المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسماء بنت أبي بكر.. ذات النطاقين



هيثم الفقى
04-12-2011, 03:09 AM
لعبت المرأة المسلمة دوراً مهماً في تاريخ نشر الدعوة الإسلامية والذود عنها وتحمَّلت في سبيل ذلك الكثير
من المتاعب والصعاب وربما العقاب والإيذاء أيضا. ومن هؤلاء أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما،
التي كان لها دور بارز ومؤثر في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، تلك الهجرة التي
كانت نقطة انطلاق وتحوُّل في مسار الدين الجديد.
وُلدت أسماء في العام الرابع عشر قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت من بيوت سادة قريش
هو بيت عبدالله بن أبي قحافة الملقَّب بأبي بكر. وهو بيت عزٍّ ومجد وغنى، وتعلَّمت من والدها الشجاعة
في القول والعمل ، والأمانة ، والصدق ، والرحمة والرفق بالضعفاء وإطعام الفقراء والمحتاجين.
وكانت قوية الجسم سريعة النمو، شديدة الذكاء والفهم والحفظ لما تسمعه حتى حفظت الكثير من أشعار العرب
ورواياتهم وأخبارهم وتاريخهم وأنسابهم، وكانت تشارك الخدم في إعداد موائد الطعام للضيوف الذين لا تخلو
قاعة البيت الكبيرة منهم يوماً سواء كانوا من الفقراء والمساكين أو من القاصدين لأمور التجارة.

إسلام أسماء

أسلمت أسماء بعد أن أخبرها والدها بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وحينما جاءهم الرسول زائراً في
البيت استقبلته قائلة: يا رسول الله، إنني آمنت بكل ما جئت به. فابتسم الرسول وسألها متلطفاً: بأي شيء جئت يا أسماء؟
قالت: قال لي أبي: إنك جئت برسالة من عند الله تعالى بأنه واحد لا شريك له، وأنه أرسلك إلى جميع الناس لتعلمهم ذلك ،
وأنه هو الذي يُعبد وحده، وأنه يأمر بالخير وينهى عن الشر وعن الإساءة إلى الناس، وأن الجنة في الآخرة لمن استقام وخاف من العقاب،
وأن النار لمن أشرك وكفر وظلم الخلق.
فقال له الرسول: بارك الله فيك يا أسماء.. ولكن تعاهدينني على الطاعة لله ولرسوله في كل ما يأمر به؟ قالت: نعم يا رسول الله أعاهدك
وأعاهد الله تعالى على الطاعة لكل ما تأمر به، والعبادة لله وحده.
وحافظت أسماء على العهد وازداد تمسكها به حتى في اختيارها شريك حياتها، لأنها اختارت من كان إيمانه قوياً صلباً لم يضعفه ما لاقاه
من تعذيب أهله وبطشهم به لإيمانه بمحمد، إنه الزبير بن العوام، خامس خمسة أسلموا وكان في الخامسة عشرة من عمره، وانتقلت
إلى بيت الزبير وكان فقيراً فلم يكن في بيته إلا فراش خشن ووسادة من ليف وقربة من الجلد للشرب والاغتسال ولكنها كانت راضية
سعيدة لأنهما اجتمعا معاً على الإسلام.

في مواجهة عدو الله

ويأتي دورها الأهم في إنجاح تنفيذ الأمر الإلهي بالهجرة، حيث كانت في بيت أبيها لسفر زوجها في تجارة له بالشام إذ جاء
النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر وقت الظهيرة ولم يكن معتاداً الحضور في هذا الوقت وقال لصاحبه:
إني قد أذن لي في الخروج والهجرة. وبعد خروجهما وبعد أن يئس المشركون من العثور على الرسول ذهبوا غاضبين ثائرين
إلى بيت أبي بكر وكسروا الباب على من بداخله فقال أبوجهل لأسماء: أين أبوك؟ فأجابته بأنه خرج، وأنها لا تعرف مكانه..
فلم يتمالك أبوجهل نفسه من شدة الغيظ فهوى على وجهها بيده القوية ولطمها لطمة وصلت إلى أذنها فشقّتها وسقط القرط منها وقد تخضَّب وجهها بالدماء.
ورغم ذلك، وقفت أسماء ثابتة لم تتزحزح، أما أبوجهل فقد انسحب في خزي وعار، وقد لامه أهل مكة على ضربه لأسماء من غير ذنب جنته.
ولم تكد أسماء تستريح مما لاقته من عدو الله أبي جهل، حتى طرق الباب جدها أبوقحافة الذي جاء مسرعاً بعد ما سمعه من نبأ
نجاة النبي صلى الله عليه وسلم وسأل عن أبيها. فأجابته بأنه هاجر إلى ربه. فسألها عمَّا يقوله الناس من أنه أعطى كل ماله لمحمد.
فأجابته: لقد ترك لنا خيراً كثيراً. وجمعت مع أختها عائشة حصوات من فناء البيت ولفتها في قطعة من القماش ووضعتها في
الكوّة (طاقة في الحائط) ثم سحبت جدها وكان قد فقد بصره فلمس بيده ما وُضع في الكوّة وهي تقول له: أليس كثيراً يا جداه ؟!
فأجابها الآن قد استراحت نفسي يا أسماء.

أول مولود للمهاجرين

ولم يتوقف دورها عند هذا الحد، بل لقد بدأت دوراً أكثر أهمية.. فبعد أن عرفت المكان الذي انتهى إليه الصاحبان وهو غار ثور،
كانت تأتي إليه ليلاً بالطعام والشراب ويصحبها أخوها عبدالله.. وفي اليوم الثالث صنعت أسماء سفرة فيها شاة مطبوخة ومعها سقاء الماء،
وذهبت بهما مع أخيها إلى الغار حتى إذا دنا وقت الرحيل وقفت أسماء تساعد في ربط الأشياء، وأرادت أن تعلِّق السفرة والسقاء فلم تجد
ما تربط به وبحثت فلم تعثر على ما تريد، ففكت نطاقها (الحزام الذي تلفه حول وسطها) وشقته نصفين، وربطت بأحدهما السفر وبالآخر السقاء،
وعندما رآها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تفعل هذا قال لها: “أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة” ومنذ ذلك الحين سُمِّيت بذات النطاقين.
واستمر عطاء أسماء موصولاً للدعوة الإسلامية ولم يتوقف عند هذا الحد.. وما ان علم زوجها بخبر هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه
حتى أسرع بالذهاب من الشام إلى يثرب وهناك انتظر زوجته التي جاءت مهاجرة وهي “حامل” وما ان وصلت “قباء” حتى وضعت وليدها “عبدالله”
فكان أول مولود يُولد للمهاجرين في المدينة، وهنأ بعضهم بعضاً وانتشر الخبر وقُضي بذلك على ما أشيع من أن اليهود قد سحروا للمسلمين
ولن يُولد للمهاجرين مولود في المدينة.

مع المجاهدين

أولت أسماء اهتماماً كبيراً لأبنائها فربّتهم على تعاليم الإسلام والتمسك بمبادئه القويمة وعلى الإخلاص لله ولرسوله والجهاد في سبيله،
وعلى الشجاعة ليكونوا في الصفوف الأولى مع المجاهدين، فهي تعلم أن الإسلام دائماً بحاجة إلى المجاهدين، فكانت تقصّ عليهم أخبار
أبطال المسلمين مثل حمزة بن عبدالمطلب وغيره ممَّن استشهدوا في سبيل الله، ويكفي أن أباهم الزبير بن العوام لم يتخلَّف مرة عن غزوات الرسول،
فظل في مقدمة المجاهدين الأولين في حياة الرسول حتى بشَّره بالجنة، فكان واحداً من العشرة الذين بشَّرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة.
ومع هذا أيضاً، شاركت أسماء بنت أبي بكر في معركة اليرموك مع زوجها الزبير.. وكان لها دور في الصراع بين ابنها عبدالله والحجاج حيث
كانت تشجع ابنها عبدالله على استمرار قتاله للحجاج حتى قُتل وقالت قولتها المشهورة عندما صلبوا جثة ابنها: “وما يضير الشاة سلخها بعد ذبحها؟!”.
وعقب مقتل ابنها بأيام، فقدت بصرها وتُوفيت بعد ذلك بأيام قليلة أيضاً وقد بلغت من العمر نحو مائة سنة، ودُفنت في مكة. وذكر الذهبي أن أحاديثها
متفق عليها في الكتب الستة. كما ذكرها ابن حزم وابن القيِّم ضمن الصحابيات اللائي جلسن للفتيا. فرضي الله عنها وأرضاها.

منقول من جريدة الخليج
الإمارات