المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكومة السودان /ضد/ علي ترضانة أكري



شمس الدين
03-20-2009, 12:07 PM
المحكمة العليا
القضاة :
سعادة السيد / مهدي الفحل نائب رئيس المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد / عمر بخيت العوض قاضي المحكمة العليا بالإنابة عضواً
سعادة السيد / حسن علي أحمد قاضي المحكمة العليا بالإنابة عضواً


حكومة السودان /ضد/ علي ترضانة أكري


م ع/ م ك/ 170/ 74

المبادئ:

قانون جنائي – شروط أنطباق الأستثناء الخامس للمادة 249 من قانون العقوبات.

لتطبيق الأستثناء الخامس للمادة 249 يجب أن يكون الفعل الذي سبب الموت مرضياً عنه ومأذوناً فيه من جانب المجني عليه ،مع إثبات أنه كان محيطاً بالوقائع ومنتوياً أن يتحمل الموت ويقاسي الأمه وأن يكون هذا التصميم والعزم مستمراً حتى لحظة الموت ولذلك لا تنطبق أحكام الاستثناء الخامس على حالة المبارزة لأن كلا من الطرفين ينازل خصمه قاصدا الأضرار به.

الحكم:
26/3/1975 :
القاضي حسن علي أحمد :
هذه اجراءات محكمة كبرى عقدت بالحصاحيصا بتاريخ 25/8/1974 لمحاكمة المتهم على ترضانه أكوي تحت المادة 251 من قانون العقوبات لقتل المتوفي عثمان صالح ، لقد وجدته المحكمة الكبرى مذنباً تحت التهمة الموجهة اليه وقضت بإعدامه شنقاً حتى الموت.
الحقائق كما أعتقدت المحكمة الكبرى في صحتها وأدانت المتهم بموجبها وأوجزتها في ملخص بيناتها هي ان المتهم والمتوفي من عمال الزراعة المتجولين بمشروع الجزيرة والنازحين اليها من الغرب وربما من خارج السودان . كانا بقرية أم عضام من ضواحي الحصاحيصا وقبل شهرين من الحادث حصلت بينهما مشكلة صفع المتهم أثناءها المتوفي وحيل بينهما في ذلك الوقت.
ثم جاء المتوفي لمنطقة الشاوراب من ضواحي الحصاحيصا ومكث فيها عشرة أيام وفي اليوم العاشر قابل المتهم الذي كان عابراً بها أيضاً ليمكث فيها بعض الوقت وتجددت المشكلة بين المتهم والمتوفي في مشادة كلامية وطلب المتهم من المتوفي أن يتبعه للخلاء وخرجا وعندما صارا خارج الحلة على بعد مائة واثنى عشرة خطوة طعن المتهم المتوفي طعنتين بالسكين على صدره أودتا بحياته في اليوم التالي.
لقد وصلت المحكمة الكبرى لهذه الحقائق مرجحة أقوال المجني عليه التي أدلى بها ساعة أحتضاره وهي لا تختلف عن أقوال المتهم فيما عدا واقعة واحدة لقد ذكر المتهم أنه بعد أن أتفقا على الخروج للخلاء للمناجزة وبعد أن صارا خارج الحلة ابتدر المتوفي المتهم وطعنه بسكين على يده اليمنى . لم تصدق المحكمة الكبرى هذه الحقيقة وأخالفها فيما ذهبت إليه حيث ثبت من أفادة المتحري أنه شاهد جرحاً بأصبع يد المتهم اليمنى وكذلك أثبت القرار الطبي عن المتهم وجود هذه الإصابة وعزاها لالة حادة وأكد أنه جرح عميق . وهذا يثبت أنه كان لدى المتوفي سكين وكون أن شهود الإتهام الذين جاءوا بعد الحادث لم يروها فإن هذا وحده لا يثبت أنه لم تكن لديه سكين لأنهم ربما يكونوا لم يروها لأن الدنيا كانت ظلاماً إذ من غير المعقول أن يذهب شخص لمنازلة خصم بدون ان يحمل أي نوع من السلاح . بعد إثبات هذه الحقيقة تكتمل الصورة بان كلا من المتهم والمتوفي وافق على المبارزة وان كلا منهما يحمل سكينا لهذا الغرض ورغم أن المتوفي هو الذي بدأ باستعمال السكين إلا أن المتهم قد تمكن من طعنه طعنتين احدثتا نزيفا داخل الصدر كان السبب المباشر للوفاة ومن ذلك فان ادانته المبدئية تحت المادة 251 من قانون العقوبات جاءت صحيحة حيث أن المتهم قد أستعمل أداة خطرة في تسبيب الأصابات وأستهدف مكاناً جد حيوي وحساس من جسم المتوفي.
لقد وافق الطرفان نتيجة للعداء السابق بينهما على الخروج للخلاء للقتال وقد اخذ كل منهما سكينة لاستعمالها في المعركة وهذا ما يبعد أن يكون أياً منهما كان في حالة دفاع عن النفس أو أن يجعل أياً منهما يستفيد من أي واحد من الأستثناءات الواردة في المادة 249 من قانون العقوبات . قد يتبادر الى الذهن الاستثناء الوارد في المادة 249 (4) من قانون العقوبات وهو الاستثناء الذي لا يعتبر القتل عمداً أذا كان الشخص الذي سبب موته قد عرض نفسه للموت برضائه أو خاطر بالتعرض له برضائه اذا كانت سنه تزيد عن الثامنة عشر . ولتطبيق هذا الأستثناء يجب أن يكون الفعل الذى سبب الموت مرضياً عنه ومأذوناً فيه من جانب المجني عليه ، كما يجب أن يثبت أنه كان محيطاً بالوقائع منتوياً أن يتحمل الموت ويقاسي آلآمه وأن يكون هذا التصميم والعزم قد أستمر حتى لحظة القتل.
في قضية حكومة السودان ضد يسن كارارا ايزا رقم 308 لسنة 1956 والتي تشابه وقائعها وقائع هذه القضية حيث أتفق الجاني والمجني عليه على النزال بعيداً عن الناس وحيث حمل كل منهما عكازة لغرض النزال وحيث تمكن الجاني من ضرب المجني عليه حتى سبب موته . دفع الجاني بالدفاع الشرعي ولكن شروطه لم تكن متوافرة في وقائع الدعوى وقد نفي رئيس القضاء آنذاك أي استفزاز أو عراك مفاجئ نظراً لأتفاق الطرفين على النزل وقد أستطرد رئيس القضاء قائلاً أنه قد يقال بان هناك مبارزة جنائية أي أرتضاها المجني عليه وباتالي يقع فعل الجاني تحت الأستثناء الخامس من المادة 249 من قانون العقوبات ولكنه نفي ذلك الرضاء في الأستثناء المذكور لا يستمد من مطلق الموافقة على تحمل نتائج مطلقة وأنما يجب أن يكون المجني عليه قد رضي بالموت على يد الجاني كما لو رضى المجني عليه بالخضوع لعملية خطيرة (أنظر مجلة السودان للقانون والأحكام لسنة 1956 ص 33).
في قضيتنا وفي السابقة التي أشرت إليها نجد أن كلا من المجني عليه والجاني قد وافق على أن ينازل خصمه في معركة كان كل منهما يحرص كل الحرص على أن ينال فيها من خصمه بمعنى أن كلا منهما كان معرضاً للموت من قبل الآخر وهذا ليس ما قصد إليه الأستثناء الخامس الذي أوجب أن المجني عليه قد رضى بالموت على يد الجاني . أي أن هنالك شخصاً وأحداً كان راضياً ومنتوياً أن يتحمل الموت على يد شخص آخر ومأذوناً له فيه كما هو في حالة جرحى الحروب الذين يقتلون زملاء آخرين لوضع حد لآلامهم.
وعليه أرى أن نؤيد الأدانة والعقوبة معاً.
30/3/1975 :
القاضي عمر بخيت العوض :
أوافق.
19/4/1975 :
القاضي مهدي الفحل :
أوافق.
مذكرة حول أستعمال حق الرحمة :
المتهم والمتوفي من العمال الزراعيين المتجولين بمشروع الجزيرة والنازحين اليها من الغرب . قبل شهرين تقريباً من تاريخ الحادث حصلت بينهما مشكلة صفع المتهم أثناءها المتوفي وحيل بينهما في ذلك الوقت . في يوم الحادث تقابلا صدفة في منطقة الشاوراب وأتفقا على الخروج من الحلة للمبارزة . كان كل منهما يحمل سكيناً وعندما صارا خارج الحلة أبتدر المتوفي وطعنه بسكين في يده اليمنى وتمكن المتهم بعدها من طعن المتوفي طعنتين أحدثتا نزيفاً داخل الصدر كان السبب المباشر للوفاة.
لقد وجدت المحكمة الكبرى المتهم مذنباً تحت المادة 251 من قانون عقوبات ونحن نؤيدها فيما ذهبت إليه حيث أن المتهم قد أختار مكاناً جد حساس وحيوي من جسم المتوفي وسدد نحوه طعنتين من أداة خطرة وقاتلة وأن المتهم لم يكن يمارس حقه في الدفاع الشرعي عن نفسه ولا يستفيد من أي واحد من الأستثناءات الواردة في المادة 249 من قانون العقوبات والتي تغير ماهية الجريمة من القتل العمد للقتل الجنائي.
ولقد أوصت المحكمة الكبرى بأخذ الرأفة بالنسبة لصغر سنه ونحن بدورنا نضم صوتنا الى صوتها لسببين :
أولها : ان المتهم فعلاً صغير السن إذ أن عمره عشرون سنة وقد درجت محكمتنا على التوصية بالرحمة على من هم في مثل سنه مستظلين بظل المادة 75 من الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية والتي توجب الأ تصدر عقوبة الأعدام على الذين تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً.
ثانيهما : أن المتهم قد سبب موت المتوفي في مشاجرة شريفة وافق كل من الجاني والمجني عليه على خوضها بمحض أختياره مستعملين أسلحة متكافئة معرضاً كل منهما نفسه فيها للخطر وهذا يختلف عندما يسبب شخص موت آخر عن قصد وفي خسة وغدر وهو ظرف لابد أن يؤخذ في الأعتبار عند تقدير العقوبة المناسبة.
وعليه أذا وأفق السيد الرئيس فليتفضل بالتوقيع على الأمر التالي :
اعدل الحكم الى السجن مدى الحياة /ضد/ المتهم علي ترضانة أكوي أعتباراً من 28/4/1974.