المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التحرش الجنسي‏..‏ انتهاك لحرمة المرأة‏!‏



المحمدي
03-24-2009, 07:35 PM
التحرش الجنسي‏..‏ انتهاك لحرمة المرأة‏!‏
تحقيق‏:‏ رجاء شعير

قبل خمسة عشر قرنا من الزمان حمل الإسلام إلي الناس نداء حاسما يفرض علي الجميع الموازنة بين مطالب الروح ومطالب الجسد‏,‏ لكن الواقع المعاصر يؤكد أنه لا حياة لمن تنادي‏.‏

صار الاهتمام بالجسد يشغل الصغار والكبار والرجال والنساء والبنين والبنات‏..‏ الكل يجري وراء صيحات الجسد لتلبية نداء الغريزة بأي شكل من الأشكال‏,‏ حتي تحولت الشوارع والميادين والمدارس والجامعات إلي معارض للأزياء لا تخفي شيئا من مفاتن الجسد‏.‏ وتحول الفن عندنا ـ في كثير من أعماله ـ من كلمات تخاطب العقل والوجدان إلي همسات تخاطب الغرائز‏,‏ من خلال مناظر جسدية أعدت بإحكام لمداعبة الشهوة‏.‏

وصارت الأغنية إيقاعا يستفرغ كل ما في الجسد من وسائل الإغراء‏ وفي تلك الأجواء المثيرة غابت الروح وانسحبت الأخلاق من الميدان بين فرحة الشامتين‏,‏ وحسرة القلة من الغيورين‏.‏

ووصلت الأرقام والإحصاءات الخاصة بالتحرش الجنسي في مصر إلي مستويات خطيرة‏,‏ كما يؤكد المراقبون وعلماء الاجتماع‏.‏ فما رؤية الشرع الحكيم لمظاهر التحرش الجنسي؟ وهل تكفي العقوبات الحالية للقضاء عليها؟

في التحقيق التالي الإجابة عن كثير من التساؤلات حول التحرش الجنسي‏:‏
‏*‏ التحرش الجنسي مصطلح جديد يضاف إلي قانون العقوبات المصري‏..‏ فما رأي الشريعة في ذلك؟ وما مفهومه من خلالها؟
سؤال مهم طرحناه علي الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية‏,‏ فأوضح أن كلمة التحرش لم تكن مستعملة في المجتمع المصري قبل سنين مضت‏,‏ وكان أشهر ما استعملت فيه هو المجتمع الغربي‏,‏ وكلمة التحرش أو التحريش تستعملان في الأصل اللغوي في معان كلها مرفوضة أخلاقيا ودينيا في التعامل بين الرجال والنساء وقد استعملت الكلمتان في معاني الإفساد والإغراء والخدش والخشونة‏.‏

وهذه المعاني كلها موجودة عند حدوث هذا الفعل المجرم وهو التحرش بالمرأة فهو محاولة من الشخص المعتدي أن يفسد أخلاق من يتحرش بهن‏,‏ وهو محاولة إغراء أيضا علي أفعال قبيحة مرفوضة في الشرع والأخلاق والعرف‏,‏ وهو أيضا خدش لحياء المرأة‏,‏ وخشونة في التعامل معها تتنافي مع واجب الذوق واللياقة في تعامل القوي مع الضعيف‏.‏

ويضيف أنه مما يحث عليه الشرع أن يبعد الرجل كل معاني الخشونة في التعامل مع المرأة‏,‏ وأن يتعامل بكل رفق‏,‏ وهو ما يشير إليه قول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ لرجل كان يحدو الإبل‏(‏ أي يغني والإبل تحمل بعض النساء في بعض أسفار رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم‏),‏ فكانت الجمال إذا سمعت غناء الرجل تسرع في السير فتهز ما تحمله من النساء‏,‏ فقال عليه الصلاة والسلام للرجل‏(‏ رفقا بالقوارير‏).‏

ويشير إلي أن التحرش سواء كان بالكلمة أو بالفعل من أسوأ ألوان التعامل مع المرأة‏,‏ وقد ذم الشرع الحنيف الشخص الذي يفحش في كلامه‏,‏ فقال الله ـ عز وجل لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما‏.‏

وفي الحديث أن الله يبغض الفاحش البذيء‏,‏ وثبت من وصايا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم للرجال في معاملتهم لزوجاتهم ألا يسمعوهن الكلام القبيح فعندما سأله رجل‏:‏ ما حق زوج أحدنا عليه؟ قال‏:‏ تطعمها إذا أكلت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح‏(‏ أي لا تسمعها كلاما قبيحا‏)‏ ولا تهجر إلا في البيت‏.‏

فإذا كان الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ قد منع الزوج أن يسمع زوجته كلاما قبيحا فأدعي أن يكون منهيا عنه أن يسمع المعتدي علي النساء ألفاظا قبيحة لأنه أجنبي عنهن‏,‏ ولا يتسامح في شأنه التسامح الذي يمكن أن يحدث بين الزوجة وزوجها‏.‏

ويضيف أن كلمة‏(‏ هتك العرض‏)‏ تفيد بأن الشخص ارتكب فعلا قبيحا ترتب عليه الكشف عما يجب ستره‏.‏ وما دامت هذه الأفعال محرمة لا تجوز فإن لها عقوبة في أحكام الشريعة وهي عقوبة تدخل في دائرة ما يسميه الفقهاء عقوبات التعزير‏,‏ فمن المعروف أن العقوبات التي يحكم بها القاضي في الإسلام ثلاثة أنواع هي‏:‏ القصاص‏,‏ والحدود‏,‏ والتعزير‏.‏

أما القصاص فمعناه أن يعاقب الجاني بمثل ما فعل بالمجني عليه‏,‏ وأما الحدود فهي عقوبات قدرها الشرع ولم يترك لنا أمر تحديدها‏,‏ لأنها عقوبات علي جرائم من شأنها أن تهز أمن الفرد والجماعات بل تهز أمن الدولة نفسها وذلك كجريمة السرقة وقطع الطريق للاستيلاء علي أموال الناس أو قتلهم أو ترويعهم‏,‏ أما التعزير فهو عقوبة غير مقدرة ترك الشرع أمر تقديرها للحاكم والمجتمع يقرران فيها ما يتلاءم مع درء هذه الجريمة‏,‏ ويمكن إدخال هذا النوع من الجرائم بحسب الاصطلاح القانوني الوصفي في المخالفات والجنح‏.‏

وعقوبة التعزير في الشريعة تتفاوت بحسب الجريمة‏,‏ فيمكن أن تكون بالحبس أو الغرامة المالية الكبيرة أو الجلد‏.‏

ويقترح الدكتور رأفت عثمان أن تكون عقوبة التحرش هي الجلد والغرامة المالية الكبيرة حتي يحصل الزجر والردع للكثير ممن يمارسون هذا اللون من التعدي الذي جعل النساء يسرن في الشوارع مهددات بالتعدي عليهن‏.‏

القانون‏..‏ وحوادث التحرش
هل القانون الحالي به نص يعاقب علي جريمة التحرش الجنسي؟
الدكتور سامح جاد أستاذ القانون الجنائي عميد الشريعة والقانون بجامعة الأزهر سابقا‏.‏ يتصدي للإجابة عن السؤال قائلا‏:‏ لا ينص القانون علي جريمة التحرش الجنسي‏,‏ ولكن هناك جرائم مثل جرائم الاغتصاب وهتك العرض والفعل الفاضح لها عقوبات في القانون‏,‏ وقد يمثل فعل الجاني جريمة سب أو قذف مثل التفوه بألفاظ مخلة بالآداب والشرف‏,‏ أو يمثل الفعل فعلا فاضحا علنيا‏,‏ وجميع هذه الجرائم تقع في نطاق الجنح‏.‏

ويقول‏:‏ لو لمس الجاني أي عضو من أعضاء المجني عليها فهذا يكون فعله جناية هتك عرض‏,‏ أما ما دون ذلك فيشكل إسناد فعل أو ما يترتب عليه عقاب الشخص‏.‏ ولابد من إثبات الدعوي علي المتهم بالشهود والمحررات وللقاضي الجنائي أن يحكم حسب الوقائع والملابسات إذا تعرضت المرأة للتحرش في الشارع أو الأماكن العامة‏.‏

ويوضح أنه يصعب إثبات هذه الجريمة بالوسائل المعروفة مثل الشهود والمحررات التي قلنا عليها وغالبا الضحايا يرفضن الإبلاغ خشية الفضيحة وصعوبة الإثبات ولكن إذا تكرر ذلك وكانت المرأة تستطيع أن تستدل علي الشخص فمن حقها الإبلاغ عنه‏.‏

تغليظ العقوبة‏..‏ للقرابة
ما رأي الشريعة والقانون إذا كان المتحرش من أصول المجني عليها أو من له سلطة علي المجني عليها؟

يقول الدكتور مصطفي عرجاوي عميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر فرع دمنهور‏:‏ تشديد عقوبة مواقعة الأنثي دون رضاها من أحد أصولها أو المسئولين عن تربيتها بالأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعدام في حالة ما إذا كان المعتدي تربطه بالمعتدي عليها صلة قرابة كالعم أو الخال أو الأب أو الجد وكل من له قرابة قريبة من الأنثي‏,‏ فإنه يعاقب بعقوبة الإعدام باعتباره من المحارم وأي رضا عن المواقعة لهؤلاء المحارم لا يعتد به شرعا ولا قانونا وعلي من يدعي خلاف ذلك أن يثبته وإذا ما أثبته فإن ذلك لا يؤدي إلي تخفيف العقوبة‏

لأن صلة القرابة في حد ذاتها يفترض فيها إكراها معنويا مبنيا علي الثقة التي تتوطد بمواثيق القربي‏,‏ فإذا كان مرتكب هذا الجرم من الأصول كالأب أو الجد أو من الفروع كالابن أو ابن الأخ أو ابن الأخت فإن العقوبة تغلظ لاعتبار القرابة لأن من الأفضل والمسلم به أن الأصول تحمي فروعها وتحمي قرابتها وتصون عرضها وتدافع عنه بكل وسيلة‏,‏ فإذا كانت هذه الأصول مصدر الخطر والعدوان فإن تشديد العقوبة في هذه الحالة يوافق مقتضي الشرع ويحمي الأسرة من انحرافات بعض أعضائها‏.‏

ويضيف الدكتور عرجاوي أنه يعاقب بالعقوبة نفسها من كان يتولي تربية الأنثي‏,‏ سواء كان من أقاربها أو من غير أقاربها‏,‏ لأنه موضع ثقة للأنثي ويأخذ حكم القريب‏,‏ بل ربما يكون التعاطف معه أكثر لأنه يقوم بمهمة ربما تكون طوعا كالذي يتولي إحدي الفتيات اليتامي‏,‏ فيربيها من صغرها‏,‏ ومع ذلك عندما تشب الأنثي يطمع فيها ويعتدي عليها‏,‏ وبذلك يخون أمانة مسئولية الرعاية والتربية بهذه الأنثي‏,‏ بل تغليظ العقوبة عليه أولي وأشد حتي لا يفكر أي شخص في أن يقوم بأخذ أنثي صغيرة بحجة تربيتها‏,‏ وهو يبغي أو يهدف إلي الاعتداء عليها بعد كبرها‏,‏ واستغلالها بصورة منافية للأخلاق‏,‏ فالعقوبة الرادعة تمنع المتلاعبين من العبث بأعراض اليتامي والأطفال القصر أو عديمي الأسرة‏.‏

ويؤكد الدكتور عرجاوي أن الشريعة الإسلامية تأخذ بما يعرف بسد الذرائع وتقرر عقوبات تعزيرية تتركها لولي الأمر بناء علي قاعدة‏(‏ لا ضرر ولا ضرار‏)‏ لأن هذا مبدأ شرعي وقانوني في الوقت نفسه‏,‏ فكل ما يؤدي إلي الفساد أو شيوعه في المجتمع الأسري بالذات تكون العقوبة علي قدر الإساءة لتقضي علي الجرم بمجرد نشأته لتفعل بذلك أمرا يحمي المجتمع من تداعيات الفساد واستشرائه بداخله‏.‏

فالإسلام بكل أحكامه العامة يؤازر تغليظ العقوبة علي الأصول والفروع والأقارب أيا كانت درجتهم من المعتدي عليها‏,‏ وكذلك من يتولون تربية الصغيرة ويدخل فيهم المعلم والحارس والأستاذ الجامعي ومن له وسيلة تربوية يتعامل من خلالها مع الصغيرة ذلك حماية لعرضها وحرصا علي قيام علاقة وطيدة بين المربي والمتربية تقوم علي أصول شرعية سواء كان بالمنزل كالخادم والمدرسة أو النادي‏.‏ وعندئذ يتم تشديد عقوبة المواقعة ولا يعتد بالرضا إذا كانت سن من تمت مواقعتها دون البلوغ وأيضا دون بلوغ السن القانونية للتعامل ولقبول الرضا لهذا الفعل المشين‏.‏

مصر الثانية عالميا في التحرش‏!‏
يقول الدكتور حسام عقل عضو هيئة التدريس بتربية عين شمس‏:‏ كان مشهد التحرش الذي حدث في أحد شوارع جامعة الدول العربية بالمهندسين في أحد أيام عيد الفطر الماضي حين تناوب نحو عشرين شابا‏(‏ تتراوح أعمارهم بين‏20‏ و‏30‏ سنة‏)‏ الاعتداء الجنسي علي فتيات في الطريق العام‏,‏ ناقوس خطر كفيلا بأن ينبهنا إلي خطورة هذا الانحراف الذي سقط شبابنا فريسة سائغة له‏.‏

وقد أكدت صحيفة واشنطن بوست أن مصر تأتي في المرتبة الثانية من التحرش بعد أفغانستان‏,‏ وأن بعض الدول مثل بريطانيا وأمريكا تحذر رعاياها عند السفر إلي مصر خوفا من ظواهر التحرش الجنسي‏.‏

وقد أكد تقرير المركز المصري لحقوق المرأة أن‏72%‏ ممن تعرضن للتحرش محجبات‏,‏ وفي التقرير نفسه الذي جاء تحت عنوان غيوم في سماء مصر ثبت أن‏64.1%‏ من المصريات يتعرضن للتحرش بصفة يومية وأن‏33.9%‏ تعرضن للتحرش أكثر من مرة‏,‏ وأن‏10.9%‏ يتعرضن للتحرش بصفة أسبوعية‏,‏ وأن‏3.9%‏ يتعرضن للتحرش بصفة شهرية‏,‏ وتتراوح أشكال التحرش بين لمس الجسد والتصفير والتلفظ بألفاظ ذات دلالة جنسية والملاحقة والتتبع والمعاكسات الكلامية‏.‏

ويرجع أسباب التحرش إلي ما يعانيه الشباب من سوء الحالة الاقتصادية والبطالة مقابل غلو الأسر في المغالاة في المهور‏,‏ وقد قال النبي ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة‏(‏ أي تكلفة‏),‏ فأين نحن من هذا التشريع وهديه؟‏!‏

وقد آثرت بعض الأسر أن تحول الزواج إلي صفقة بيع وشراء في تجاهل لقول النبي ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه‏.....‏ وقوله ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ أعظم النساء بركة أيسرهن مهورا‏,‏ وقال الله عز وجل‏:‏ وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله‏.‏

ويشير إلي أننا لا نستطيع أن نغفل أن ما تبثه بعض الفضائيات من‏(‏ مواد إباحية‏)‏ مما يفاقم المشكلة ويزيدها صعوبة‏,‏ حيث تستثار الغرائز استثارة خصوصا مع سوء الحالة الاقتصادية وانتشار معدلات البطالة وغياب الوعي الديني‏,‏ ويتعين مع هذا كله أن ينتبه المشرع القانوني إلي سن قانون فعال وواضح يحرم التحرش ويوفر عقوبة رادعة يتعين تطبيقها بغاية الحسم كما قال الله ـ عز وجل في عقوبة الزانيين ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله‏,‏ وقال النبي ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ لحد يقام في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا‏.‏

تعقد أسباب الزواج
ويقول الدكتور محمود عباس الأستاذ بجامعة الأزهر‏:‏ الساحة امتلأت بشباب جائع إلي متعة الجسد ومحروم من تلبية نداء الطبيعة‏,‏ والمتهم هنا الزواج الذي تعقدت أسبابه ومشكلة المشكلات في مجتمع تعقد فيه الحلال من أن نطالب الإنسان بالاستعفاف بعد أن تمكن فيه عشق الجسد‏,‏ وصار كل شيء حوله يحرك فيه رغبة الجائع المحروم‏.‏

وإذا ابتلي الإنسان بهذا النوع من العشق الجسدي وصار إليه هواه فمن الصعب أن يصلحه جيش من الأنبياء ما لم يتداركه الله بالرحمة فيجد غني يغنيه أو شيئا يشبع فيه جوع المنحرفين إلي الشهوات‏,‏ كما يقول الحق ـ سبحانه أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله علي علم وختم علي سمعه وقلبه وجعل علي بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله‏.‏

ويضيف أنه كما صارت اللوطية داء عضالا في قوم لوط ـ عليه السلام‏,‏ لم يشفهم من هذا الداء نبي ولا وعظ ولا استنكار بل ظلوا في لوطيتهم حتي رأوا العذاب الأليم‏..‏ وكم حاولت امرأة العزيز أن تتحرش بيوسف عليه السلام‏,‏ وظلت مرارا وتكرارا تراوده عن نفسه من غير حياء أو خجل‏,‏ فالأسباب مهيأة في بيت يفتقد إلي رجل غيور علي حرماته‏,‏ والكفر لا يمنع المرأة من السقوط لإشباع جوع الجسد ولكنها لم تجد من الشاب الجميل الوسيم إلا ثباتا علي عفته وحرصا علي طهارته ونقائه‏.‏

ويتساءل‏:‏ من أين لنا اليوم بشباب كيوسف في مجتمع ثارت فيه الغرائز كالطوفان لا تمنعه سدود ولا حدود حتي صار معظم الشباب من الجنسين بين ذئاب تبحث عن الغرائز ونعاج تخرج من بيوتها دون رعاية أو حارس‏..‏ ولا تسأل عن الحارس فالأخلاق غائبة والآباء والأمهات خارج الخدمة‏.‏

ومتي كنا نعاقب علي جريمة التحرش؟ والشباب يمارس علي مرأي ومسمع من الناس‏,‏ فقد كان رضا الطرفين ولا يزال شفيعا للجريمة‏,‏ وكأن المجتمع المسلم ليس له حق يطلبه في انتهاك الحرمات في الشوارع والطرقات حتي صار التحرش يلاحق النساء والفتيات والقاصرات‏,‏ وزاد الأمر سوءا حتي لحق بالأطفال الأبرياء وكأننا أمام ذئاب جائعة يستهويها لحم الأطفال الصغار وأجسام الكاسيات أحيانا والكاسيات العاريات أحيانا أخري‏,‏ ومن قبيل العبث في الفهم والخطأ في الرأي أن نواجه هذا البلاء بالمواعظ والكلمات‏,‏ وإنما يحتاج الأمر إلي إصلاح الخلل وإشباع جوع المنحرف إلي الشهوة‏..‏ كيف؟ إذا تيسرت أسباب الزواج وتلك مسئولية المجتمع كله علي اختلاف هيئاته والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‏.‏

فالجائع المحروم إذا سرق طعاما وبه جوع فالمتهم هو المجتمع‏,‏ قالها عمر رضي الله عنه للسيد الذي شكا إليه خادمه الذي سرق الطعام‏(‏ لو سرق هذا الغلام مرة أخري لقطعت يدك أنت‏).‏

وجوع المنحرف إلي الشهوات أكثر خطرا من جوع البطون‏,‏ فهو وباء يهدد المجتمع إذا لم يحصن نفسه بأسباب الوقاية التي تقضي علي الفتنة في مهدها كما أخبرنا الحق سبحانه إذ يقول واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏.‏

فإذا تهيأت للإنسان بيئة لا يكثر فيها فساد الأخلاق‏,‏ ولا يجاهر الناس فيها بالفواحش من غير حرج‏,‏ ثم تيسر فيها الحلال الطيب‏,‏ فمن الصعب أن يمارس الإنسان جريمة التحرش بالنساء أو أن يسقط في كارثة الاغتصاب‏,‏ فمن فعلها في تلك الأجواء فلا يلومن إلا نفسه‏,‏ إذ يؤخذ بعقاب الذين يفسدون في الأرض فسادا وهو العقاب الذي نصت عليه الآية الكريمة في قوله سبحانه‏:‏ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم‏.‏

ويوضح الدكتور محمود أن الشعوب التي تبيح الفواحش وتشيع فيها الفوضي والانحلال هي أكثر تشددا في جريمة التحرش وعقوبتها‏,‏ وقد يصل الأمر إلي ساحة القضاء كما سمعنا‏,‏ فهل آن الأوان لكي نراجع حياتنا ونصحح زوايا المسير قبل أن ينهار المعبد علي رؤوس الجميع؟‏.‏

جريمة داخل الأسرة والعشوائيات‏!‏
ظاهرة التحرش الجنسي لابد أن ننظر لها نظرة أعمق‏,‏ كما تقول الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية‏,‏ خاصة أن المتحرش أصبح في كل المراحل العمرية ولا يتوقف علي الأماكن العامة‏,‏ وهناك تحرش داخل الأسرة ونحن نعلم أسبابه وهو السكن في أماكن ضيقة وداخل العشوائيات‏,‏ وترجع هذه الظاهرة إلي انقسام فئات المجتمع إلي طبقات متفاوتة منها طبقات تعاني الفقر فتظهر هذه السلوكيات العشوائية كنوع من الانتقام والمعاناة والإحباط الذي يعيشه الشباب وإحساس بعدم الثقة بالذات وعدم القدرة علي التكوين الطبيعي المستقبلي فأصبحت البطالة سيفا علي رقاب الشباب وتضيف أن الإحساس بعدم العدالة وأن الواسطة سواء كانت سياسية أو اقتصادية تحقق كل رغبات الإنسان‏.‏

علي الجانب الآخر فئة الأغنياء التي تستمتع بكل متع الحياة ومعظم الناس محرومون‏,‏ مما أدي إلي أن الأغنياء أنفسهم يسلكون سلوكا سلبيا يتعلمون الاستهتار واللامبالاة وعدم احترام القانون نظرا لأن آباءهم يتفرغون لجمع المال أو البقاء في السلطة دون رعاية أخلاقية لأبنائهم‏,‏ فأصبحت كل الفئات من الطبقات في المجتمع تعاني عدم الالتزام‏,‏ بالإضافة إلي الفراغ الذهني وعدم إشغال العقل بقضايا فكرية ومستقبلية بدلا من المعاكسات والجلوس داخل غرف الإنترنت ونحن نعلم مدي خطورتها‏,‏ فالفراغ والبطالة سبب في ظهور هذه الظاهرة‏,‏ بالإضافة إلي عامل مهم جدا هو غياب الوازع الديني والتنشئة والتربية التي هي مسئولية كل من المسجد والمدرسة ولا نلقي بأولادنا ليتلقوا ثقافتهم بالجلوس في السايبر الذي تجتمع فيه فئات ومستويات مختلفة‏.‏

ولا تخرجنا هذه العوامل عن الأساس وهو الأسرة التي لا تعلم ماذا يفعل أبناؤها خارج البيت‏,‏ فلابد من مراقبتهم وتدعيمهم بالنصائح والأخلاق حتي يمكن خلق جيل أكثر التزاما‏,‏ خاصة الجيل الحالي الذي يعيش العولمة بكل ما فيها من تناقضات وتشتمل علي العلم والانحراف‏.‏

مبررات الاستباحة‏!‏
ويؤكد الدكتور عبدالفتاح الشيخ عضو مجمع البحوث أن التحرش الجنسي أثيرت حوله أحاديث ومبررات مختلفة‏,‏ ولكن حينما استبحنا هذه الأسباب وجعلناها ثقافة من ثقافات المجتمع بدعوي عدم التخلف عما يجري خارج بلاد الإسلام كانت النتيجة وقوعنا في محاذير التحرش الجنسي وخلافه مما حرمه الله تبارك وتعالي‏,‏ وبالتالي فعلينا أن نمنع هذه الأسباب مثل اختلاط الشباب من البنين والبنات والجلوس معا والتصاق كل منهما بالآخر في الجامعات وفي الشوارع مما يثير غرائز الشباب‏,‏ فإذا منعنا كل ذلك لن نحتاج إلي قانون يجرم التحرش الجنسي‏,‏ وإذا قيل ربما يحدث ذلك سيكون أمرا نادرا ونحن نعلم أن الشريعة قررت فيه عقوبة تعزيرية يحددها القاضي بحسب الظروف والملابسات‏.‏

ويشير إلي أنه يتعجب من أن تبقي البنات خارج بيوتهن ثم يتجولن في الشوارع بعد منتصف الليل وليس معهن أزواج أو إخوة يحمونهن من أي منحرف يتعرض لهن‏,‏ إذن ترك البنات والشباب دون رقابة ودون مرافقين من أفراد الأسرة الذكور سبب جوهري في حدوث هذا التحرش‏,‏ وأضف إلي ذلك نوعية الملابس التي ترتديها الفتيات التي تكشف عن مفاتن أجسادهن كلها عوامل حرمتها الشريعة الإسلامية حتي لا يقع ما هو أشد من التحرش‏ فإذا أخذنا بالشريعة الإسلامية ستختفي كل هذه الظواهر التي يعاني منها الناس‏.‏