المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عدم دستورية اعتبار الشخص شريكا في الجريمة بعد وقوعها (المحكمة الدستورية)



د.شيماء عطاالله
12-03-2012, 01:59 PM
بالجلسة المنعقدة علنا بالمحكمة بتاريخ 16 من ربيع الآخر 1428هـ الموافق 22 من أبريل 2008م.
صدر الحكم الآتي
في الدعوى المحالة من المحكمة الكلية (دائرة الجنايات – تظلم) رقم (2) لسنة 2003 – أمن دولة جنايات :
المقامة من : النيابة العامة
ضــد : ...................
المقيدة بسجل المحكمة الدستورية برقم (6) لسنة 2007 "دستوري".
الـوقـائـع
حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن النيابة العامة أسندت إلى (المتهم) ...... وأربعة آخرين عدة تهم نسبت فيها إلى (المتهم) أنه في غضون الفترة من شهر نوفمبر سنة 2002 وحتى 21 يناير سنة 2003 بدائرة الإدارة العامة لمباحث أمن الدولة محافظة العاصمة – أولاً : اشترك في الجرائم من الأولي إلى السادسة المسندة إلى المتهم الأول (القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، الشروع في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، حيازة وإحراز سلاح ناري لا يجوز الترخيص به، حيازة وإحراز ذخيرة مما يستعمل في السلاح الناري موضوع التهمة الثالثة حالة كونه لا يجوز الترخيص به، حيازة وإحراز سلاح ناري بدون ترخيص من الجهة المختصة، حيازة وإحراز ذخيرة مما يستعمل في السلاح الناري موضوع التهمة الخامسة) بعد وقوع هذه الجرائم، بأن قام بإخفائه بعد علمه بارتكابه لجرائمه، بأن نقله بسيارته لقرب الحدود السعودية الكويتية بعيداً عن المنفذ الرسمي بقصد تهريبه من البلاد وإخفائه عن أعين السلطات الأمنية وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. ثانياً : أحرز سلاحاً نارياً مما لا يجوز الترخيص به.
وحيث إن المادة (49/أولاً) من قانون الجزاء تنص على أن "يعد شريكاً في الجريمة بعد وقوعها من كان عالماً بتمام ارتكاب الجريمة وصدرت منه فعل من الأفعال الآتية : أولاً إخفاء المتهم بارتكابها، سواء كان فاعلاً أصلياً للجريمة أو كان شريكا فيها قبل وقوعها". كما تنص المادة (55/1) من قانون الجزاء على أن "يعاقب الشريك في الجريمة بعد وقوعها بالعقوبة المقررة لها، إلا إذا كانت الجريمة جناية فلا يجوز أن تزيد العقوبة على الحبس مدة خمس سنوات.
وحيث إن النعي على هذين النصين – حسبما يبين من حكم الإحالة- يقوم أساساً على أن أولهما قد جرم فعل إخفاء المتهم بارتكاب الجريمة بعد وقوعها وهو علم بتمام ارتكابها، وأسبغ على المخفي وصف الشريك في الجريمة بعد وقوعها، وأن النص الثاني أنزل العقاب الذي حدده على من أسبغ عليه هذا الوصف، في حين أن الاشتراك في الجريمة يتطلب قصداً خاصاً وإتيان فعل من الأفعال المكونة للاشتراك كالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة مما يستوجب عقلاً أن تكون هذه الأفعال سابقة على ارتكاب الجريمة أو معاصرة لها لأنها تقع بناء على فعل الشريك وما قصد إليه، ولهذا فإن معاقبة من أخفي المتهم بجريمة بعد ارتكابها دون قيامه بأي دور فيها قبل ارتكابها واعتباره شريكا فيها بعد وقوعها يخالف مبدأ شخصية العقوبة المنصوص عليه في المادة (33) من الدستور.
وحيث إن النص في المادة (30) من الدستور على أن "الحرية الشخصية مكفولة" وفي المادة (32) منع على أن "لا جريمة ولا عقوبة غلا بناء على قانون ..." وفي المادة (33) منه على أن "العقوبة شخصية" يدل – وحسبما جري به قضاء هذه المحكمة – على أن مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة الذي يخول المشرع بموجب سلطته التقديرية- التي يمارسها وفقا للدستور – الحق في إنشاء الجرائم وتحددي العقوبات التي تناسبها، وإن اتخذ هذا المبدأ من كفالة الحرية الشخصية بنياناً فقراره، وأساساً لتأكيده إلا أن هذه الحرية ذاتها هي التي تقيد محتواه ومضمونه، بحيث لا يكون إنفاذه إلا بالقدر اللازم الذي يكفل صونها، ولازم ذلك أنه يجب أن تكون الأفعال المؤثمة محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها حتى يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقة تلك الأفعال التي يتعين عليهم اجتنابها، وذلك تحقيقاً لهدف المشرع من العقوبة وهو الزجر الخاص للمجرم جزاءً وفاقاً لما اقترفته يداه من جرم، والردع العام لغيره لحمله على الإعراض عن إتيان الجرم، كذلك فإن مراعاة الحرية الشخصية يقتضي عدم إعمال نصوص عقابية يسئ تطبيقها إلى المراكز القانونية القائمة للمخاطبين بها. كما أن شرعية العقوبة بينها وبين شخصية العقوبة صلة لا تنفصم، فهما ترتبطان بمن كان مسئولا عن ارتكاب الجريمة، فالأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحملها إلا المسئول عنها قانوناً، وذلك بأن الشخص لا يحمل إلا وزر نفسه، ولا يدعي إلى حمل وزر غيره، فعقابه الجريمة لا يؤخذ بها إلا من جناها ولا يعاقب عنها غلا شخص من قارفها، سواء كان فاعلاً أصلياً لها أو كان شريكا فيها، وهذه الأمور وإن كانت تتسق مع قواعد العدالة – من منظور اجتماعي – فإنها تجد أصلها الثابت في مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، وأية ذلك قول الله تعالي في كتابه الكريم { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الإسراء : الآية 15، وقوله عز وجل {قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} سورة سبأ : الآية 25.
وحيث إن الاشتراك في الجريمة – بحسب الأصل – لا يعتبر قائما إلا إذا توافر في حق الشريك إتيانه بفعل من الأفعال التي تدل عليه من تحريض أو اتفاق أو مساعدة للفاعل الأصلي للجريمة قبل وقوعها أو في وقت معاصر لها، وثبوت اتجاه إرادته وانصراف قصده من وراء هذا السلوك إلى وقوعها، إذ أن المدار في الاشتراك في الجريمة هو علاقة الشريك بذات الفعل المؤثم المكون للجريمة، وليس بأشخاص من ساهموا معه فيها، فالشريك يستمد صفته من فعل الاشتراك الذي ارتكبه وقصده منه ومن الجريمة التي وقعت بناء عليه، فهو بالقطع شريك في الجريمة ذاتها وليس مجرد شريك مع شخص فاعلها، ولما كان النصان المطعون فيهما قد اعتبرا من قام بإخفاء المتهم بجريمة بعد تمام ارتكابها شريكا فيها وعليه عقوبتها، دون أن يصدر منه قبل وقوعها أي فعل من أفعال الاشتراك ينبئ بانعقاد نيته واتجاه إرادته وانصراف قصده على ارتكاب الجريمة ذاتها، فإن تجريم فعل إخفاء المتهم وإنزال العقوبة المقررة للجريمة الأصلية بالمخفي على الرغم من أنه كان بمنأى عنها ومنقطع الصلة بها حتى تمام وقوعها، تحت وصف الشريك في الجريمة بعد وقوعها، مؤداه حتما إلصاق جرم بشخص لم يقترفه وعقابه عن وزر لم يفعله، مما ينطوي بعينه على إهدار لأحكام الدستور بشأن شخصية العقوبة والحرية الشخصية، والتي تقتضي أن تكون سلطة المشرع التقديرية في إنشاء الجرائم وفرض العقوبات التي تناسبها بما يكفل صون هذه الحرية وحمايتها، ودون خروج على أحكام الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
(أولاً) : بعدم دستورية نص البند "أولاً" من المادة (49) من قانون الجزاء فيما تضمنه من اعتبار الشخص شريكاً في الجريمة بعد وقوعها إذا قام "بإخفاء المتهم بارتكابها سواء كان فاعلاً أصلياً للجريمة أو كان شريكا فيها قبل وقوعها".
(ثانياً) : بعدم دستورية نص الفقرة الأولي من المادة (55) من قانون الجزاء فيما تضمنه من معاقبة من صدر منه فعل إخفاء المتهم بارتكاب الجريمة باعتباره شريكاً فيها بعد وقوعها.
أمين سر الجلسة رئيس المحكمة