعات. وهذه القواعد والاصول هى التى يرد اليها الامر فى تحديد ما تتولاه السلطة العامة من وظائف أصلية وما تباشره كل منها من أعمال أخرى استثناء من الاصل العام الذى يقضى بانحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظيفتها. واذ كانت هذه الاعمال الاستثنائية قد أوردها الدستور على سبيل الحصر والتحديد فلا يجوز لاى من تلك السلطات أن تتعداها الى غيرها أو تجور على الضوابط والقيود المحددة لها، فيشكل عملها حينئذ مخالفة دستورية تخضع- متى انصبت على قانون أو لائحة- للرقابة القضائية التى عهد بها الدستور الى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، بغية الحفاظ على مبادئه وصون أحكامه من الخروج عليها.
وحيث إن سن القوانين عمل تشريعى تختص به الهيئة التشريعية التى تتمثل فى مجلس الشعب طبقا للمادة 86 من الدستور. والاصل ان تتولى هذه الهيئة بنفسها سلطة التشريع على مقتضى القواعد المقررة من الدستور، الا انه نظرا لما قد يطرأ فى غيبة مجلس الشعب من ظروف توجب سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير، فقد أجاز الدستور لرئيس الجمهورية فى تلك الحالات أن يصدر فى شأنها قرارات لها قوة القانون. وقد حرص المشرع الدستورى على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية فى التشريع من الضوابط والقيود ما يكفل عدم تحولها- الى ممارسة تشريعية مطلقة، موفقا بذلك بين مقتضيات مبدأ الفصل بين السلطات وضمان مباشرة كل منها للمهام المنوطه بها، وبين الاعتبارات العملية الملحة التى تتطلب تخويل رئيس الجمهورية رخصة التشريع- على سبيل الاستثناء- لمواجهة تلك الظروف الطارئة حال غياب المجلس التشريعى المختص أصلا بذلك. من أجل ذلك نص الدستور فى الفقرة الاولى من المادة 147 على أنه: "اذا حدث فى غيبة مجلس الشعب ما يوجب الاسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية ان يصدر فى شأنها قرارات تكون لها قوة القانون" وفى الفقرة الثانيةعلى أنه: "ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشرة يوما من تاريخ صدورها اذا كان المجلس قائما، وتعرض فى أول اجتماع له فى حالة الحل او وقف جلساته، فاذا لم يعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة الى اصدار قرار بذلك واذا عرضت ولم يقرها المجلس زال باثر رجعى ما كان لها من قوة القانون الا اذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر".
وحيث إن المستفاد من هذا النص ان الدستور وأن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصا فى اصدار قرارات تكون لها قوة القانون فى غيبة مجلس الشعب، الا إأنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائى حدودا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استنادا إليه. فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائبا وأن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير الى حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هى مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها. واذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعى الاستثنائى، فان رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد اليهما للتحقق من قيامهما، باعتبارهما من الضوابط المقررة فى الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات، شأنهما فى ذلك شأن الشروط الاخرى التى حددتها المادة 147 ومن بينها ضرورة عرض القرارات الصادرة استنادا اليها على مجلس الشعب للنظر فى اقرارها أو علاج آثارها.
وحيث إنه يبين من الاعمال التحضيرية للقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 المطعون عليه أن الاسباب التى أستندت اليها الحكومة فى التعجيل باصداره فى غيبة مجلس الشعب، تتمثل فيما أوردته مذكرته الايضاحية من "أن القانونين رقم 25 لسنة 1920 ورقم 25 لسنة 1929 الخاصين ببعض أحكام الاحوال الشخصية قد مضى على صدورهما قرابة خمسين عاما طرأ فيها على المجتمع كثير من التغيير المادى والأدبى التى انعكست آثارها على العلاقات الاجتماعية الأمر الذى حمل القضاء عبئاً كبيرا فى تخريج احكام الحوادث التى تعرض عليهم، وقد كشف ذلك عن قصور فى بعض أحكام القوانين القائمة مما دعا الى البحث عن أحكام الاحوال التى استجدت فى حياة المجتمع المصرى وذلك فى نطاق نصوص الشريعة دون مصادرة أى حق مقرر بدليل قطعى لاى فرد من أفراد الاسرة بل الهدف من المشروع هو تنظيم استعمال بعض هذه الحقوق..." كما أنه عند عرض القرار بقانون (محل الطعن) على مجلس الشعب للنظر فى اقراره، أفصح وزير الدولة لشئون مجلس الشعب عن ماهية الضرورة التى دعت الى اصداره بقوله "ولا شك أن الضرورة تحتم استصدار قانون لتعديل الاحوال الشخصية... وقد طال الامد على استصدار هذه القوانين، وطول الامد واستطالة المدة هى حالة الضرورة، بل هى حالة الخطورة فالاسرة المصرية تنتظر هذا الاصلاح منذ عام 1905، واللجان تنعقد وتتعثر أعمالها ولكن دون جدوى ولائحة ترتيب المحاكم الشرعية، والقانونان اللذان يحكمان مجال الاسرة رقم (25) لسنة 1920 ورقم (25) لسنة 1929 كلاهما يحتاج الى تعديل منذ صدورهما، أى منذ عامى 1920 و1929. أليس فى هذا كله مدعاة لضرورة يقدرها ولى الامر ليصدر قرارا ثوريا باصلاح الاسرة؛ لو ترك الامر لاقتراح قرار بقانون أو لمشروع بقانون وثارت حوله المناقشات وظل شهورا وسنين فأين هى الحاجة التى تدعو الى تحقيق اصلاح الاسرة بقرار ثورى مثل القرار بقانون المعروض".
لما كان ذلك ، وكانت الاسباب سالفة البيان. وحاصلها مجرد الرغبة فى تعديل قوانين الاحوال الشخصية بعد أن طال الامد على العمل بها رغم ما أستجد من تغييرات فى نواحى المجتمع وان جاز أن تندرج فى مجال البواعث والاهداف التى تدعو سلطة التشريع الاصلية الى سن قواعد قانونية جديدة او استكمال ما يشوب التنشريعات القائمة من قصور تحقيقا لاصلاح مرتجى الا انه لا تتحقق بها الضوابط المقررة فى الفقرة الاولى من المادة 147 من الدستور، ذلك أن تلك الاسباب- تفيد أنه لم يطرأ- خلال غيبة مجلس الشعب- ظرف معين يمكن أن تتوافر معه تلك الحالة التى تحل بها رخصة التشريع الاستثنائية التى خولها الدستور لرئيس الجمهورية بمقتضى المادة 147 المشار اليها ومن ثم فان القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979- اذ صدر استنادا الى هذه المادة، وعلى خلاف الاوضاع المقررة فيها، يكون مشوبا بمخالفة الدستور.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم ما أثارته الحكومة من أن تقدير الضرورة الداعية لاصدار القرارات بقوانين عملا بالمادة 147 من الدستور متروك لرئيس الجمهورية تحت رقابة مجلس الشعب باعتبار ذلك من عناصر السياسة التشريعية التى لا تمتد اليها الرقابة الدستورية، ذلك أنه كان لرئيس الجمهورية سلطة التشريع الاستثنائية طبقا للمادة المشار اليها وفق ما تمليه المخاطر المترتبة على قيام ظروف طارئة تستوجب سرعة المواجهة وذلك تحت رقابة مجلس الشعب، الا أن ذلك لا يعنى اطلاق هذه السلطة فى اصدار قرارات بقوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التى نص عليها الدستور والتى سبق أن استظهرتها المحكمة ومن بينها اشتراط ان يطرأ- فى غيبة مجلس الشعب- ظروف من شأنه توفر الحالة الداعية لاستعمال رخصة التشريع الاستثنائية وهو ما لم يكن له قائمة بالنسبة للقرار بقانون المطعون عليه الامر الذى يحتم اخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
وحيث إنه- من ناحية أخرى- فان اقرار مجلس الشعب للقرار بقانون المطعون عليه لا يترتب عليه سوى مجرد استمرار نفاذه بوصفه الذى نشأ عليه كقرار بقانون دون تطهيره من العوار الدستورى الذى لازم صدوره. كما أنه ليس من شأن هذا القرار فى ذاته أن ينقلب به القرار بقانون المذكور الى عمل تشريعى جديد يدخل فى زمرة القوانين التى يتعين أن يتبع فى كيفية اقتراحها والموافقة عليها واصدارها القواعد والاجراءات التى حددها الدستور فى هذا الصدد والا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القانون.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الاحوال الشخصية المطعون عليه قد استهدف بتنظيمه التشريعى المترابط موضوعا واحدا قصد به معالجة بعض مسائل الاحوال الشخصية المتعلقة بالاسرة على ما سلف بيانه، وكان العيب الدستورى الذى شابه قد عمه بتمامه لتخلف سند أصداره، فانه يتعين الحكم بعدم دستوريته برمته.
"لهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بعدم دستورية القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية.