المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية‏



القارئة
04-08-2009, 06:30 AM
44679
‏السنة 133-العدد
2009
ابريل
4
‏8 من ربيع الاخر 1430 هـ
السبت















تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية‏..‏ وجهة نظر أخري
بقلم: د‏.‏ إجلال رأفت
جامعة القاهرة






جاءت مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بإيقاف البشير‏,‏ مسببة لارتباك واسع في السودان‏,‏ فبينما رفضته الحكومة السودانية رفضا قاطعا‏,‏ انقسم الرأي العام بين معارض ومؤيد‏,‏ وإن كانت الأصوات المعارضة أكثر صخبا وجرأة‏..‏ أما علي المستوي العربي الرسمي‏,‏ فقد سارعت التصريحات إلي مناصرة البشير‏,‏ واتهام المحكمة بتسييس القضية والدول الغربية بالكيل بمكيالين‏..‏ وتتويجا لهذا الموقف‏,‏ قررت القمة العربية في قطر مناصرة رئيس السودان ضد المجتمع الدولي‏.‏

تابعت هذا الموضوع عن قرب وتوصلت فيه إلي رأي قد يعتبر تغريدا خارج السرب‏,‏ وهو قابل للمناقشة‏,‏ إما بالقبول أو بالرفض‏,‏ وفي الحالتين‏,‏ أتمني أن يكون الحوار مخلصا وموضوعيا‏,‏ وسأبدأ بطرح بعض الملاحظات المهمة‏:‏

‏1‏ ـ تأسست المحكمة الجنائية الدولية بموجب معاهدة روما‏,‏ ودخلت حيز التنفيذ في‏2002/7/1,‏ وقد سبقت هذا التأسيس مجهودات مكثفة اشترك فيها مفكرون وسياسيون وناشطون حقوقيون من أنحاء العالم‏,‏ بهدف حماية الشعوب التي تتعرض لمظالم مختلفة‏,‏ وقد اعتبرت هذه المحكمة تطورا حميدا في القانون الدولي‏,‏ واكب المفهوم الحديث لسيادة الدولة التي تراجعت لصالح قوانين حقوق الإنسان‏,‏ والمحكمة المذكورة مستقلة تماما عن مجلس الأمن‏,‏ ولا تسهم في تمويلها الدول المؤثرة عالميا مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين‏,‏ لأنها ليست أعضاء في المحكمة‏..‏ وبناء علي ذلك‏,‏ وبحسب شهادة خبراء القانون الدولي المصريين‏,‏ يمكن القول إن المحكمة الجنائية الدولية ليست مسيسة‏.‏

‏2‏ ـ الهيئة المسيسة هي بطبيعة الحال مجلس الأمن‏,‏ فهو الذي أحال القضية إلي المحكمة الجنائية الدولية بالقرار رقم‏1593‏ سنة‏2004,‏ وهو الذي سيصدر قرارا بتنفيذ حكم المحكمة‏,‏ وهو الذي يملك حق تأجيله لمدة عام يتجدد‏.‏

في كل هذه المراحل يتعرض القرار للأخذ والعطاء في إطار صفقات تعقد بين الدول الأعضاء‏,‏ كل حسب ما تبغيه من أهداف‏..‏ هنا علينا أن نتذكر أن ليس في العلاقات الدولية صداقات‏,‏ بل مصالح تسعي لكي تتحقق‏.‏

من ثم يصبح من الحكمة التعامل مع المجتمع الدولي بهدوء وعقلانية‏,‏ مستخدما الوثائق والحجج القانونية المقنعة‏.‏

‏3‏ ـ كلنا يعلم أن دارفور تعيش منذ سنة‏2002‏ في حالة حرب أهلية‏,‏ تشتبك فيها الفصائل العسكرية من الفور والزغاوة والمساليت وقبائل أخري‏,‏ مع الجيش السوداني وقوات الدفاع الشعبي والجنجاويد‏,‏ وقد شكل مجلس الأمن لجنة دولية لتقصي الحقائق من خمسة أعضاء تشير جنسياتهم‏(‏ إيطاليا ـ مصر ـ باكستان ـ جنوب إفريقيا ـ غانا‏)‏ وخبراتهم‏(‏ قضاة وناشطون في مجال حقوق الإنسان ولجان المصالحة الوطنية‏)‏ إلي ترجيح الحياد‏.‏ وقدمت هذه اللجنة تقريرها في‏2005‏ ومثبت به جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت ضد المدنيين‏,‏ من ثم نجد أن قرار لجنة تقصي الحقائق جاء مطابقا لقرار المحكمة‏,‏ مما يشكل دليلا جديدا علي حيدتها‏.‏

‏4‏ ـ بالرجوع إلي معاهدة روما يصبح لزاما علي الدول المصدقة علي الاتفاقية ـ ومنها ثلاث دول عربية وأكثر من ثلاثين دولة إفريقية ـ تسليم البشير إذا وجد علي أرضها‏..‏ أما الدول التي لم تصدق‏,‏ وكلها أعضاء في الأمم المتحدة‏,‏ فيقع عليها الالتزام نفسه حين صدور قرار مجلس الأمن بالموافقة علي قرار المحكمة‏.‏

‏5‏ ـ تكتل الدول العربية في خندق المساندين للرئيس البشير دون إعطاء أي اعتبار للمجازر التي وقعت في دارفور وجلها علي القبائل الإفريقية‏,‏ تعمق الأزمة بين العرب والأفارقة في السودان‏,‏ وتشير بقوة إلي تحيز عربي للعرق ولقدسية الرؤساء‏.‏

هذه الملاحظات المبدئية تفرض علينا أن نعالج مسألة توقيف البشير بمنهج أكثر موضوعية مما درجنا عليه‏,‏ وذلك حرصا علي مصلحة السودان وعلي مصداقية الرؤية العربية حين تدافع عن قضايانا القومية مثل الصراع العربي ـ الإسرائيلي‏,‏ فيما يخص السودان‏,‏ نجد أنفسنا أمام معادلة صعبة‏:‏ فرد واحد هو رئيس الدولة المتهم في كفة بكل وجاهة المنصب وأهميته‏,‏ والآلاف من المواطنين السودانيين هلكوا بوسائل مختلفة‏,‏ في الكفة الأخري‏(10‏ آلاف بتقدير الحكومة السودانية و‏300‏ ألف بتقدير الأمم المتحدة‏)..‏ فأيهما نساند؟

وقد يقال إن استمرار البشير رئيسا للسودان في هذه الحقبة يحافظ علي استقرار السودان‏,‏ كما يشكل ضمانة لاستمرارية اتفاقية السلام للجنوب‏,‏ وهذان عاملان مهمان في مسيرة السلام والتنمية في السودان‏..‏ غير أن الواقع يشكك في هذه المقولة‏,‏ حيث يشير إلي عديد من الأزمات الموضوعية والجهوية التي نالت من أمن الوطن علي مدي سنوات طويلة‏,‏ وآخر هذه الأزمات كانت الهجوم علي العاصمة أم درمان في الصيف الماضي‏,‏ مما يعني تمدد عدم الاستقرار والغضب من الأطراف إلي المركز بسهولة أذهلت المراقبين‏.‏

أما فيما يخص اتفاقية الجنوب‏,‏ فالشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ما هي إلا ستار يغلف حقيقة الواقع الذي مازال يعاني بعض المشكلات‏,‏ مثل ترسيم الحدود بين الجنوب والشمال‏,‏ وتوزيع إيرادات البترول بين الجانبين‏,‏ وانحصار السلطات الحقيقية لشركاء الجنوب في الحكومة الوطنية‏.‏

من ناحية أخري‏,‏ تثبت الأحداث في العالم بشكل عام وفي الشرق الأوسط بشكل خاص‏,‏ أن لا سلام في غياب العدالة‏,‏ وهذا هو المبدأ الذي تناضل الدول العربية لتطبيقه في فلسطين‏,‏ والذي يتفق عليه كل الأطراف ابتداء من حماس وانتهاء بفتح‏,‏ مرورا بكل الدول العربية المعتدلة منها والمتشددة‏,‏ وهو ركيزتنا ونحن نجمع الوثائق لنذهب بها إلي ذات المحكمة الجنائية الدولية لإدانة إسرائيل في مأساة غزة التي استشهد فيها نحو‏1500‏ فلسطيني‏,‏ وتشرد بسببها عشرات الآلاف‏..‏ فلماذا لا نعطي نفس الحق لأهل دارفور الذي قتل منهم عشرات الآلاف وتشرد الملايين؟

الرأي عندي أن بعض العرب يكيلون بمكيالين‏,‏ وهي مؤسسة علي المبدأ القبلي‏:‏ انصر أخاك ظالما أو مظلوما‏,‏ وأنها لا تدرك أن تناقضها مع ذاتها إلي هذا الحد يعرض قضيتها المحورية للخسران‏:‏ فكيف تهاجم المحكمة الجنائية الدولية وتتهمها بتسييس القضايا وفرزها‏,‏ وفي الوقت نفسه ترضي بها حكما بينها وبين خصمها اللدود إسرائيل؟‏..‏ كيف يستقيم الأمر حين تكيل الشتائم للمدعي العام للمحكمة الجنائية‏,‏ ثم تجمع له الوثائق آملة أن ينصف شهداء غزة من الأطفال والنساء؟

أما فيما يخص وضع الرئيس البشير‏,‏ فأري أن الحل الأمثل الذي ينقذ الشعب السوداني هو أن يسلم الرئيس مهامه إلي حكومة قومية تشكل من جميع الأطراف العسكرية والسياسية الناشطة علي الساحة السودانية‏,‏ إلي حين إتمام التعداد وإجراء الانتخابات‏,‏ فإذا أقدم البشير علي هذه الخطوة أثبت للعالم أن كرامته وحسه الوطني يأبيان عليه أن يكون عقبة في سبيل السلام العادل في وطنه‏.‏

حفظ الله السودان أرضا وشعبا ووفق أبناءه إلي طريق السلامة وهدي جيرانه إلي موقف قويم يكون فحواه النصح وليس المناصرة‏.

dr.mohamedlutfi
04-19-2009, 12:04 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
تحياتى لحضرتك دكتورة ، علماً بأن لى رسالة ماجشتير فى نفس الموضوع بعنوان " آليات الملاحقة فى نطاق القانون الدولى الإنسانى - دراسة مقارنة " ، وبالفعل فى بداية الرسالة كان قرار إحالة الملف من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية فى بداياته ، والمستغرب فعلاً عدم اتخاذ السودان أى إجراءات داخلية عن طريق القضاء الوطنى حتى تنأى بنفسها وبرئيسها عن مثل هذا الموقف الذى لا تحسد عليه.
وقد تناقشت مع الكثير من الأخوة السودانيين معى هنا فى جدة ، ولأ أجد منهم إلا المساندة العمياء للبشير بلا أى أسباب إلا تسييس القضية.
تحياتى لحضرتك ولهذا التحليل الرائع
دكتور / محمد لطفى - المحامى بالنقض
مستشار قانونى بجدة