المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيان من كلية الحقوق جامعة الاسكندرية بشأن الإعلان الدستورى



ايمان السيد
12-03-2012, 09:46 AM
بيان من كلية الحقوق جامعة الاسكندرية بشأن الإعلان الدستورى الصادر من رئيس الجمهورية في الحادي والعشرين من نوفمبر 2012


عقد مجلس كلية الحقوق جامعة الاسكندرية جل
سته الطارئة في 28/11/2012 لمناقشة الإعلان الدستوري الأخير (الصادر في21/11/2012) وأصدر البيان التالى:

فاجأ رئيس الجمهورية المواطنين فى لحظة تاريخية دقيقة تمر بها البلاد بإصدار إعلان دستورى جديد فى 21 من نوفمبر2012 ، وقد أحدث هذا الإعلان انقساماً خطيراً فى صفوف الأمة. ولما كان لهذا الإعلان جانب سياسى وجانب قانونى، فقد عنيت كلية الحقوق بجامعة الاسكندرية -تقديراً منها لمسئوليتها وقياما منها بواجبها بحكم التخصص العلمى لأساتذتها- بدراسة هذا الإعلان من جانبه القانونى.

إنه مما يلفت النظر أن الإعلان الذى أصدره رئيس الجمهورية فى الحادى والعشرين من نوفمبر 2012 حرص فى مقدمته على بيان سنده الشرعى . وإذ جاء فيه أن ثورة الخامس والعشرين من يناير حمّلت رئيس الجمهورية مسئولية تحقيق أهدافها والسهر على تأكيد شرعيتها، والتأسيس لشرعية جديدة تاجها دستور يرسى ركائز الحكم الرشيد الذى يقوم على مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية ويلبى طموحات الشعب ويحقق آماله.

ولم يكن ما تضمنه الإعلان فى هذا الصدد صحيحاً بالمرة؛ فالثورة لم تنص فى أى وثيقة على تنصيب رئيس الجمهورية قائداً لمسيرتها ، ولم تعهد إليه بتأسيس الشرعية الجديدة، بل لقد تم انتخاب سيادته رئيساً للجمهورية بإرادة شعبية حرة بعد قرابة عام ونصف العام من قيام الثورة ونجاحها فى إسقاط النظام السابق، رئيساً ومؤسسات تشريعية وسياسية ، وكان انتخابه تالياً لتشكيل مجلسى الشعب والشورى ، ومن ثم فقد كان انتخابه ثمرة من ثمار الثورة ، بل كان هو آخر من أنجبته . وكان انتخابه هذا إيذاناً بانتهاء مرحلة الشرعية الثورية وبدء مرحلة الشرعية الدستورية. وتولى سيادته رئاسة الجمهورية فى ظل إعلان دستورى مؤقت أقسم اليمين على احترامه أكثر من مرة قبل أن يمارس مهام منصبه . وقد حدد هذا الإعلان فى المادة 56 منه اختصاصات بالتفصيل وعلى سبيل الحصر ، وليس من بينها شيء مما ورد فى ديباجة الإعلان الذى أصدره فى 21 نوفمبر 2012 ، وهو ما يقدح فى صحة السند الشرعى المذكور فيه.

وترى كلية الحقوق أن رئيس الجمهورية بإصداره هذا الإعلان قد خول نفسه سلطة لا حق له فيها، بل هى من حق الشعب وحده، وهى سلطة إصدار الدستور، سواء كان دستوراً دائماً أو مؤقتاً. وإذا كانت الضرورات الدستورية تقضى بتخويل رئيس الجمهورية على سبيل الاستثناء وبصفة مؤقتة سلطة التشريع فى حالة غياب مجلس الشعب - وهو الحاصل فى الآونة الراهنة - فهذه السلطة تقتصر حصرياً على إصدار قرارات بقوانين، لكنها لا تتسع بحال من الأحوال إلى حد إصدار إعلانات دستورية . ويبدو أن رئيس الجمهورية اعتقد خطأ غير ذلك ، وكان من نتيجة هذا الاعتقاد أن أصدر إعلاناً دستورياً ألغى به أحكاماً تضمنها الإعلان الدستورى الذى أقسم اليمين على احترامه ، فضلا عن مخالفته الصريحة أحكاماً أخرى تضمنتها نصوصه.

ويتضح هذا وذاك مما يلى :
أولاً: تنص المادة 46 من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 على أن السلطة القضائية مستقلة ، وتنص المادة 47 على أن القضاة مستقلون وغير قابلين للعزل ، ولا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل فى القضايا أو فى شئون العدالة.

ومع ذلك فقد نصت المادة الأولى من إعلان نوفمبر الذى أصدره رئيس الجمهورية على أن تعاد التحقيقات والمحاكمات فى الجرائم التى بينتها هذه المادة ضد الأشخاص الذين حددتهم، وذلك دون تفرقة بين الدعاوى التى أصبح الحكم فيها باتاً ، وتلك التى حكم فيها ومازال الطعن فى أحكامها منظوراً أمام القضاء ، وهو ما يعد مساساً خطيراً باستقلال القضاء وتدخلاً فى شئون العدالة ، وانتهاكا لمبدأ حجية الأحكام القضائية.

كذلك فقد نصت المادة الثانية على انقضاء جميع الدعاوى المنظورة أمام جهات القضاء طعنا على الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة فى 30 يونيو 2012، وهذا تدخل صريح فى شئون العدالة يغل يد القضاء عن الفصل فى دعاوى بين يديه.

ونصت المادة الخامسة من إعلان نوفمبر على حرمان أى جهة قضائية من حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور. ومما هو معلوم للكافة أن ثمة دعاوى منظورة أمام القضاء بشأن كل من مجلس الشورى والجمعية التأسيسية، والإعلان لا يوجب على القضاء الحكم بعدم جواز نظر الدعوى أو بانقضائها، بل يوجب عليه الحكم بما يشاء الا أن يحكم فيها على وجه معين، وهو الحل . وهذه صورة صارخة للتدخل فى القضايا.

ونصت المادة الثالثة من إعلان نوفمبر على حكم ينطوى على تعديل لقانون السلطة القضائية قصد به عزل النائب العام بأثر فورى ، وهو ما يتنافى مع استقلال القضاة وعدم قابليتهم للعزل.

ثانياً: تنص المادة 21 من الاعلان الدستورى المؤقت الصادر فى 30 مارس 2011 على أن التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة ، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، ويحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء.

ومع ذلك فقد نصت المادة الثانية من إعلان نوفمبر على تحصين كل ما أصدره رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة فى 30 يونيو 2012 من إعلانات دستورية أو قوانين أو حتى قرارات من الطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة ، كما لا يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء. ليس هذا فحسب، بل إن الحصانة تشمل كل ما يصدره رئيس الجمهورية مستقبلا من إعلانات دستورية أو قوانين أو قرارات منذ الآن وإلى أن يصدر الدستور الجديد وينفذ ويتم انتخاب مجلس شعب جديد. وهذا إهدار كامل لحق المواطنين فى التقاضى ، كان يجدر برئيس الجمهورية التنزه عنه ، لأنه لا يستقيم فى أى منطق ولا يسيغه أى مجتمع.

ثالثاً: نصت المواد من 4 إلى 24 من إعلان مارس 2011 على طائفة كبيرة من الحقوق والحريات العامة والضمانات الدستورية، وجاءت المادة السادسة من إعلان نوفمبر بحكم يسمح بعبارته الفضفاضة بالعصف بها جميعا؛ فقد نصت هذه المادة على أن لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها أن يتخذ الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة هذا الخطر على النحو الذى ينظمه القانون.

وإذا أضيف حكم المادة الثانية من إعلان نوفمبر إلى حكم هذه المادة لزم القول بأن المواطنين لم يعد لهم من الحقوق والحريات إلا ما يجود به عليهم رئيس الجمهورية.

من أجل هذا كله يعلن مجلس كلية الحقوق عن قلقه الشديد من الإعلان الصادر من رئيس الجمهورية فى نوفمبر من هذا العام ، ويهيب برئيس الجمهورية من منطلق الحرص على وحدة الأمة وأمنها وعلى احترام الدستور والقانون أن يبادر بالإعلان عن عدوله عن القرار الذى أصدره، لأن الرجوع إلى الحق ليس إقراراً بالهزيمة، بل هو عين الشجاعة وهي فضيلة لا تغض من قدر الإنسان، بل ترفع من شأنه وتزيده احتراما فى نظر الآخرين.

وافق مجلس الكلية على هذا البيان بالإجماع (إجماع الحاضرين)