المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكومة السودان /ضد/ يحي عسيل يحي



شمس الدين
03-20-2009, 12:09 PM
المحكمة العليا
القضاة :
سعادة/ السيد مهدي الفحل نائب رئيس المحكمة العليا رئيساً
سعادة/ السيد عمر بخيت العوض قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة/ السيد حسن علي أحمد قاضي المحكمة العليا عضواً





حكومة السودان /ضد/ يحي عسيل يحي


م ع/ م ك/ 182/ 1974

المبادئ:

قانون جنائي – حق الدفاع الشرعي – شرط التناسب بين الرد والعدوان – أثره.

قانون جنائي – تجاوز حق الدفاع الشرعي – شروطه – المادة 249/2 عقوبات.

1- أذا لم يتوفر شرط التناسب بين الرد والعدوان بان بذل المتهم قدراً من القسوة أكثر مما يتطلبه الدفاع هنا يجئ التجاوز الذي يفقده الاحتماء كلية بحق الدفاع الشرعي عن النفس ليقع تحت طائلة الاستثناء الثاني من المادة 249 عقوبات.
2- يشترط للأستثناء الثاني تحت المادة 249 من قانون العقوبات أن يكون القاتل حسن النية والا يكون قد نفذ القتل نتيجة نية مبيتة من قبل على بذل أكثر مما يلزم للدفاع.

الحكم:
29/4/1975 :
بتاريخ 8/4/1974 عقدت محكمة كبرى بالجنينة لمحاكمة المتهم يحي عسيل تحت المادة 251 من قانون العقوبات لقتله المتوفي سليمان موسى أبكر . لقد أدانته المحكمة الكبرى تحت التهمة الموجهة إليه وقضت باعدامه شنقاً حتى الموت.
الحقائق التي أعتقدت المحكمة في صحتها وأثبتتها في أورنيك ملخص البينات وأدانت المتهم بموجبها تتلخص بايجاز في أن المتهم هو ربيب المرحوم حيث تزوج الأخير والدة المرحوم وما زال وقتها المتهم طفلاً غريراً وعاش مع أمه والمرحوم تحت سقف واحد.
كان ثلاثتهم يعملون بالزراعة سوياً في مزرعتهم ويأكلون ما يحصدون في أسرة واحدة – قبل ثمان سنوات حصلوا على محصول جيد من مزرعتهم وباعوا جزءاً من المحصول وأشتروا به بقرة ولدت لهم عدة بقرات مات منها خمس وبقيت البقرة وأثنتان . لم توزع الأبقار بينهم ولكن لما أراد المتهم الزواج للمرة الثانية طلب احدى البقرات الثلاث عبارة عن نصيبه منها ليقضي بها التزاماته كمتزوج جديد ولكن المرحوم رفض أن يعطيه بقرة وهكذا بدأ الخلاف يدب في الأسرة الصغيرة حتى وصل حد الكشح بالتراب والمريسة وسل السكين وتوجيه الشتائم حتى وصل الأمر بينهما الى المحاكمة حيث أدين المتهم والمرحوم بجريمة المشاجرة وغرم كل منهما وبقي موضوع البقرات معلقاً أمام مجلس قضاة أبي سروج.
نتيجة لهذا الخلاف فقد طرد المرحوم المتهم من منزله.
في يوم الحادث جاء المتهم لوالدته – شاهدة الإتهام الخامسة – في مزرعتها فوجد معها زوجها المرحوم ووجدهما يتكلمان في موضوع الأبقار وجدد المتهم طلبه في أن يعطي بقرة هي نصيبه في الشراكة ولكن المرحوم أيضاً رفض اعطاءه بقرة وكان المتهم يصر أن يأخذ بقرة وكان المرحوم يرفض بشدة وأحتد بينهما الجدل في موضوع البقرة مما حدا بالمرحوم أخيراً أن يرفع عصاه ويريد أن يضرب بها المتهم ولكن المتهم صرف العصاة حتى وقعت على الأرض وأخذ فأسه وضرب بها المرحوم على عنقه حتى القاه أرضاً . حاولت والدة المتهم حجزه ولكن المتهم دفعها بعيداً وواصل ضرب المرحوم وهو واقع على الأرض حتى كسر كلتا يديه وكلتا رجليه وسبب له كسر في عظام الرقبة وتهتك الأوعية الدموية والأعصاب.
هنالك بينات كافية تثبت هذه الحقائق وهي أعتراف المتهم والذي ردده في كل مرة سئل فيها وأفادة والدته – شاهدة الإتهام الخامسة . لا جدال في أن المتهم قصد تسبيب موت المتوفي أو على أقل تقدير كان يعلم أن موته سيكون النتيجة الراجحة لفعله حيث أنه أختار أداة خطرة وأستهدف موضعا جد حساس وحيوي من جسم المرحوم وأنه أشفع ضربته تلك قدراً كبيراً من قوة شبابه.
من الحقائق التي أعتقدنا في صحتها هل نجد أن المتهم كان يمارس حقه في الدفاع الشرعي عن نفسه عندما ضرب المتوفي وسبب موته . أن حق الدفاع الشرعي عن النفس ينشأ بمجرد بدء التخوف من إعتداء وشيك الوقوع ويمتد هذا الحق تحت شروط معينة تحت المادتين 58-59 من قانون العقوبات الى تعمد تسبيب الموت أذا كان الفعل المراد دفعه يشكل أعتداء يتخوف أن يحدث منه الموت أو الأذى الجسيم أذا ما قام ذلك التخوف على أسباب معقولة أن إثبات نشوء حق الدفاع الشرعي عن النفس يقع على عاتق المتهم الا أن القانون لا يتطلب منه إثبات ذلك بقطع الشك وأنما يكفي توجيهه لصالحه أو خلق شك معقول يحمل المحكمة على الأعتقاد بأنه كان يمارسه عندما اتى الفعل المشكو منه.
أن المتوفي رجل في عنفوان رجولته وأن المتهم فتى يانع في ريعان شبابه سبق للمتوفي أن أستل السكين في وجه المتهم عندما طالبه ببقرته وفرح ولذلك وعندما جاء المتهم لم يكن يظن أنه سيقابل المتوفي لأنه أي المتوفي قد سبق أن طرد زوجته وهي والدة المتهم من منزله بسبب نفس البقرة وأنها أقامت قطية منفصلة في زرعها وأن المتوفي في يوم الحادث جاء صدفة لزوجته وأن المتهم عندما وجدهما يتكلمان في موضوع البقرة سأل المتوفي عن بقرته وأن الأخير رفض رفضاً باتاً أن يعطيه البقرة وقال أنه سيأكلها وانه في أثناء هذه المناقشة كان يحمل سكيناً في يده وكان يحد من شفرتها (يسنها) وأنه بعد أن سلها أدخلها في جيبه ثم حمل عصاة كانت بجانبه وقام يريد أن يضرب بها المتهم ولكن المتهم صرفها عنه وأهوى بفأسه على رقبة المتوفي الذي سقط على أثر الضربة وأنه بعد ذلك صار يضربه على أرجله وأياديه حتى كسر يديه ورجليه . من ذلك أرى أن تصرف المتوفي في أعتدائه على المتهم لابد أن يكون المتهم قد خشى معه أن يسبب له المتوفي الموت أو الأذى الجسيم وأرى أن هذا التخوف قائم على أسباب معقولة لابد أن تكون قد وقرت في ذهن المتهم بحسب أن المتوفي يكبره سناً إذ أنه كهل في عنفوان رجولته وأن المتهم فتى صغير وأن المتوفي هو الذي بدأ يضرب المتهم وأن المتهم يعلم أن المتوفي يخبئ في جيبه سكيناً حدّ من شفرتها وأنه لابد أن يكون قد خشى المتوفي لا محالة لاجئ الى تلك السكين ومعلوم أن مجرد الأعتقاد بتوقع حدوث الأعتداء الذي يخشى منه الموت أو الأذى الجسيم يكفي لممارسة حق الدفاع الشرعي عن النفس (حكومة السودان /ضد/ تاج الدين عيسى ذكوه – المجلة القانون لسنة 1970 ص 10) . أن أصرار المتهم على مواصلة ضرب المتوفي على يديه ورجليه بعد أن وقع على أثر الضربة الأولى رغم أنها قد جعلته يتجاوز حق الدفاع عن النفس الا أنها في نفس الوقت تنبئنا عن مدى الخوف والذعر الذي يزرح تحته المتهم في تلك اللحظات الحرجة . كان المتهم يخاف من أن المتوفي أذا أستطاع أن يثب عليه لكان في ذلك نهاية أمره ولذلك لم يكن يريد أن يدع له سبيلا إليه.
لكل ذلك أرى أن المتهم كان يمارس حقه المشروع في الدفاع عن نفسه عندما ضرب المتوفي وسبب موته الا انني أرى أن المتهم قد تجاوز حدود الدفاع بحسن نية . أن هنالك حق دفاع نشأ لصالح المتهم عندما أعتدى عليه المتوفي وأراد ضربه ، إن شرط التناسب بين الرد والعدوان غير متوافر حيث أن المتهم قد تجاوز حدوده بان بذل قدراً من القوة أكبر مما يتطلبه الدفاع حيث أن المتهم لم يكتف بالضربة الأولى التي أسقطت المتوفي على الأرض وجعلته فاقد الحول والقوة بل أستمر يضربه على يديه ورجليه حتى كسرها كما ضربه على صدره حتى سبب له كسراً بالصدر وهنا جاء التجاوز الذي أفقده الأستناد كلية لحق الدفاع الشرعي عن النفس ليقع تحت طائلة الأستثناء الثاني للمادة 249 من قانون العقوبات . يشترط هذا الأستثناء أن يكون القاتل حسن النية ولا يكون قد نفذ القتل نتيجة نية مبيتة من قبل على بذل أكثر مما يلزم للدفاع . وأرى أن الشرطين قد أستوفيا . أن المتهم عندما جاء لمنزل والدته لم يكن يعلم أن المتوفي موجود هناك وما كان يتوقع وجوده في ذلك المكان لأن المتوفي سبق أن طرد والدة المتهم من منزله وأنها كانت تعيش لوحدها في زرعها في قطية قامت هي بعملها هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى فأن المتوفي هو الذي أدى للعدوان وهذا مما يثبت حسن النية وفيما يتعلق بنية أحداث أذى أكثر مما هو ضروري لحق الدفاع فان أستمرار المتهم في ضرب المتوفي على رجليه ويديه ليس سببه أن المتهم كانت لديه نية أحداث أذى أكثر مما هو ضروري بقدر ما يعزي الى حرص المتهم على الا يدع فرصة للمتوفي تمكنه من أن يثب عليه لسابق عمله بخطورة ذلك على حياته على النحو الذي فصلناه آنفاً.
ومن الناحية الأخرى يمكن أن يقال أن المتهم كان واقعاً تحت تأثيراً أستفزاز شديد ومفاجئ أفقده السيطرة على أفعاله فعندما ضرب المتوفي وسبب موته حيث أن المتوفي لم يكتف بان رفض أن يعطي المتهم ثوره بل أساء الى أمه أمامه بان قال لها أنا بطلقك واخليه (أي المتهم) يعمل ليك بيت ويبركك فيه) ثم أخذ عصاه ووثب نحو المتهم يريد ضربه وأن المتهم صرف الضربة وبدأ يكيل له الضربات وأن أستمرار المتهم في مواصلة ضرب المتوفي بعد أن أوقعه على الأرض أثر الضربة الأولى يرجع الى شدة الأستفزاز التي أفقدت المتهم السيطرة على كبح جماح ثورة الغضب التي أججها في نفسه فعل المتوفي وخوفه من أن يستطيع المتوفي وهو الرجل المكتمل الرجولة التحامل على نفسه والوثوب إليه وهذا ما يجعل ما أتاه المتهم يتناسب مع شدة الأستفزاز وشدة الخوف التي ترسبت في أعماق المتهم وعليه نرى أن نعدل الأدانة للمادة 253 من قانون العقوبات وأن نعدل العقوبة الى السجن لمدة أربعة عشر عاماً.


29/4/1975
القاضي عمر بخيت العوض :
أوافق.
30/4/1975
القاضي مهدي الفحل الفكي :
أوافق.